أتلانتك
“لا ترغب أمريكا في اتفاقية جديدة مع إيران، بل ترغب في تغيير النظام الحاكم فيها”، هذا هو رأي جايك سوليفان، الذي شغل منصب مستشار المرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون في شؤون السياسة الخارجية، ومستشار الأمن القومي لنائب الرئيس أوباما “جو بايدن”. وقد نشرت مجلة “أتلانتك” الأمريكية هذا الرأي في مقال، وترجمته “إيران خانه”:
بعد إعلان دونالد ترامب أن الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاقية النووية الإيرانية، عقد اثنان من مسؤولي وزارة الخارجية إحاطة إعلامية لشرح الاستراتيجية. وناضل المسؤولون الذين لم يتم كشف هويتهم للإجابة على الأسئلة الأساسية حول الغرض من إعادة فرض العقوبات على إيران، وما يتوقعون أن تحققه هذه الخطوة، والحلفاء الذين شاوروهم قبل اتخاذها، وما إلى ذلك. لكن في كل مرة حاول أحد المراسلين أن يحاصرهم بالسؤال الأساسي – والآن بعد أن تخلصتم من الاتفاقية، ما الذي سيحدث؟- تهربوا من الإجابة.
وفي يوم الجمعة الماضي، حاول الصحفيون مرة أخرى في مؤتمر هاتفي آخر مع مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية. وقاموا بالضغط عليه للحصول على تفاصيل حول شكل الخطة التالية بالضبط. وكان أكثر ما أمكنه قوله هو أن الولايات المتحدة ستقدم “كل الضغوط اللازمة لجبر إيران على تغيير سلوكها ومتابعة نظام جديد يمكنه حل مخاوفنا”.
ولم يكن هذا التكتم بسبب أن هؤلاء المسؤولين غير مطلعين أو لأن الشخصيات الرئيسية في الإدارة مثل مستشار الأمن القومي جون بولتون لم يفكروا بالأمر بعد. تخميني هو لأنهم لسبب ما لم يشعروا بالارتياح لمشاركة الحقيقة، وهي “العقاب هو الاستراتيجية”.
فمن الناحية النظرية، ينبغي أن يكون للعقوبات غرض محدد. فنحن نفرضها كرد فعل على سلوك معين من بلد آخر، ونعرض رفعها في مقابل تغييرات محددة في هذا السلوك. بعبارة أخرى، تخلق العقوبات قوةً ما، يحدث على أثرها تنازلات على طاولة المفاوضات. كانت تلك هي قصة الاتفاق النووي الإيراني.
والمدافعون عن استخدام سياسة أكثر عدوانية مع إيران، سواء داخل الإدارة أو خارجها، ينظرون إلى العقوبات بشكل مختلف. فيبدو أنهم يشعرون أنهم ليسوا في حاجة إلى تقديم إجابات أكثر تحديدًا حول المقصود بالتحديد من العقوبات، لأن كل ما يتم تحقيقه من وجهة نظرهم أفضل من الوضع الراهن، وأنه ربما مع الضغط الكافي، سينهار النظام، وستكون هذه هي النتيجة المثالية بالنسبة لهم، وهذا ما كان يشير إليه جون بولتون مؤخرًا عندما قال: “الوضع الاقتصادي الإيراني غير مستقر نهائيًا، لذا فإن تأثير إعادة فرض العقوبات قد يكون دراميًا”. ولكن ربما لن يحدث -فربما ستتسبب إعادة فرض العقوبات فقط في ضعف النظام وانغلاقه على ذاته. وهذا يبدو جيدًا أيضًا. لكن أيضًا ربما لن يحدث -فربما سيعاني النظام من انخفاض الدخل المتاح للإنفاق على مغامراتها الإقليمية وبالتالي سيقلل من أنشطته في أماكن مثل سوريا واليمن، وهذا ليس سيئًا. ومرة أخرى ربما لم يحدث –فقد تصعب العقوبات على إيران أن تصبح أقوى، وأن تستطيع احتواء الموقف الاقتصادي.
