يعاني الاقتصاد الإيراني من فوضى حالية، لكن الأمور سوف تزداد سوءًا، والمسألة المطروحة حاليًا هي القرار الذي اتخذته إدارة ترامب في وقت سابق من هذا الشهر بعدم التصديق على ما يسمى بالاتفاقية النووية، وهذا يعني أن إيران ستخضع قريبًا لعقوبات أمريكية قاسية، مما سيضع الاقتصاد الإيراني في أزمة.
الوضع الراهن
لا تبدو آخر الإحصاءات الرسمية للاقتصاد الإيراني جيدة، حيث كان معدل البطالة 11.9٪ ومعدل التضخم 8.3 ٪ وفقًا ل TradingEconomics.com. ومع ذلك، قد تكون بعض الإحصاءات الحكومية على الأقل أكثر أملًا من الفعلية.
خذ على سبيل المثال معدل التضخم. يقدم ستيف هانك، أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة جونز هوبكنز، تقييمًا منتظمًا ومتطورًا لمستوى تحرك السعر داخل البلاد. وفي 8 مايو قدّر التضخم في إيران بنسبة 71.7 ٪.
ويقول هانك أن الدولة الآن تحتل المركز الثالث في مؤشر البؤس. والمؤشر هو نسبة البطالة مضافًا إليها نسبة معدل التضخم. وكلما كانت النسبة عالية، كلما دلت على بؤس الشعب. وفي حين أن هذه الاحصاءات لا تدل على أن الاقتصاد الإيراني في حالة جيدة، إلا ان الأمور ستكون أسوأ بكثير في الأشهر القادمة.
ما المتوقع ولماذا؟
صحيح أن الأطراف الأوروبية في الاتفاقية النووية الإيرانية، مثل ألمانيا والمملكة المتحدة، يحاولون إنقاذ الأمر بالترتيبات المستمرة مع طهران. ومع ذلك، لا يهم ذلك كثيرًا لأن القليل من الشركات المهمة قد ترغب في إثارة غضب الإدارة الأمريكية بطريقة قد توقف وصولها إلى سوق الولايات المتحدة المربح. وتذكر أنه في الاقتصادات الرأسمالية، عادةً لا تشتري الحكومة ما تشتريه الشركات تقريبًا. وستفضل الشركات تجنب التعامل مع طهران.
وإذا كنت تشك في أن الشركات الأوروبية قلقة، ففكر في التقرير التي نشرته رويترز الذي ناقش رغبة البعض في الحصول على تنازل عن العقوبات إذا استمروا في التعامل مع إيران:
قالت توتال [شركة النفط الفرنسية العملاقة] أن أي تنازل سوف يحتاج إلى وضع ضمان الحماية من العقوبات الثانوية التي قد تفرضها واشنطن على الشركات التي تواصل التعامل مع إيران.
وقد تتضمن تلك العقوبات فقدان التمويل بالدولار من قبل البنوك الأمريكية، وفقدان مساهمي الولايات المتحدة، وعدم القدرة على مواصلة عملياتها في الولايات المتحدة. أو ببساطة، هناك الكثير من المخاطر التي تهدد أي شركة أوروبية تريد الاستمرار في التعامل مع إيران.
ويستمر تقرير رويترز بالإشارة إلى أنه لا يوجد الكثير الذي يمكن أن يفعله الأوروبيون لمواجهة الخطوة الأمريكية. من المنطقي ألا نتوقع أن تتواجد حماية حكومية أوروبية كبيرة من عقوبات الولايات المتحدة، وبالتالي فإن قلة من الشركات هي التي ستواصل التداول مع إيران.
بيع أكثر صعوبة:
ومن أولى التداعيات أن إيران ستجد صعوبة في بيع النفط الخام في السوق العالمية. فالعوائد من هذه المبيعات يُعد مصدرًا حيويًا للعملة الأجنبية. ويرى معهد التمويل الدولي في واشنطن أن انخفاض صادرات النفط الإيراني يبلغ حوالي 300 ألف برميل يوميًا، وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن مؤسسة الأبحاث.
