على مدار تاريخ الجمهورية الاسلامية الايرانية خلال المائة عام الماضية كان للمرأة الإيرانية دورا فعالا في صناعة تاريخ الدولة الايرانية رغم ما لاقته من قمع حريات وتقاليد صارمة بالاخص بعد وصول الاسلاميين إلى الحكم، في السطور التالية يعرض “ايران خانة” قصص اربع نساء ممن صنعن هذا التاريخ ضمن الحلقة الثانية من ملهمات دولة الملالي.
الصوت القادم من السماء
الطفلة فاطمة غرار او كما يلقبها كل من رأها واستمع إلى صوتها وهي تغني “الصوت القادم من السماء” أحد الايرانيات التي تستحق بلا ادني شك ان يتحدث عنها الجميع فهي تمثيل واضح وخير دليل لقوة مواجهة وتحمل ما يصيبنا به المولي بثبات ورضا وقناعة تجعل الجميع يحرج من نفسه.
فالطفلة التي اختارها الله ان يصيبها بمتلازمة كروزون (اضطراب وراثي نادر، يؤدي إلى الالتحام المبكر لبعض عظام الجمجمة، هذا الالتحام المبكر يمنع الجمجمة من النمو بشكل طبيعي، ويؤثر على شكل الرأس والوجه) إلى جانبها اعاقتها الجسدية، امتكلت صوت يأسر القلوب ويبشر باننا امام موهبة من الغناء ينتظرها الكثير والكثير مستقبلا.
ومنذ اكتشاف موهبة الطفلة الغنائية واصبحت تتمتع بشهرة واسعة داخل حدود الجمهورية الاسلامية وخارجها وكونت قاعدة جماهيرية لا بأس بها يطالبونها دائما بعدم التوقف عن الغناء.
العفة لا تقدر بثمن
ريحانة جباري ملايري ملهمة أخرى ايرانية قصتها الهمت العالم اجمع فهي التجسيد الحقيقي لمعني ان العالم أكثر قسوة مما كنا نتخيل، باختصار ريحانة مهندسة ديكور ايرانية كانت حياتها تسير بشكل طبيعي مثل حيوات مثيلاتها حول العالم حتى وقعت ضحية لواقعة اغتصاب من احد المسئولين الايرانين وفي سبيلها لفاع عن نفسها قتلت هذا المسئول، ولكن القضاء الايراني لم يقتنع بهذة الرواية واكد انها لم تقدم الدلائل الكافية لاثبات ذلك فحكم عليها بالاعدام ونفذا عام 2014 رغم جمع مئات الاف التوقيعات من المهتمين بقضية الايرانية يطالبون بوقف هذا الاعدام لكن حبل المشنقة كتب المشهد الاخير في حياتها.
اعدام ريحانة لم ينهي اهتمام العالم بها فرسالتها التي وجهتها لوالدتها ما زالت حتى وقتنا هذا تداول بشكل كبير عبر جميع مواقع التواصل الاجتماعي ومع كل واقعة تنتهك فيها ادامية المرآة وانسانيتها.
نص رسالة ريحانة الأخيرة
عزيزتي شعله، علمت اليوم أنه قد جاء دوري الآن لمواجهة القصاص. أنا متألمة أنك لم تعلميني بنفسك أنني قد وصلت إلى الصفحة الأخيرة من كتاب حياتي، ألا تظنين أنه كان يجب أن أعرف؟ تعرفين كم أنا خجولة من حزنك. لماذا لم تعطيني الفرصة لتقبيل يدك ويد أبي؟
سمح العالم لي أن أعيش لمدة 19 عاماً، وكانت تلك الليلة المشؤومة هي الليلة التي كان يجب أن أقتل فيها. كان سيتم إلقاء جسدي في ركن من أركان المدينة، وبعد بضعة أيام، كانت الشرطة سوف تستدعيك لمكتب الطبيب الشرعي للتعرف إلى جثتي، وهناك كنت ستعلمين أيضاً أنني تعرضت للاغتصاب، ولم يكن سيتم إلقاء القبض على القاتل، لأننا لا نمتلك ثرواتهم وقوتهم، ومن ثم كنت سوف تقضين حياتك في معاناة وعار، وبعد سنوات قليلة كنت ستتوفين نتيجة هذه المعاناة، وكان كل شيء سينتهي هناك.
رغم ذلك، ومع تلك الضربة اللعينة، تغيرت القصة. جسدي لم يلق جانباً، ولكن في قبر سجن إيفين وعنابره الانفرادية، والآن في السجن الذي يشبه القبر في شهرراي، ولكنك تعرفين جيداً أن الموت ليس نهاية الحياة.
لقد علمتني أننا نأتي إلى هذا العالم لاكتساب الخبرات وتعلم الدروس، وأنه مع كل ولادة توضع مسؤولية على كتف شخص ما. لقد تعلمت أن على الشخص أحياناً القتال. أتذكر عندما قلت لي إنه للخلق قيمة ينبغي على المرء أن يثابر حتى لو كان عليه أن يموت.
أنت علمتني أنه عندما أذهب إلى المدرسة ينبغي علي أن أكون سيدة في وجه النزاعات والشكاوى. هل تذكرين كم كنت شديدة بشأن الطريقة التي نتصرف بها؟ وكانت تجربتك صحيحة.
ولكن عندما وقع هذا الحادث تعاليمي لم تساعدني. تقديمي إلى المحكمة جعلني أبدو كأنني قاتلة بدم بارد ومجرمة بلا رحمة، لم أذرف الدموع، لم أتسول.