أو ربما، بدلاً من ذلك، ستدفع العقوبات إيران إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، لقبول مطالب الإدارة فيما يتعلق ببرنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي وأنشطتها الإقليمية. وسيلقي وزير الخارجية مايك بومبيو خطابًا الأسبوع القادم، حيث سيناقش ما قد يبدو ظاهريًا وكأنه الخطة. ولكن إذا حاولت سؤال مؤيدي ترامب حول ماهية “الاتفاقية الأفضل” فعليًا، ما هي الشروط التي يجب تضمينها مثلًا، ستكتشف بسرعة أن هذا ليس اقتراحًا جديًا. على سبيل المثال، هم مرة يقولون أن التوصل إلى اتفاق حول القضايا النووية ليس كافيًا، وأن المطلوب هو استقرار إقليمي أوسع. وفي مرة أخرى يقولون أن النظام الحالي بطبيعته عاجز عن أن يكون طرفًا إقليميًا غير مؤذي. وكارهو إيران مثل جون بولتون لا يريدون اتفاقية كبيرة مع إيران، هم يريدون حكومة مختلفة في إيران.
لكن ماذا عن دونالد ترامب؟ أين هو من كل هذا؟ فقد كان يهتم كثيرًا بتمزيق الاتفاق، ولوم باراك أوباما عليه. أما ما بعدد ذلك،فهو لم يهتم كثيرًا كثيرًا. وبالتأكيد قد يوافق على اتفاقية مشابهة جدًا لخطة العمل المشتركة الشاملة، المعروفة بالاتفاقية الإيرانية، إذا كان اسمه عليها. لكن فريقه يتولى المهمة من هنا، ومهما كان خطبهم عن الدبلوماسية، فإنهم يرون أي اتفاق نووي جديد كقيد، وليس كهدف.
كانت اللحظة الأكثر أهمية في الإحاطة الإعلامية في الأسبوع الماضي هي قول أحد المسؤولين: “مشكلة الاتفاقية كانت أنها قللت من قدرتنا على الضغط على إيران”، مكررًا مرّتين بأن الاتفاقية حمت قطاعات الاقتصاد الإيراني من العقوبات. لذا فقد قالوا أن الانسحاب منها منحهم فرصة كبيرة للعمل على مزيد من الضغوط الاقتصادية.
والآن، من الإنصاف أن نسأل، ما الخطأ في كل هذا؟ فبعد كل شيء، النظام الإيراني الحالي هو أسوأ مثال على القمع والتعسف في التعامل مع شعبه، وخارجيًا يُعد جهة فعالة خبيثة في المنطقة، ومسؤولة عن قدر كبير من الفوضى والموت. فلماذا لا نضغط عليهم بلا هوادة، لفرض قيود في أقل الأحوال، وإثارة شرارة تغييره داخل إيران في أفضلها؟
واتفق مع أن الحد من سلوك إيران الإقليمي والتصدي له هو أولوية كبيرة في السياسة الأمريكية. ولا يدور النقاش فيما يخص إيران عما إذا كان سيتم وقف التأثير السلبي للجمهورية الإسلامية في المنطقة، بل عن كيف سيتم هذا. ولكني أرى عددًا من المشاكل الأساسية في النهج الذي تتبعه الإدارة.
وفوق كل شيء، كان من الحماقة البالغة خرق الاتفاقية النووية بينما كانت تؤدي عملها: وهو منع إيران من الحصول على قنبلة نووية. فنهاية الاتفاقية تعني نهاية قدرتنا على فرض قيود على برنامج إيران النووي من خلال وسائل أخرى غير التدخل العسكري. لا يمكننا أن نتوقع أنهم سوف يلتزمون بجانبهم من الاتفاقية إلى أجل غير مسمى بينما توقفنا نحن عن التمسك بجانبنا. ومن المحتمل أن يقوموا في النهاية باستئناف برنامجهم من أجل اكتساب قوة ضدنا. إذًا، يمكن لهذه الاستراتيجية أن تصنع بسهولة أزمة نووية مع مرور الوقت، وأن تحدث أزمة ذاتية لنا في ذلك الشأن.
