الجزيرة
كتب زيد العلي للجزيرة الإنجليزية وترجمت “إيران خانه”:
تأكد الآن فوز الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر وائتلافه في الانتخابات البرلمانية العراقية بـ 54 مقعداً. وحصل أقرب منافس له على 47 مقعداً وهي قائمة فتح بقيادة هادي العامري.
وقد فرضت هذه النتائج ديناميكية جديدة بالفعل، والتي سيكون لها تأثير على السياسة الداخلية والخارجية للبلاد. وسيعتمد الحجم الكلي لأي إصلاحات على عدة العوامل، بعضها سوف يتم تنفيذه في الأشهر القادمة.
الانقسام السياسي
وبينما تبلغ نسبة مقاعد الصدر 16.4% فقط من مقاعد البرلمان الجديد، إلا أنه بسبب السياسة العراقية المنقسمة إلى درجة كبيرة، أصبحت نسبة الصدر لا يستهان بها. وفي السنوات السابقة، كان تشكيل حكومات الوحدة الوطنية، والتي جمعت تقريبًا جميع الأحزاب التي كان لها تمثيل في البرلمان، عرفيًا في العراق، لكن هذا لن يكون ممكنًا الآن لعدة أسباب مختلفة.
فعلى الرغم من أن القانون الانتخابي الذي تم تصميمه لينفع الائتلافات الأكبر، إلا أن البرلمان القادم سوف يستوعب 28 حزبًا لكل منها 5 مقاعد أو أقل. وستشغل هذه الأحزاب مجتمعة 58 مقعدًا (أو حوالي 18% من البرلمان المقبل).
ويعاني المجتمع السني العراقي من الانقسام بشكل ضخم. ففي البرلمان القادم سوف تتواجد عشرة أحزاب سنية مختلفة وستشغل 39 مقعدًا. وسيكون من المستحيل تقريبًا ضم معظم هؤلاء النواب، إن لم يكن جميعهم، في الحكومة المقبلة نظرًا إلى أن ثقلهم السياسي الذي قد لا يستحق تكلفة التكبد بإدراجهم.
أما مقاعد البرلمان المتبقية فليست موزعة بالتساوي. فيعود فقط ما بين 40 و60 مقعدًا إلى ثلاثة تحالفات انتخابية، وهناك ثلاثة تحالفات إضافية لها ما بين 20 و40 مقعدًا. وفي هذا السياق، لا مفر أن تشمل الحكومة المقبلة التحالفات الثلاثة الرئيسية بما في ذلك تحالف الصدر “سائرون”.
وبالإضافة إلى ذلك، على الرغم من الاختلاف الطفيف نسبيًا بينهم (في عام 2014، كان هناك فرق 58 مقعد بين الفائز وأقرب منافسيه) ، لم يتم تعيين جميع التحالفات السياسية الرئيسية الثلاثة بالتساوي. ويعد الصدر واحدًا من الشخصيات السياسية التي تتمتع بدعم ثابت ومتزايد بين دوائر انتخابية محددة.
وكنتيجة لذلك، فإن تحالفه أقل عرضة للانقسام والتدهور. وأقرب منافسي الصدر هم تحالفات مؤقتة من المرجح أن تضعف في الأشهر أو السنوات القادمة.
مصالح إيران على المحك
ويبدو أن جميع القوى السياسية الرئيسية في البلاد تتفهم الحقائق السياسية والوقائع الجديدة التي فرضتها الانتخابات، والتي تنجذب الآن نحو الصدر. وقد تم بالفعل عقد عدد من الاجتماعات الثنائية منذ الإعلان عن النتائج الأولية، حيث شمل العديد منها كبار القادة الذين قاموا بزيارة الصدر بشروطه. والصدر الآن في موقع رئيسي يمكنه الحصول على تنازلات وفرض جزء من خطة عمله. وبالنظر إلى مدى عدوانيته في الماضي، فمن غير المحتمل أن يرضي هذا العديد من الجهات.
ومن المتوقع أن يُقال أن عدد من المسؤولين الإيرانيين غير راضين عن نتائج الانتخابات. حيث كانت مصالح إيران ونفوذها مؤثر مهم خلال الحملة الانتخابية وسيستمر خلال عملية تشكيل الحكومة. الواقع أن التأثير الإيراني هو أحد نقاط الاختلاف الجوهرية الوحيدة بين الأحزاب الرئيسية في العراق.
ويصر الصدر أكثر بكثير من العديد من منافسيه على اتباع نهج “العراق أولاً”، الذي يفسره البعض على أنه دعوة لاستبعاد إيران من الاعتبارات السياسية.
ولدى إيران نفوذ كبير في العراق، لكنها بعيدة كل البعد عن السيطرة الكاملة التي يدعيها بعض المحللين. فقبل أكثر من عقد من الزمن، شجعت إيران جميع الأحزاب الشيعية الرئيسية في البلاد على توحيد الصفوف في تحالف انتخابي واحد وشجعت أيضًا على تشكيل آلية تسمح للأطراف بالعمل على حل خلافاتهم في الخفاء.