هذا البلد الذي زرعت حبه في داخلي لم يكن يريدني أبداً، ولا أحد دعمني عندما كنت تحت ضربات المحقق أبكي وأسمع أكثر المصطلحات إهانة. وعندما نزعت عن نفسي علامة الجمال الأخيرة، وحلقت شعري، كوفئت بـ11 يوماً في الحبس الانفرادي.
عزيزتي شعله، لا تبكي على ما تسمعينه الآن. في اليوم الأول الذي عمد فيه وكيل الشرطة إلى إيذائي من أجل أظافري، فهمت أن الجمال ليس أمراً مرغوباً في هذا العصر، لا جمال المنظر، ولا الأفكار والرغبات، أو الكتابة، أو حتى جمال العيون والرؤية، ولا حتى الصوت.
أمي العزيزة، لقد تغيرت أيديولوجيتي، أنت لست مسؤولة عن ذلك. كلماتي لا تنتهي، وأعطيتها كلها لشخص ما حتى عندما أعدم من دون وجودك ومعرفتك، يسلمك إياها، لقد تركت لك الكثير من المواد المكتوبة بخط اليد كتراث لي.
ومع ذلك، أريد شيئاً منك قبل موتي، وعليك أن تقدمي لي هذا الشيء بكل قوتك وبأي شكل من الأشكال، في الواقع هذا هو الشيء الوحيد الذي أريده من هذا العالم، من هذا البلد ومنكم.
أمي الطيبة، أكثر شيء عزيز علي في حياتي، أنا لا أريد أن أتعفن تحت التراب، لا أريد لعينيّ أو قلبي الشاب أن تتحول إلى غبار. أتوسل إليك أن يتم أخذ قلبي والكلى والعيون والعظام وأي شيء يمكن زرعه بعيداً عن جسدي، ما أن يتم شنقي، ويعطى لشخص يحتاج إليه كهدية. لا أريد أن يعرف المتلقي اسمي، أو يشتري لي باقة ورد، أو حتى يقوم بالدعاء إلي.
أنا أقول لك من أعماق قلبي إنني لا أريد أن يكون لي قبر لتأتي إليه وتحزني وتعاني. أنا لا أريدك أن تقومي بارتداء الملابس السوداء، وابذلي قصارى جهدك لنسيان أيامي الصعبة، وامنحيني للريح لتأخذني بعيداً.
العالم لم يحبنا. والآن أنا أستسلم لذلك وأحتضن الموت، لأنه في محكمة الله سوف أقوم باتهام المفتشين، وسوف ـتهم القاضي، وقضاة المحكمة العليا في البلاد الذين ضربوني عندما كنت مستيقظة، ولم يمتنعوا عن مضايقتي.
في العالم الآخر، أنا وأنت من سيوجه التهم، وغيرنا هم المتهمون. دعينا لنرى ما يريده الله. أحبك.
مخترعة أسورة بريل
ليس هناك خدمة تقدم لهذا العالم افضل من خدمة تتيح لذوي الاحتياجات الخاصة ان يتعاملوا وسط هذا العالم كانهم كاملون لا ينقصهم شيء وا يختلفون عن اي أحد وهو ما فعلته الباحثة الايرانية أسري باكنهاد التي تمكنت العالم الماضي من اختراع اسورة تتيح للمكفوفين الاتصال بالهواتف الذكية والعكاكيز ذكية تمكنهم من معرفة الموانع أمامهم على بعد مترين.
وحينما سئلت الايرانية عن سر اهتماماه بهذا الامر قالت “285 مليون شخص في العالم يعانون من مشاكل بصرية، ومن بينهم 39 مليون شخص فاقد لنعمة البصر بشكل كامل وهذا قد شكل دافعا لدينا من أجل المضي نحو إبداع أسورة ذكية خاصة بالمكفوفين، تتيح لهم الاستفادة من التكنولوجيا العصرية واستعمال الهواتف الذكية من خلال خلق امكانية الارتباط بهذه الهواتف”.
الباحثة الايرانية تمكنت العام الماضي من تسجيل اختراعها الجديد وتنتظر الان الاستثمار عليه ودخوله السوق حتى يصل إلى مستحقيه ومن هما في احتياج اليه.
الأم المؤسسة لعلم الفلك الايراني الحديث
وخير الختام سيكون بالحديث عن العالمة الايرانية آلينوش طريان التي تسمى بالام المؤسسة لعلم الفلك الإيراني الحديث نظرا لاسهامتها ففي علوم الفلك والفيزياء.
العالمة الايرانية ذات الاصول الارمينية ولدت لاسرة مسيحية أرمنية في طهران وابيها كان يعمل أديب ومترجم، وبعد تخرجها من قسم العلوم بجامعة طهران بدأت مشوارها المهني في مختبر الفيزياء بهذة الجامعة ولم تكمل عامام واحدا من العمل وانتخبت رئيس العمليات المختبرية.
حصلت على الدكتوارة في فيزياء الغلاف الجوي من جامعة السوربون الباريسية ثم عادت إلى ايران من جديد وأكملت في مشوارها المهني وخدمتها للعلم واصبحت استاذ مساعد في الديناميكا الحرارية في جامعة طهران ثم علمت بعد ذلك في اليزياء الشمسية بالمانيا الغربية لمدة اربعة اشهر من خلال منحة دراسية قدمت لها من قبل الحكومة الألمانية وبعدها أصبحت أول استاذ للفيزياء من الاناث في دولة الملالي