وكان هذا غير ضروري، خاصةً بالنظر إلى أن الاتفاقية لم تمنع الولايات المتحدة وحلفائها من اتباع استراتيجية أكثر عدوانية لضبط سلوك إيران الإقليمي -بل وأبدى الأوروبيين استعدادهم للقيام بذلك. فإذا كنت مهتمًا بسلوك إيران في الشرق الأوسط إلى هذا الحد، فتمزيق الاتفاقية هو مجرد إلهاء في أفضل الأحوال. والآن سيتعين على العالم العودة إلى القلق بشأن برنامجها نووي الذي كان في السابق موضوع منتهي. والآن، تدور الحوارات في أوروبا حول نهج واشنطن تجاه الاتفاقية النووية، وليس حول نهج طهران تجاه المنطقة. ولكن حتى إذا نحينا موضوع الاتفاقية، فإن نهج الإدارة مع إيران ليس صحيحًا.
أولاً، أي سياسة تفتقد إلى هدف نهائي محدد أو واضح –كالتي تقول دعونا نستمر في زيادة الضغط ونرى ما سيحدث- سترفع من خطر التسبب في المزيد من الأخطاء والخيارات السيئة والتصعيد في الأوقات والأماكن التي لا سيطرة لنا عليها. وسيكون هذا صحيحًا بشكل خاص عندما يكون تغيير النظام جزءًا من المعادلة. ويميل مؤيدو تغيير النظام باستمرار إلى اعتقاد أن هذا النظام “على حافة الانهيار، وكل ما يتطلبه الأمر دفعة قوية منا”. ويمكن لهذا الاعتقاد أن يدفع خياراتنا السياسية إلى اتجاهات خطيرة ومضللة. وقد حدث بالفعل في حالة إيران؛ إلى جانب إزالة القيود النووية على إيران، مما يجعل المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران محتملة أكثر. والأكيد أن بعض أنصار هذا النهج (رغم أنهم ليسوا جميعهم بالتأكيد) يفسدون من أجل هذا فقط.
ثانيًا، على الرغم من كثرة الخطابات المضادة، إلا أن الضغط الاقتصادي المتزايد الذي أمر به ترامب لم يكن مصحوبًا، وربما لن يكون، بأي نهج متماسك للتعامل مع الأحداث الأساسية في الشرق الأوسط. فهل هناك خطة للتعامل مع النفوذ الإيراني المتنامي في سوريا، والذي هو نقطة انطلاق مغامراتها الإقليمية؟ عندما تم طرح هذا السؤال على مسؤولي وزارة الخارجية، قال أحدهم ببساطة: “ما يركز عليه الرئيس في سوريا هو داعش”. أما عن ماذا عن الأفكار الجديدة للتعامل مع النفوذ الإيراني في العراق أو اليمن أو لبنان؟ لم تكن هناك إجابات صريحة. وهذا ليس مفاجئًا نظرًا لأن ترامب على مدى الستة عشر شهرًا الماضية، لم يضع أولوية كبيرة لإيقاف إيران في المنطقة. على العكس من ذلك، فقد أشار باستمرار إلى أنه يريد الانسحاب وترك الصراعات المتأججة للآخرين.
وسيناقش المؤيدون للإدارة أن الاتفاقية النووية نفسها هي التي دفعت إيران إلى الانخراط في سلوك إقليمي أكثر عدوانية، لأنها منحتهم حق الحصول على الأموال التي لم تكن لتحصل عليها. لكن المحرك الرئيسي لنشاط إيران في المنطقة لم يكن توافر النقد – بل كان توافر الفرص. فمع ظهور فرص جديدة، استغلها الإيرانيون، سواء كانت هناك عقوبات مفروضة عليهم أو لم تكن.
