في أكتوبر 2014، بعد شهر واحد من اجتياح ميليشا الحوثيين للعاصمة اليمنية صنعاء، سيطر الحوثيون على محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر (غربي اليمن)، في خطوه اعتبرها السياسيون انتصارًا كبيرًا للمتمردين الحوثيين.
وصرّح العميد الركن عبدالسلام الشحي، قائد قوات التحالف العربي في الساحل الغربي لليمن، قائلًا «بدأت عمليات عسكرية واسعة وكبيرة باتجاه مدينة الحديدة وتواصل التقدم شمالا، بالتزامن مع استمرار زخم العمليات غرب تعز».
وقال إن «الحوثي تشهد انهيارات متتالية أمام زحف وتقدم قوات التحالف والمقاومة اليمنية وتتساقط مواقعها تباعا وسط فرار جماعي لعناصرها من جبهات القتال تاركين خلفهم عتادهم وأسلحتهم وقتلاهم بعد السيطرة على مناطق الإمداد».
وأشار إلى أن «صفوف الحوثي تشهد حالة من الهلع وسط سقوط العشرات من عناصرها ما بين أسير وقتيل بينهم قيادات تعبوية وعملياتية، مشيرا إلى أن عناصر الميليشيات يبيعون أسلحتهم لتأمين وسيلة هروب من ساحات المعارك».
وشدد على مواصلة قوات التحالف العربي انتصاراتها الحاسمة في الساحل الغربي بعد تحرير الكثير من المديريات بالكامل من قبضة الحوثيين، إضافة إلى فتح محاور جديدة في أماكن مختلفة لتحرير ما تبقي من مناطق الساحل.
أهمية الميناء
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، أكد في تقرير عن ميناء الحديدة، أنه يُدرُّ للحوثيين إيرادات جمركية ورسومًا خدمية كبيرة، ويمكن تقدير ذلك من خلال ملاحظة حركة الشحن والتفريع اليومي التي يعرضها الموقع الإلكتروني للميناء.
وأضاف: «يدرك الحوثيون أن خروج الميناء من سيطرتهم بأية طريقة، إنما يمثِّل بداية لانهيار كيان سطتهم التي تواجه، أصلًا، الكثير من العقبات الاقتصادية؛ ولذلك يعد الميناء جبهة مستقلة بذاتها، يدافعون عنها بكل الوسائل وفي كافة الاتجاهات».
وتابع التقرير: «رغم الاتهامات التي وجهها التحالف للحوثيين باستغلال ميناء الحديدة في تهريب الأسلحة، إلا أن تقرير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن لعام 2016، لم يورد اسم هذا الميناء بين الموانئ اليمنية التي يتسلَّل عبرها السلاح المهرَّب».
وأكد التقرير على وجود أنواع مختلفة من الأسلحة إيرانية الصنع ضمن تسليح الحوثيين، وأن ثمة احتمالًا «باجتياز بعض الشحنات الحدود، إذا أُرسلت على دفعات صغيرة جدًّا على متن مراكب شراعية ساحلية».
ورغم تعرض قواعد الحوثيين ومراكز تجمعهم لآلاف الضربات، إلا أن المدينة ظلت طيلة فترة الحرب، ميدانًا نشطًا لتدريب المقاتلين والدفع بهم لتنفيذ مهام قتالية في عرض البحر، واستطاعوا أن يجعلوا من مناطق الساحل الغربي قاعدة تهديد مرعبة لسفن التحالف والسفن المدنية.
مخاوف
عبد الحكيم هلال، الكاتب والصحفي اليمني، أكد أنّ سقوط الحديدة ومينائها بأيدي الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف العربي قد يقطع آخر شريان حيوي متبقّ للمليشيات، نظرا للأهمية العسكرية والتجارية التي تمثلها لهم هذه المحافظة، لاسيما بعد خسارتهم أربعة منافذ بحرية، هي: ميناء عدن (يوليو 2015)، وميناء بئر علي بشبوة (أغسطس 2015)، وميناء ميدي بحَجّة (2016)، وميناء المخا في تعز (فبراير 2017).
