في الثالث عشر من مايو / أيار الماضي، وعقب قرار الولايات المتحدة الأميركية بالانسحاب من الاتفاق النووي من طرٍف واحد، شهدت البلاد ما نمكن أن نُسميه أولى تداعيات القرار، وسُرعان ما تكون تداعيات مثل هذه القرارات على الجبهة الداخلية، وبالأخص الجانب الاقتصادي، إذ شهدت العاصمة الإيرانية، طهران، احتجاجات نظمها ضحايا مؤسسة «كاسبين» أو «قزوين» للقروض، مطالبين بإعدام محافظ البنك المركزي، ولي الله سيف.
وقد تجمع المتظاهرون، أمام مبنى الادعاء العام، مطالبين بإعدام رئيس البنك المركزي، ورددوا هتافات من قبيل «العدالة ستتحقق عندما يتم إعدام سيف»، وقاموا بتعليق دُمية ترمز إلى رئيس البنك المركزي.
الأزمة حتى لحظة الانفجار
كان قد أكد المتظاهرون، الذين احتجوا منذ الثاني عشر من مايو / أيار، أن مشكلتهم لم يتم حلها منذ 18 شهرًا، كما أن المتظاهرين في طهران لم يكونوا فُرادى، فقد كانت الاحتجاجات في مختلف المدن، وقد طالبوا جميغًا باسترداد أموالهم التي خسروها.
لقد كان هؤلاء هم ضحايا «شركات القروض»، وقد وضعوا أموالهم عبر هذه الشركات والتي تنتمي في الأغلب إلى شخصياتٍ تابعة للتيار المحافظ.
وقد كان لهؤلاء قِصةً، جعلت منهم يُشكِلون العمود الفقري يناير / كانون الثاني من هذا العام، وهم من أخذوا بزمام المبادرة في الاعتراض على الظروف المعيشية والاقصادية الصعبة التي تحياها إيران، من فقرٍ وبطالةٍ وإفلاس، وقد تطورت هذه التظاهرات فيما بعد لتحمل أهدافًا سياسية وتطالب بإسقاط النظام.
يعود تاريخ صناديق الإقراض في إيران إلى عام 1969، باسم صندوق «جاوید»، وقد لعب عالم الدين «سید محمد بهشتي» دورًا مهمًا في تأسيسه بالإضافة إلى 46 صندوق إقراضٍ آخر.
في السنوات الأولى من الثورة (1979)، وصل عدد ذلك النوع من صناديق الإقراض إلى 200 صندوق إقراض، ومع حلول العام 1985، بلغ عدد صناديق التمويل والإقراض في عموم البلاد ألفا و985 صندوقًا.
وعقب الحرب الحرب الإيرانية العراقية (1980-1989)، تطورت مَهمة صناديق الإقراض وأصبحت مؤسسات مالية تتقاسم الأرباح مع عملائها.
مركز أبحاث مجلس الشورى الإيراني، أصدر تقريرًا في يونيو/حزيران 2016، أظهر فيه أن عدد مؤسسات وشركات التمويل والإقراض قد وصل إلى 7 آلاف و333، بينها 6 آلاف و33 شركة ومؤسسة تزاول أنشطتها بدون إصدار “أذون رسمية”.
ووسط هذه الحالة، فقد تغيرت الأوضاع إلى ما هو أسوأ من انتشار مثل هذا النوع من الشركات، ففي تقريرٍ على موقع لوكالة أنباء الأناضول، فقد اعتقد بعض الخبراء أن المظاهرات الاحتجاجية التي نظمها هؤلاء المودعون الذين خسروا أموالهم في مؤسسات القروض والتمويل، المُسمَاة بالصيرفة الحديثة، قبل نحو عام ونصف من الآن، كانت نقطة انطلاق للمظاهرات الأخيرة التي امتدت إلى مختلف مدن البلاد.
لقد كان بادئ الأمر عبر مجموعةٍ مُكوَّنة من 200 شخص، من ضحايا مؤسسة «قزوين» للقروض، نظمت هذه المجموعة مطلع عام 2017 مظاهرة احتجاجية أمام البنك المركزي الإيراني في العاصمة طهران. -مثلما حدث منذ عدة أيام-، لقد كان الأمر هينًا آنذاك، ولكن الحكومة لم تتخذ أمرًا مباشرًا بالتعامل مع هذه المعضلة وتبديدها، وهذا ما دفع بمتظاهرين آخرين من شركات قُروُضٍ أُخرى إلى الانضمام إلى رفقائهم في قزوين، أمثال آرمان، وفرشتكان، وثامن وبدیده، حتى وصل الأمر إلى قيام متظاهرين بإضرام النيران في بعض المكاتب التابعة للمؤسسات المذكورة.
انتهى الأمر، وانفضت الاحتجاجات، وهذا ما دفع 130 نائبًا لتقديم مساءلة برلمانية إلى مجلس الشورى الإيراني موجَّهةً إلى الرئيس الإيراني، حسن روحاني، ولكن الحكومة كررت تجاهُلها السابق، ولم تتخذ أية خطوات لمعالجة مشاكل المواطنين الذين فقدوا أموالهم في مؤسسات الائتمان والتمويل.
