بلومبيرج
كتب د.حسين إبيش وهو باحث مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن لبلومبرج هذا المقال، وترجمته إيران خانه:
إن الشيء الوحيد الواضح من انتخابات 12 مايو في العراق هو ما رفضه الناخبون: إيران والولايات المتحدة. فقد سيطرت هاتان القوتان الخارجيتان على شؤون العراق منذ عام 2003، وهذه هي العلامة الأخيرة بأن عددًا متزايدًا من العراقيين يتتوق إلى إعادة تأكيد هويتهم واستقلالهم.
وخلاف ذلك، فلا تزال الأمور معقدة. فقد ذهب أكبر عدد من المقاعد البرلمانية -54 مقعدًا- إلى الائتلاف الذي يرأسه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر. وحل ائتلاف الأحزاب الشيعية الموالية لإيران في المركز الثاني بعدد 47 مقعدًا. وفازت الكتلة التي يقودها رئيس الوزراء حيدر العبادي، المرشح المفضل لأمريكا، بـ 42 مقعدًا.
ولتشكيل أغلبية حاكمة في البرلمان يتطلب الأمر 165 صوتًا، ومع وجود أعداد كبيرة من المجموعات الأصغر العرقية والطائفية والإقليمية، فإنه لا مفر من انقضاء أشهر من المناورات حتى يحصل أحد على منصب.
ويضاف إلى ذلك حكم محكمة 2010 السيئ الذي صنع أول شرخ في تشكيل حكومة جديدة حيث لا يذهب الحق في ذلك تلقائيًا إلى المنتصر في الانتخابات، ولكن -على افتراض أنه لا يوجد من يملك أغلبية مطلقة- إلى من يستطيع تجميع أكبر كتلة بعد الانتخابات.
وهكذا، فإن كل ما فعلته الانتخابات هو وضع نظام للسياسة الحقيقية، التي تجري الآن في كثير من الغرف الرسمية، والتي سوف تستغرق شهورًا.
وسيتذكر العديد من الأميركيين الصدر من فترة احتلال ما بعد الغزو، عندما قاد ميليشيا هاجمت القوات الأمريكية وارتكبت فظائع ضد السكان السنة. وفي ذلك الوقت، كان يُنظر إلي الصدر في الأصل على أنه القوة الطائفية الشيعية الموالية لإيران في بغداد والمدن العراقية الرئيسية الأخرى، لا سيما في الأحياء الفقيرة.
ومع مرور الوقت، ظهر مرة أخرى بعدما أصبح هناك نوعًا من السياسيين الأمريكيين على دراية تامة بهذا الرجل المتقلب وغير الواقعي، فضلاً عن كونه متلونًا ومتغيرًا باستمرار. ورغم أنه لم يتوافق أبدًا مع الولايات المتحدة، إلا أن له خصومة مريرة مع إيران.
وقد نجح في إعادة تقديم نفسه كرجل قومي، مع قبول هائل له في المناطق المدنية، مع وجود -للدهشة!- دعم كبير له بين العرب السنة. حتى الثلاث شيوعيون العراقيون الذي ترشحوا لتوهم كانوا مترشحين في ائتلافه.
كما أنه يجمع بين شعار “العراق أولاً”، الذي يعتبر معاديًا لأميركا لإيران معًا في الوقت ذاته، وبين الاستنكار الحادة للسياسات والحكم الحالي، وبين المطالبات بالكفاءة المهنية والتكنوقراط في الحكومة، كل هذا معًا في الوقت نفسه الذي ينتقد فيه أولئك الذين يظنهم مأجورين سياسيين أو الديماجوجيون الدينيين. هذا التحول سمح للصدر بإعادة بناء علاقات مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى.
ومن الصعب الحصول على 165 صوتًا برلمانيًا بدون جماعة الصدر. وهذا يعني على الأرجح مشكلة بالنسبة للوجود الأمريكي في البلاد، ولكن من المحتمل أيضًا ظهور حكومة عراقية مستقلة عن نفوذ طهران وترغب في إعادة دمج العراق في العالم العربي.