ومع ذلك، يرى آخرون على الأقل الأمور بشكل مختلف، فيرجعون أن زيادة الانخفاض في صادرات النفط سيعتمد على كيفية تعامل الشركات مع الأمر.
وفي حين أن طهران قد تكون قادرة على بيع النفط إلى بعض البلدان مثل الهند والصين وروسيا، يبدو من المرجح أن المشترين سيطلبون الحصول على تخفيضات كبيرة في الأسعار بالنظر إلى الوضع الذي تعيشه إيران الآن.
وفي كلتا الحالتين، من المتوقع أن تواصل العملة الإيرانية انخفاضها، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى رفع أسعار السلع والخدمات للمستهلكين داخل البلاد.
“نحن نتوقع أن يرتفع معدل التضخم [مؤشر أسعار المستهلكين]”، كما جاء في تقرير معهد التمويل الدولي الأخير.
ومن المهم أن نتذكر أنه عندما يصل معدل التضخم السنوي إلى ثلاثة أرقام أي (100٪)، فإن القوة الشرائية للنقود ستنخفض إلى النصف كل 12 شهرًا. وسيضع ذلك معاناة كبيرة على السكان المحليين في إيران، تمامًا كما هو الحال في المثال الأكثر قسوةً للتضخم الشديد في فنزويلا.
هل ستقوم الاحتجاجات؟
عندما يكون الناس غير قادرين على تحمل تكاليف إطعام عائلاتهم، تحدث الاحتجاجات. لاحظ أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية كان سببًا في إثارة ما يسمى بالربيع العربي في عام 2011 بالإضافة إلى احتجاجات ساحة تيانانمن في الصين في عام 1989.
لقد شهدت إيران بالفعل احتجاجات جماهيرية بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، بدأت في أواخر عام 2017 واستمرت حتى أوائل هذا العام.
ندرة رؤوس الأموال؟
مما يزيد الطين بلة أن الاستثمار الأجنبي سوف يتلقى ضربة في البلاد أيضًاا. وقال معهد التمويل الدولي: “الشك الذي يعتمد على مصير الاتفاقية النووية سيؤثر بشكل كبير على الاستثمار”. الاستثمار أمر حيوي لأي بلد ينمو. يجب أن تأتي الأموال إما من المدخرات داخل البلاد أو من المستثمرين الأجانب. إلا أنه، وبسبب العقوبات، سيتم تقييد الأموال القادمة من مصادر خارجية بشدة.
لن يؤدي الافتقار إلى تدفقات رأس المال إلى الإضرار بالنمو الاقتصادي فحسب، بل سيعرقل أي جهود لتطوير أو تحديث الصناعات المحلية الإيرانية. بعبارات بسيطة، ستؤدي قلة رؤوس الأموال \إلى المزيد من الضغوط على الاقتصاد المحاصر بالفعل.
الحرس الثوري في المرمى
ويتضمن جزء منفصل من العقوبات الأمريكية تحركًا ضد محافظ البنك المركزي الإيراني وأحد نوابه. فقد اتهمت وزارة الخزانة الأمريكية كلا الشعبين بتقديم دعم مالي لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. ويُعتقد أن قوة القدس هي الذراع الأساسي للحكومة الإيرانية لتمرير الدعم لحزب الله، وفقاً لموقع مشروع مكافحة التطرف.
وجاء في تقرير صدر مؤخرًا عن مؤسسة “يوراسيا” الاستشارية الجيوسياسية أن “قرار الولايات المتحدة الجديد يجسد تعهد الرئيس بمواجهة العدوان الإيراني في المنطقة. ولعل الأهم من ذلك هو أنه سوف يقوض قدرة إيران على نقل الأموال إلى حليفها الرئيسي حزب الله”. أو بدلاً من ذلك، قد يصبح الأمور أكثر تكلفة على طهران لإيصال المال لحزب الله، الأمر الذي يبدو أكثر احتمالاً. وسوف تؤدي التكاليف الإضافية لنقل الأموال إلى المزيد من استنزاف خزائن الدولة وإعاقة اقتصادها.