الجزيرة
كتب مروان قبلان للجزيرة وترجمت إيران خانه:
على الرغم من أنها كانت خطوة متوقعًة، إلا أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة أكثر باسم الاتفاقية النووية الإيرانية، قد سبب صدمة كبيرة عبر العالم، وخاصة بين حلفاء ترامب الأوروبيين.
وتعهد ترامب ليس فقط بإعادة فرض “أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية” على إيران، بل وهدد أيضًا برد سياسي واقتصادي ضخم على الدول والشركات التي ستواصل استثمارها أو تعاملاتها مع إيران.
وقد صدم القرار إيران كذلك، خاصةً إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني، التي كانت تأمل في أن يضع ترامب ذو العقلية التجارية الصفقات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات التي أبرمتها إيران مع شركات أمريكية وأوروبية في حسبانه عندما يقرر ما سيفعله في الاتفاقية النووية.
وعلى الرغم من أن تأثير القرار الأمريكي كان مدمرًا لإدارة روحاني، ورغم أنها كانت قد هددت بالرد، إلا أنها امتنعت حتى الآن عن الانسحاب من اتفاقية 2015. ولكن بالنظر إلى أن خطة العمل المشتركة دون الولايات المتحدة لم تعد تفي بأهداف إيران الرئيسية لمتابعة الالتزام بالاتفاقية، فقد لا تبقى لفترة أطول طرفًا فيها.
لماذا احتاجت إيران إلى اتفاقية في المقام الأول؟
لعبت العقوبات المعوقة التي فرضتها إدارة أوباما في عام 2012، والتي استهدفت قطاع النفط والنظام المصرفي، دورًا رئيسيًا في إجبار إيران على التخلي عن برنامجها النووي. وكانت إيران في أمس الحاجة إلى رفع العقوبات، لكن ذلك لم يكن دافعها الوحيد للتوصل إلى اتفاق نووي.
منذ ثورة 1979 كانت الأولوية الأولى لإيران هي ضمان بقاء النظام، وسعت الولايات المتحدة لتغيير هذا النظام في البلاد منذ أزمة الرهائن في نوفمبر من ذلك العام -أو هذا على الأقل ما تعتقده إيران. واستمرت هذه السياسة في الثمانينيات، عندما دعمت إدارة ريجان العراق في حرب الثماني سنوات ضد إيران، وفي فترة ما بعد الحرب الباردة، ومع تمرير قانون عقوبات على إيران عام 1996 تحت إدارة كلينتون. وبلغت السياسات المناهضة لإيران أوجها في عهد جورج دبليو بوش بعد خطاب وصف فيه إيران بأنها “محور الشر” في عام 2002.
وعندما تولت إدارة أوباما، سعت إيران لاستخدام برنامجها النووي كورقة مساومة لجر الغرب إلى طاولة المفاوضات. وكانت هذه هي الخطوة الأولى نحو الاعتراف. وبإبرام الاتفاقية النووية في عام 2015، كانت إيران تأمل في أن تتقبل الولايات المتحدة أخيرًا نظامها وتتخلى عن كل محاولات تقويضه. لكن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية الآن يعني أن سياسة تغيير النظام عادت مجددًا.
كيف خدمت الاتفاقية مصالح إيران في المنطقة؟
كانت الأولوية الثانية لإيران في متابعة اتفاقية 2015 هي الحفاظ على نفوذها الإقليمي ووسائل الدفاع عنه. ومن ثَم، كانت طهران مستعدة للتخلي عن طموحاتها النووية مقابل اعتراف أمريكا بدورها الإقليمي.
وفتح الغزو الأمريكي للعراق نافذة لإيران لإنشاء منطقة نفوذ لها، فيما يُسمى بالهلال الشيعي، أو القوس الفارسي، أو حتى “الإمبراطورية الصفوية الجديدة”. وقد ساعدت إيران على تحقيق الأهداف التي سعت إليها منذ فترة طويلة، ومن أهمها منع عودة ظهور عراق قوي يمكن أن يهدد سيطرتها الإقليمية. ومنذ تشكيل الشرق الأوسط الحديث بعد الحرب العالمية الأولى، كان العراق بمثابة معقل ضد توسع النفوذ الإيراني، وبعد الثورة الإيرانية عام 1979 ، كبحت أيضا مشروعه الثوري.
