بعد قرن عاشه من الإبداع، من المؤكد أنك إن تجولت في ميادين إيران ستشعر بروحه حولك حينما تشاهد بصمته في كل ميدان، هو أبو الحسن خان صديقي رائد فن النحت في إيران.
نشأته
وُلد أبو الحسن خان في حي عودلاجان بطهران عام 1894، حيث قد إنتقلت أسرته قبل مولده من مازندران إلى هناك ليستقروا في أهم مكان تجاري آنذاك، وحينما بلغ السابعة التحق بأحدى المدارس الجديدة التي شيدت في تلك الحقبة، وكان له أستاذ علمه الرسم، وأحب الرسم وكان يعلق لوحاته على جدران المدرسة رغم إعتراض الإدارة.
كان من أسرة ارستقراطية، لذا لم يكن والده يرغب في أن يعمل أبنه رسام، وكان يعلق عليه آمال كبرى، فزاده رفض الآخرين لموهبته تعلقًا بها، فترك الدراسة في العام الأخير، والتحق بأحدى المدارس الصناعية، ليتعلم فنون الرسم، وبعد ثلاث سنوات حصل على الدبلوم بتقدير امتياز وعمل بالمدرسة كمدرس.
كانت هناك رغبة غامضة تحرك صديقي تجاه فن النحت، حيث كان كالمسحور به، ولكن لم يكن في إيران أي أستاذ للنحت، كما لم يكن هناك أي مكان بما فيه مدرسة الصنائع يُدرس فن النحت.
في عام 1922 قام بصنع تمثال نصفي من الطباشير، وعرضه على أستاذه كمال الملك ـ أشهر رسام في تلك الحقبة ـ فوجد فيه استعدادًا حقيقيًا لتعلم هذا الفن، و نواة موهبة حقيقية تدل على إبداع مستقبلي، لذا ساعده و أحضر له من أوربا كتبًا عن فن النحت كي يتعرف نظريًا على هذا الفن، ظل لمدة ثلاث سنوات يصنع التماثيل من الطباشير، حتى طلب ذات يوم من كمال الملك أن يوفر له حجر كي يصنع تمثال من الحجر، لكن كمال الملك عارضه لأنه لم يتطور بالشكل الكافي كما أن تكلفة الحجر باهظة.
لكنه أصر أن ينفذ تمثال فينوس من الحجر، وبالفعل أنهى تمثال فينوس عام 1925، لينبهر به كمال الملك ويعرضه على أحمد شاه القاجاري آخر ملك الدولة القاجارية، فأعجبه كثيرًا واشتراه بمبلغ كان يعد ضخم آنذاك وهو 50 تومان، ثم حدد لصديقي راتب شهري 20 تومان كي يستمر ويتقدم في النحت، ثم أسسوا ورشة عمل لفن النحت في مدرسة الصنائع بإيران لأول مرة، وقد صنع في هذه الفترة الكثير من التماثيل.
السفر إلى أوروبا
في عام 1928 اقترح كمال الملك عليه السفر إلى أوربا، كي يدرس عمليًا، ويتعرف على المدارس الفنية المختلفة، وبالفعل سافر إلى فرنسا على نفقته الخاصة، وقد مر بعدة دول كأزربايجان و روسيا حتى استقر في فرنسا، وبينما كان العالم يستعد لحرب عالمية في الخارج كان هو في مرسمه يصور بيديه عالم كبير حدوده 160 لوحة.
عاد إلى إيران عام 1933، وتزوج أبنة خاله، وقرر أن يكمل مسيرته في بلده بمساعدة صديقه وزميل دراسته علي محمد حيدريان.
في عام 1940بعد وفاة كمال الملك، توقفت ورشة النحت لأسباب غير معروفة، حتى تم إنشاء مدرسة الفنون الجميلة والتي كان صديقي يدرس بها، وبعد افتتاح جامعة طهران تحولت لكلية الفنون الجميلة.
وفي عام 1961 توقف عن التدريس في جامعة طهران، ليتفرغ لعمله الخاص، وسافر هذه المرة إلى إيطاليا وصنع أعظم تماثيله في هذه الفترة مثل نادر افشار وجيشه و سعدي كما صنع تمثال للفردوسي من المرمر بارتفاع ثلاثة أمتار.
أعماله
قد صنع صديقي 83 تمثال، أغلبهم لأهم الشخصيلت الإيرانية على مدار التاريخ، و أشهرهم :
تمثال الفردوسي في ميدان الفردوسي بطهران
تمثال ميرزا تقي خان أمير كبير في طهران
تمثال نادر شاه و جيشه في مدفنه بمشهد، وقد صُنع في إيطاليا ثم تم نقله إلى إيران.
تمثال سعدي في ميدان سعدي بشيراز
ويعد تصميم وجه ابن سينا من أبرز أعماله. بالإضافة إلى عشرات اللوحات، أغلبها من الألوان المائية وألوان الزيت.
وفاته
توفى رائد فن النحت في عام 1995، عن عمر 101 عام.
ومن الجدير بالذكر أن منظمة اليونسكو قد قررت جمع أعماله ونشرها في كتاب ليكون مرجع في مجاله قبل وفاته بعام.