BLOOMBERG
كتب حسين إيبش باحث أول في معهد دول الخليج العربية في واشنطن لوكالة أنباء بلومبرج وترجمت إيران خانه:
لم يحظَ انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاقية النووية الإيرانية بتأييد دولي، لكن ثلاثة من حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط -إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- رحبوا بهذه الخطوة بشدة.
فقد قالت إسرائيل منذ فترة طويلة أن الاتفاق لم يقدم ما يكفي لمنع إيران من أن تصبح قوة نووية، ورأت دول الخليج العربي أنها منحت إيران ستارًا لحملتها المكثفة لزعزعة استقرار العالم العربي. ويبدو أن هذه الدول لديها الكثير من الأفكار عندما يتعلق الأمر بوضع خطة بديلة لحملة الاحتواء التي تقودها الولايات المتحدة ضد إيران.
ولم تتشارك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قط قناعة الرئيس باراك أوباما بأن تخفيف العقوبات والعمل المشترك يمكن أن يساهما في ضبط انحراف الثورة الإيرانية وتدخلها الإقليمي ودعمها للمتطرفين الطائفيين. لذا فهم مسرورون من هجوم ترامب الكلامي وإعادته لفرض العقوبات ضد النظام الإيراني، ويرغبون في أن تحبط الولايات المتحدة أي جهود تبذلها الدول الأوروبية التي ما زالت ملتزمة بالاتفاق النووي لإيجاد طريقة تسمح لشركاتها بالاستمرار في التعامل مع المؤسسات الإيرانية.
ومع ذلك، فإن توسع إيران كقوة إقليمية حدث بشكل كبير قبل توقيع الاتفاق النووي، ولم تردع العقوبات الدولية الشاملة التي كانت موجودة في السنوات التي سبقت الاتفاق دعم طهران للجماعات المتطرفة في البلدان العربية مثل العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن.
لذلك لا تتوقع دول الخليج أن تكفي العقوبات، فهم يأملون، بعدما سقطت الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، أن تتبع واشنطن استراتيجية إقليمية منسقة للحد من قوة إيران.
من بين الأمور الأخرى أنهم يريدون عملًا عسكريًا محدودًا ومركزًا لإبطال بعض المكاسب التي حققتها إيران منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.
وعلى أرض الواقع، فقد تعاملوا بالفعل مع المتمردي الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، بالإضافة إلى تنظيم القاعدة المحلي. وربما يأملون أيضًا في لعب دور في مواجهة سلوك إيران الخارج عن القانون في الخليج نفسه، ويتطلعون أن تأخذ واشنطن زمام الأمر في مواجهة إيران في العراق، ولكن هناك أيضًا، أظهرت المملكة العربية السعودية استعدادها للعب دور دبلوماسي وسياسي ومالي.
ولعل مسرح الأحداث الأكثر أهمية استراتيجية في أي حملة من هذا القبيل هو سوريا، التي هي بعيدة كل البعد عن دول الخليج. فهناك، يأملون أن تقوم إسرائيل بفرض خطوطها الحمراء في وجه إيران، وتصعب الحياة على مقاتلي حزب الله في سوريا، وربما حتى في عُقر قاعدتهم في لبنان.
وقد حثوا الولايات المتحدة أيضًا على منع إيران من الاستفادة من انهيار الدولة الإسلامية في غرب العراق وشرق سوريا من أجل إنشاء ممر عسكري آمن من إيران إلى لبنان والبحر الأبيض المتوسط. فمثل هذا الاضطراب الاستراتيجي، إذا تم تأمينه ودعمه، سيضمن ظهور إيران كقوة إقليمية عظمى.
وتريد دول الخليج العربي أيضًا العمل مع الولايات المتحدة لإقناع تركيا وروسيا بأن مصالحها في سوريا لا يمكن تلبيتها بتمكين إيران وترك زمام العنف لها. وبخلاف ذلك، فقد ثبت أنه يمكن لروسيا أن تكون عائقًا كبيرًا أمام الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، وحمل حزب الله على العودة إلى لبنان.
وأخيرًا، في حين أن دول الخليج لا تريد حربًا شاملة مع إيران، هناك دلائل على تشجيع العرب والأميركيين للثورات من قبل الأقليات العرقية الإيرانية مثل البلوش والعرب والأكراد.
وليس من أهدافهم تغيير النظام في إيران، جزئيًا لأن هذا ليس متاحًا في الوقت الحالي، فكل ما يريدونه الآن هو حملة احتواء دائمة للضغط على إيران لتغيير سلوكها وطموحها والحد من قدرتها على زعزعة استقرار جيرانها وتوسيع نفوذها.
وكل هذا هدف بعيد المنال، وأكبر من تخيل العديد من قادة دول الخليج، فبعد عقود من الهيمنة الأمريكية في المنطقة، هذه الدول تعودت واستفادت من النظام الإقليمي الأمريكي الذي فرض نفسه. ولكن الآن، وخاصة بعد حرب العراق وأفغانستان، يشعر الأمريكيون بمختلف أطيافهم السياسية بالإرهاق الشديد من حروب الشرق الأوسط. إلى جانب أن حملة ترامب الانتخابية تحت شعار “أمريكا أولًا” لم تُظهر حماسًا كبيرًا لمثل هذا النوع من السياسة الخارجية التدخلية التي يأملها حلفاء الخليج.
لكن إذا أرادت الولايات المتحدة مكافحة الإرهاب ومواجهة إيران، كما تصر الإدارة على أنها تفعل ذلك، فإن فكرة ترامب بسحب أكثر من ألفي جندي أمريكي من سوريا هي فكرة سيئة.
ولا تطالب دول الخليج بتكرار ما حدث في 2003 في العراق، والتي لم يدعموه أو يشجعوه. ما يريدونه هو جهد متعدد الجهات للحد من نفوذ إيران من خلال كسر شوكة وكلائها، ودعم أعدائها والمتردين عليها، وتضييق الخناق على اقتصادها. ووحدها واشنطن هي القادرة على فعل ذلك. وتكمن الفكرة بشكل خاص في إضعاف الحرس الثوري الإيراني ووكلائه في المنطقة.
وسوف تستغرق السيطرة على إيران وقتًا وجهدًا وجنودًا، وسيكون لها ثمنًا. لكنها لا تحتاج ولا ينبغي أن تكون مخاطرة جنونية مثل تلك التي بدأت في 2003 لإعادة تشكيل العراق في صورة أمريكية. بدلاً من ذلك ، وكما أثبتت روسيا في سوريا، أنه حتى في الشرق الأوسط من الممكن أن تصل إلى أهداف محدودة بموارد محدودة، خاصةً إذا عمل الحلفاء معًا. وهذا ما تأمل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في أن يكون ضمن الخطة “ب” المتعلقة بإيران.