ولكن هذه الأحزاب لم تتبع النص، وفشلت في تحسين الأمن، وشاركت في تعميق الفساد في الوقت الذي تتنافس فيه مع بعضها البعض على القيادة، مما أدى إلى انهيار التحالف في عام 2009.
وردت إيران بتعديل أهدافها الأساسية، التي تبدو اليوم أنها ضمان تشكيل حكومة تحافظ على علاقات سياسية وأمنية واقتصادية مع طهران. وفي عام 2014، اعتقدت طهران أن رئيس الوزراء نوري المالكي هو أفضل شخص لهذا الغرض، لكنها لم تتمكن من إبقائه في الحكومة. وتبعه بعد ذلك تعيين حيدر العبادي رئيساً للوزراء.
ولعل الأهم من ذلك هو أن إيران تدرك تمام الإدراك أن العديد من العراقيين يشككون في المصالح الأجنبية في بلدهم. ولهذا السبب، تسعى إيران إلى الحفاظ على النفوذ من خلال تسوية الخلافات وتجنب المواجهات عن عمد خوفًا من رد فعل عنيف.
ومن الناحية العملية، كل مايهم الآن هو أن إيران ستسعى على الأرجح إلى تعزيز بعض أو جميع حلفائها الرئيسيين (خاصة تحالفات فتح وائتلاف دولة القانون، الذين لديهم معا 72 مقعدًا) كصوت موحد قوي في الحكومة المقبلة.
أجندة الصدر
ولا تختلف أجندة الصدر السياسية وأجندة منافسيه الرئيسيين. فقد ركز جميع مرشحي الانتخابات تقريبًا في حملاتهم على الحاجة إلى الإصلاح ، وتحسين مستويات المعيشة، ومكافحة الفساد .. إلخ. ويصر الصدر أكثر بكثير من العديد من منافسيه على نهج “العراق أولاً”، والذي يفسره البعض على أنه دعوة لاستبعاد المصالح الإيرانية من اعتبارات السياسة العامة. وقد أثار ذلك بجانب حقيقة أن العديد من أنصاره مولعين بالشعارات المعادية لإيران، مخاوف طهران.
ولكن ، مثلما لا يستطيع الإيرانيون السيطرة على من سيحتلون منصب رئيس الوزراء ، فهم يدركون تمامًا أن خيارات الصدر محدودة بنفس القدر. فقد يكون في مركز الصدارة، لكنه لا يستطيع أن يستبعد الائتلافات بين فتح وحزب القانون من الحكومة القادمة كليًا. وسيُفسَّر ذلك على أنه تحامل متعمد وصريح ضد مصالح إيران، الأمر الذي من شأنه أن يشجع على استجابة قوية بنفس القدر. والصدر سيفضل تجنب المواجهة المباشرة مع إيران.
كلٌ من هذه الديناميكيات سوف تلعب دورها في عملية تشكيل الحكومة. وكما هو الحال دائمًا، سيكون معظم التركيز على الوزارات “السيادية” (الدفاع والداخلية والشؤون الخارجية والمالية .. إلخ)، ومن المرجح أن يطلب حلفاء إيران السيطرة على واحدة على الأقل من الوزارات الأمنية.
وسيكون البرلمان المقبل هو الأول من نوعه الذي لا يدعم فيه تحالف انتخابي مهيمن أي من المرشحين الرئيسيين لمنصب رئيس الوزراء. وسيظل منصب رئيس الوزراء منصبًا مهمًا؛ من خلاله وبدعم من الموظفين الرئيسيين في الحكومة، سيتمكن السياسيون الفرديون من ممارسة سيطرة كبيرة على سياسة الدولة.
وليس لدى “سائرون” العديد من المرشحين الأوائل لمنصب رئيس الوزراء، مما أدى إلى تكهنات بأن الصدر سيسمح للرئيس الحالي حيدر العبادي بالبقاء. وبغض النظر عما إذا كان ذلك سيحدث أو لا، فمن المرجح أن يحول الصدر اهتمامه إلى كيف يؤدي مكتب رئيس الوزراء عمله. ومن المرجح أن يشمل ذلك التدقيق في موظفي مكتب رئيس الوزراء، والذي كان فيما مضى يهيمن عليه حزب الدعوة الإسلامي الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي منذ عام 2005. ومن المرجح أن يتم تجنيد مسؤولين جدد، الذين سيسعون إلى فرض أجندة جديدة لكل من رئيس الوزراء ومجلس الوزراء.
وإذا كان الصدر حقيقيًا في رغبته في كبح النفوذ الأجنبي، وإذا ما تصرف بذكاء خلال عملية تشكيل الحكومة، فقد يجد أنه سيمتلك نفوذًا كافيًا للقيام بذلك؛ لكن هذا أبعد ما يكون عن المتاح. وسوف تكشف الفترة القادمة من المفاوضات عن أهدافه الحقيقية ومدى براعته في تحقيقها.