وأضاف أنه في 1 أكتوبر 2016، استهدفت قوات الحوثيين السفينة الإماراتية «سويفت-2» -قبالة مضيق باب المندب على ساحل البحر الأحمر- بصواريخ مضادة للسفن فألحقت بها أضرارا بالغة، وفي 9 و12 من الشهر نفسه، استهدفت صواريخ مشابهة -في هجومين منفصلين- مدمرة حربية تابعة للبحرية الأميركية قرب المضيق البحري اليمني، واتُّهِم الحوثي/صالح بتنفيذهما.
وتابع: «أقلقت تلك الهجمات التحالف العربي والمجتمع الدولي على حد سواء؛ فقد اعتبر التحالف أنها تمثل تطورا نوعيا خطيرا قد يؤثر في مسار المعركة، نتيجة حصول المليشيات المتمردة على سلاح نوعي ثقيل كصواريخ «كروز» الموجهة، التي استخدمتها في هجماتها البحرية بحسب تقارير دولية متطابقة».
وأوضح أنه عقب تلك الهجمات، شرعت قوات التحالف في الإعداد والتجهيز لخوض معركة بحرية شاملة لطرد المليشيات من الساحل الغربي لليمن، وفي مطلع يناير 2017، أعلن التحالف والحكومة اليمنية بدء عملية عسكرية واسعة باسم «الرمح الذهبي» لتحرير الساحل الغربي.
وسبق أن حذر مراقبون محليون ومسؤولون حكوميون مرارا من استغلال المتمردين لهذا المنفذ البحري الهام في تعزيز قدراتهم القتالية، سواء من خلال تدفق الأسلحة الإيرانية؛ أم بالحصول على عائدات مالية كبيرة جراء الرسوم المفروضة على الشحنات التجارية القادمة عبره، والمقدرة بـ80% من حجم الواردات إلى اليمن.
ومؤخرا، لاقت تلك التحذيرات -عقب تطور قدرات المتمردين القتالية البحرية، وقصفهم بصواريخ متطورة سفنا خليجية وأميركية- آذانا صاغية ليس فقط من قيادة التحالف العربي، بل وأيضا من الإدارة الأميركية الجديدة، التي من المقرر أن تدعم عسكريا عملية تحرير هذه المحافظة.
ويتوقع الكثير من المراقبين أن استعادة ميناء الحديدة ستساعد على قطع الإمدادات العسكرية والمالية للمليشيات في المحافظات التي ما زالت تحت سيطرتها -وعلى رأسها العاصمة صنعاء المحاصرة حاليا من جهتها الشرقية- مما سيسهل عملية سقوطها تدريجيا الواحدة تلو الأخرى.
ميناء الحديدة
يعد ميناء الحديدة ثاني ميناء يمني بعد ميناء عدن، وأحد أكبر الموانئ على البحر الأحمر، ويقع، تقريبًا، في منتصف الساحل اليمني المشاطئ له.
ويتصل بمناطق انتظار السفن عبر قناة ملاحية طولها 11 ميلًا بحريًّا، وعرضها 200 متر، ويمكنه استقبال السفن التي تصل حمولتها إلى 31000 طن، وغاطسها 9.75 أمتار، وطولها 200 متر، ويمر منه في الوقت الراهن أكثر من 70% من واردات الغذاء والمساعدات الإنسانية.
تبلغ مساحة الميناء الداخلية حوالي ثلاثة ملايين متر مربع، ويضم ثمانية أرصفة، إجمالي طولها 1461 مترًا، وبغاطس 10 أمتار في حالة الجزر، إضافة إلى رصيفين آخرين في حوض الميناء، طولهما 250 مترًا، تُفرَّغ فيهما شحنات ناقلات النفط ومشتقاته الأخرى، كما يتبع الميناء عدد آخر من الساحات الواسعة الواقعة إلى جانب مرفقه الرئيس.