وكان ذلك حقيقةً قبل الاتفاقية النووية، عندما كانوا متورطين في العديد من الأنشطة السيئة في جميع أنحاء الشرق الأوسط (بما في ذلك الدعم المادي للأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان، والمعارضة المسلحة في البحرين، وكذلك قتل القوات الأمريكية في العراق). وكان ذلك حقيقةً أثناء التفاوض على الاتفاق النووي (عندما شن الحوثيون، وهي ميليشيا مرتبطة بإيران، هجومهم على عاصمة اليمن). وكان ذلك حقيقةً بينما كانت الولايات المتحدة طرفًا في الاتفاق النووي. وسوف يكون حقيقةً في المستقبل.
في الواقع، العديد من المعلقين الذين يقولون الآن أن إيران أُطلق لها العنان في المنطقة بسبب الاتفاق النووي هم نفس الأشخاص الذين اعتادوا إثارة القلق حول السلوك الإقليمي لإيران قبل سنوات من توقيع الاتفاقية. والدرس المستفاد من كل هذا هو أن العقوبات ليست حلًا سحريًا، ومن المحتمل أن يؤدي عدم اتساق نهج الإدارة إلى المزيد من القلقلة.
ثالثًا، حتى لو وصلت العقوبات إلى الحد الذي يمكن به تشكيل قرارات إيران، فإنها لن تكون فعالة إلا إذا كانت عالمية النطاق إلى حد ما -إذا انضم كل شركاء إيران التجاريين الرئيسيين للأمر. ولسنوات عديدة، كان للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة تأثيرًا ضئيلًا على إيران، بل وعزلت أمريكا، لأن بقية العالم اعتبرتها عقابية وليست ذات هدف.
ومنذ عام 2010 وحتى عام 2015 تمكنا من حشد المجتمع الدولي للانضمام إلينا في عقوبات أقوى بكثير لأننا أوضحنا أن هذه العقوبات قد تم وضعها لتحقيق هدف محدد، وهو الحد من برنامج إيران النووي. والآن نعاود طلبنا من الدول الأساسية أن تنضم إلينا في حملة ضغط اقتصادي كبيرة بعدما: (أ) تخلينا عن الاتفاقية التي تفاوضنا عليها مع تلك الدول، (ب) أصبحوا ينظرون إلى إيران بتعاطف أكبر الآن مما كانوا عليه في عام 2010، ولنا بأقل منها، (ج) أصبحنا نطلب منهم فرض العقوبات من أجل فرضها فقط إلى حد كبير، وإلى أجل غير مسمى. وهذا كله ليس طريقًا للنجاح.
ويرد فريق ترامب على هذه المخاوف بأن: ” فقط قم بتخيير الدول الأخرى بين التجارة مع الولايات المتحدة والتجارة مع إيران، وعندها سيفعلون ما نقوله”. صحيح أن التهديدات والمضايقات سوف تمنع عددًا من البنوك والشركات الأوروبية من القيام بأعمال تجارية مع إيران. لكن ستكون العقوبات أكثر فاعلية عندما يتعاون العالم مع الولايات المتحدة للضغط على إيران، وستكون أقل فعالية بكثير عندما يتعاون العالم مع إيران لإحباط محاولات الولايات المتحدة من خلال البحث عن الحلول ومماطلة أمريكا. أما على المدى الطويل، فإن نهجنا هذا سيجعل العقوبات بلا فائدة -ليس فقط مع إيران ولكن مع الجميع- حين تقوم دول أخرى، بما في ذلك أصدقاءنا، بتطوير تقنيات للحفاظ على اقتصاداتها من الوقوع في أسر غيرها.
ولن يُحرك أي شيء من هذه النقاشات الإدارة الأمريكية. ففي النهاية، هم ليس لديهم في الحقيقة سياسة تجاه إيران بقدر ما لديهم موقف ضد إيران. وكما قال ترامب مرارًا وتكرارًا، حتى فيما يتعلق بإيران: “سنرى ما سيحدث”.
والحقيقة، عندما يقوم رئيس دولة ما بخطوة خطيرة مثل الانسحاب من اتفاقية دولية متفاوض عليها كما ينبغي، يجب أن يكون لديه ولدى فريقه أكثر من خطة لهذا الوضع.