وبالطبع، من المحتمل أيضًا أنه إذا كانت جميع القوى الموالية لإيران في البرلمان -بما في ذلك تحالف فتح الذي يمثل الميليشيات الشيعية الطائفية- إلى جانب الأحزاب الموالية لعبادي ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، بالإضافة إلى مجموعات صغيرة مثل الاتحاد الوطني الكردستاني اتحدوا معًا، فقد تنبثق حكومة مؤيدة لطهران. وبحسب ما ورد، فقد قام الجنرال قاسم سليماني المندوب المفوض من الحرس الثوري الإسلامي بحملة سياسية في العراق في محاولة لترتيب هذا بالضبط.
ويتزايد قلق إيران من الحكومة العراقية المقبلة بشكل كبير بسبب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي والعديد من العلامات الواضحة من الحلفاء واشنطن الإقليميين مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية بأن طهران ستواجه الآن حربًا مالية، وربما كذلك نطاقًا أوسع من الضغوط المتعمدة للحد من نفوذها في المنطقة.
وقد حققت المملكة العربية السعودية تقدمًا كبيرًا في السنوات الأخيرة في إضعاف قبضة إيران على العراق وإعادة تأسيس وجود سياسي عربي سُني وعربي خليجي هناك. ومن المؤكد أن الرياض سترحب بائتلاف يقوده الصدر أو يتمركز حوله، ويتضمن كتلة العبادي، والحزب الديمقراطي الكردستاني، ومجموعة التحالف الوطني العلماني برئاسة إياد علاوي، رئيس الوزراء المؤقت السابق.
وليس هناك احتمال حالي لوجود حكومة علنية معادية لإيران في بغداد. لكن هناك إمكانية حقيقية، وربما حتى أرجحية، لوجود ائتلاف بقيادة الصدر غير إيراني التوجيه. ولا يزال من غير الممكن رؤية مدى الاستقرار الذي يمكن أن يتحقق، وإلى أي مدى يمكن أن يُساهم بالفعل في ظهور عراق مستقل لا يخضع لسيطرة الولايات المتحدة أو إيران أو الدول العربية.
وللسخرية، لن يهم إذا كانت الحكومة الجديدة في الأساس مؤيدة لإيران أم لا، فجميع الأطراف تقريبًا ستنضم إليها في نهاية المطاف. فمنذ عام 2005، وبغض النظر عمن شكل حكومة، فقد انضم الجميع تقريبًا إليها في النهاية. وتعد العراق واحدة من أكثر دول العالم فسادًا، وكما يقولون، من الصعب أن تضع يدك في جرة الكعك إن كنت تقف خارج المطبخ عابسًا.
ويعتبر الصدر هو الأفضل حظًا لتشكيل الحكومة المقبلة، لكنه لا يستطيع أن يقودها مباشرة لأنه لم يلطخ نفسه بأمور السياسة الفظة ولم يترشح للبرلمان. وكذلك فإن لهجته العقلانية المثالية سوف تصعب الأمور على أي شخص آخر يحاول أن يرتقى إلى مستوى كلامه المنمق والسامي.
وستبذل إيران قصارى جهدها لمنعه من استعادة أتباعه في السلطة في بغداد. ونتائج الانتخابات تدفع إيران نحو تلك مجازفة. ولم ترسخ أي دولة أخرى نفوذها في العراق في السنوات الأخيرة مثل إيران، لذا فهي في وضع جيد يُمكِنها من اللعب لمدة طويلة. والعكس هو أنه لا يوجد بلد مثل إيران لديه ما يخسره في العراق الآن.
ومع استعداد طهران لاستقبال كوارث مالية مدمرة وأخرى مثيلة بسبب عقوبات الولايات المتحدة وربما حلفائها، فإن خسارة غالبية نفوذها في العراق سيشكل سابقة سيئة للغاية. وسيكون مسار السياسة العراقية بعد الانتخابات بمثابة مؤشر مبكر ومهم على تحديد الاتجاه الذي يسير نحوه نفوذ إيران الإقليمي في الشرق المتوسط.