هذا يعود بنا إلى ما ذُكِر في سبتمبر/أيلول 2017، إذ نشر موقع «جماران» الإخباري، النص التالي: «رغم إعلان البنك المركزي عدم وجود أي نشاط لمؤسسات الائتمان والتمويل غير الرسمية، لكن أنشطة بعض مؤسسات الائتمان والتمويل غير المُصرَّحة لا تزال مستمرة بشكلٍ فعلي»، ولكن هذا يناقض الواقع الذي يُشيِر أن معظم مؤسسات الائتمان قد بدأت تتحول إلى مصارف من الناحية العملية، وبدأت بتوفير قروض للمواطنين، وإنشاء صناديق إقراض تحت اسم «قرض الحسنة».
حالةً من القلق والارتياب والتحذير هي ما كانت تُخيِّم على الاقتصاديين الإيرانيين من وضع هذه الصناديق، وقد نقلها تقرير وكالة أنباء الأناضول.
إذ قال میر محمد صادقي، أحد أبرز الخبراء الإيرانيين في الشأن الاقتصادي: «إن أبرز الانتقادات التي كانت تُوجَّه لنظام صناديق التمويل والإقراض في العهدين الشاهنشاهي والجمهوري، هو عدم ارتباطه أو حمايته من قِبل البنك المركزي، إن هذا الوضع يؤثر على توازن سوق المال ويزيد من المخاوف المتعلقة بالاقتصاد».
كما قد أعرب المديرون التنفيذيون في البنك المركزي عن عدم ارتياحهم جرّاء نشاط هذه المؤسسات المالية وذلك اعتبارًا من عام 2010، فيما أقر القانون النقدي والمصرفي الإيراني عام 1973، ضرورة مباشرة مؤسسات التمويل والائتمان أن تبدأ أنشطتها بالحصول على إذن من البنك المركزي.
النائب السابق لمشرف البنك المركزي الإيراني، حمید تهرانفر، اعتبر هو الآخر أن الشركات والمؤسسات المذكورة تتسبب بأضرارٍ فادحة للنظام المصرفي في البلاد.
الرئيس السابق للجنة الاقتصادية في مجلس الشورى، محمد رضا بور إبراهيمي، قال أن 30% من سوق العملات الإيرانية التي يبلغ حجمها 230 مليار دولار، في أيدي هذه المؤسسات. مشيرًا إلى أن واحدة فقط من هذه الشركات أو المؤسسات تمتلك 550 فرعًا في مختلف المحافظات الإيرانية، فضلًا عن مليونين و500 ألف مودع.
اقتصادٌ مُترَّدً
جرّت هذه الشركات الاقتصاد الإيراني الرسمي، لئن يحذو حذوها ويقوم بصنيعها، من أجل عدم ترك السوق بصورة كاملة، لهذه الشركات لتضبطه وتتحكم فيه ويغيب ظل الدولة تمامًا في هذا الأمر.
برويز عقيلي، الرئيس التنفيذي لبنك الشرق الأوسط في منتدى أوروبا -إيران؛ وهي مناسبة سنوية لتعزيز توثيق العلاقات الاقتصادية، في زيوريخ، في تشرين الأول / أكتوبر العام الماضي، ذكر أن تكلفة إعادة تنظيم كاملة للقطاع المصرفي الإيراني الذي تقدر ميزانيته بنحو 700 مليار دولار ستتتراوح بين 180 مليار إلى 200 مليار دولار.
وقال نصًّا: «نحن لا يمكننا تحمل تلك التكلفة»، وأضاف: «على الحكومة أن تكون جريئة، سواء أعجبنا هذا أم لا، وأن تغلق بعض تلك البنوك، وذكر أنه على مدى الـ6 سنوات المقبلة سيكون لدينا نحو 13 بنكًا من بين البنوك البالغ عددها 35 على الأقل».
وقد كان هذا بسبب حجم القروض التي تستصدرها المؤسسات الرسمية للعملاء والمواطنين، وقد كان هذا جنبًا إلى جنب مع اقتصادٍ متعثِر وتباطؤ في حركة السوق.
بالإضافة إلى سوق العملات الذي يشهد فوضى وعبثية لا مثيل لهما، تداركته إيران في اللحظات الأخيرة قُبيل أيامٍ من إعلان ترامب قرار بلاده النهائي من الاتفاق النووي، إذ نقلت الوكالة الرسمية عن تعميمٍ أصدره البنك المركزي استنادًا إلى حظرٍ للعملات المشفرة أقرّته الهيئة المعنية بمكافحة غسل الأموال بإيران في ديسمبر، بأنه «على البنوك والمؤسسات الائتمانية وشركات الصرافة تجنب أي بيع أو شراء لهذه العملات أو اتخاذ أي إجراء لدعمها».
وفي أبريل / شباط الماضي، وحدت إيران رسميًّا بين سعر صرف عملتها الرسمي وسعره في السوق المفتوحة وحظرت صرف العملة خارج البنوك، بعدما هبطت عملتها الريال إلى أدنى مستوى على الإطلاق.