وبعد انتهاء الحرب بين إيران والعراق عام 1988، تبنت إيران مذهب حرب إسرائيل في نقل صراعاتها إلى مناطق معادية وألا تقاتل أبدًا على أراضيها. وتدعي إيران أن تورطها في صراعات الشرق الأوسط -في العراق وسوريا واليمن ولبنان- لحماية نفسها فقط. رغم أن التوسع الإقليمي يعمل هنا كاستراتيجية دفاعية وكذلك هجومية.
وفي هذا السياق الإقليمي، تعد سوريا ركنًا أساسيًا في رؤية إيران للتوسع الجيوسياسي. فهي تحتاج إلى سوريا من أجل إبقاء العراق تحت السيطرة. ولا يمكن تهديد النفوذ الإيراني في العراق إلا من خلال سوريا، وهو أمر تعلمته طهران منذ عام 2014 عندما تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المعروف باسم داعش، من الرقة إلى الموصل. إضافة إلى ذلك، فإن دمشق تمنح إيران نافذة مطلة على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وبإمكانها استخدام كل من سوريا ولبنان كقاعدة انطلاق ضد إسرائيل إذا ما فكرت في مهاجمتها.
سوريا مهمة أيضًا لأسباب اقتصادية. في عام 2011، تبنت إيران مشروعًا مع دمشق وبغداد لبناء خط أنابيب الغاز الطبيعي لنقل الغاز الإيراني من حقل في جنوب بارس/شمال الدوما باتجاه أوروبا عبر العراق وسوريا وموانئ لبنان المطلة على المتوسط.
وساعد الانسحاب الأميركي من العراق عام 2011 فى جعل هذا المشروع ممكنًا، حيث أصبحت إيران السمسار الرئيسي للسلطة في البلاد. ووافقت الاتفاقية النووية لعام 2015 ضمنيًا على نفوذ إيران الإقليمي في المنطقة.
لماذا من المحتمل أن تنسحب إيران من خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA)؟
انهيار الاتفاق النووي يعني أن الولايات المتحدة لن تتسامح بعد الآن مع نفوذ إيران الإقليمي وستعمل على الحد منه. وتحاول واشنطن في الوقت الحالي بناء اتفاقية مع حلفائها الإقليميين (كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر) لمنع إيران من ملء فراغ القوة في حال قررت الولايات المتحدة الانسحاب من شرق سوريا.
وتعمل إسرائيل أيضًا على تقليص النفوذ الإيراني في سوريا. ففي الأشهر الأخيرة زادت عدد الهجمات الإسرائيلية ضد الأهداف والقواعد العسكرية الإيرانية في سوريا بشكل كبير. وتعتقد إسرائيل أن الاتفاقية النووية كانت بمثابة درع لإيران وانهيارها يعني أن لديها الآن الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لاستهداف المواقع الإيرانية في سوريا وأماكن أخرى.
ومع انهيار خطة العمل المشتركة الشاملة، حاولت الولايات المتحدة الضغط لإعادة التفاوض على الاتفاقية لتشمل برنامج إيران للصواريخ البالستية. ونظرًا لقوتها العادية الضعيفة، فإن الصواريخ الباليستية هي المانع الرئيسي لطهران ضد الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. وإذا هوجمت، تخطط إيران لضرب المنشآت الحيوية في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مثل مصافي النفط ومحطات الطاقة الكهرومائية وأنظمة تحلية المياه. إذا تم سلب هذه الصواريخ من إيران ، فإن جيشها سيكون ضعيفًا.
ولذلك، لا يوجد سبب وجيه الآن لبقاء إيران في الاتفاقية. إنها مسألة وقت فقط قبل أن تنسحب إدارة روحاني منها بعد أن ضعفت آمال إنقاذها حتى ولو لمجرد أغراض اقتصادية فقط.
وفي نهاية المطاف، من السذاجة أن نتوقع أن تستغرق الشركات الأوروبية الكثير من الوقت في التفكيرفي أين ستتواجد مصالحها الاقتصادية، مع إيران أم مع الولايات المتحدة.