الجارديان-
نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية مقالا للكاتب برونو ترتريس ترجمته “إيران خانه” بشأن تأثير قرار ترامب الأخير بالانسحاب من الاتفاقية النووية وتطبيق العقوبات على كل من يتعاون مع إيران، ضاربًا بعرض الحائط المطالح الأوروبية سواء الأمنية أو الاقتصادية
في عام 2003 تسببت الحرب التي بدأتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في كسر الوحدة الغربية وتقسيم العائلة الأوروبية. لقد كانت صدمة ذات أبعاد تاريخية، ونقطة يمكن مقارنتها نوعًا ما بأزمة السويس عام 1956. ومع قرار دونالد ترامب بشأن إيران، ربما نكون على حافة لحظة أخرى كهذه. في الظاهر، قد لا تبدو الأمور سيئة كما كانت في أوائل عام 2003. ففي هذه المرحلة، افتراض العمل العسكري الأمريكي ضد إيران هو أسوأ الفروض – وليس خطة. فلن يجري إرسال قوة من 180 ألف فرد بالقرب من الأراضي الإيرانية. ولن ينقسم الأوروبيون إلى معسكرين. ففي هذه الأزمة الحالية، وعلى الرغم من خروج بريطانيا، يبدو أن الأوروبيين يتشبثون ببعضهم البعض.
وقرار ترامب ليس صارمًا بصورة ملحوظة فحسب، بل ويؤثر على مشروع يعود أصله إلى مبادرة أوروبية تم اتخاذها في خريف عام 2003، عندما أرسلت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وزراء خارجيتهم إلى طهران لإجراء محادثات: كان هذا المشروع يهدف إلى الحد والسيطرة على برنامج إيران النووي من خلال وسائل سلمية. استغرق الأمر 12 سنة من الدبلوماسية الدولية، لعبت فيها أوروبا دورًا هامًا للتوصل إلى الاتفاقية النووية الذي قرر ترامب الآن تمزيقها.
وتعتبر هذه الخطوة الأمريكية بمثابة اعتداء علني على النهج متعددة الأطرف – وهو أمر فيه مصلحة أساسية للأوروبيين يرغبون في حمايته والتمسك به. ولا يمكن لقرار ترامب إلا أن يكون لهدف شخصي. وسوف تتأثر مصداقية الولايات المتحدة بشدة. وعندما تعلن مستشارة ألمانية -كما فعلت أنجيلا ميركل للتو، للمرة الثانية خلال عام واحد- أن أوروبا لم تعد قادرة على الوثوق في الولايات المتحدة، فأنت تعرف أن هناك شيئًا ما خاطئًا. وسيسأل الكثير: كيف يمكننا أن نثق مرة أخرى في بلد يمكن أن ينسحب بين عشية وضحاها من الاتفاقات الدولية الرسمية؟
من الممكن أن ينتهي هذا بشكل سيئ، فعندما يدرك ترامب أن استراتيجيته تتجه نحو الفشل، فقد يرغب في اللجوء إلى القوة العسكرية. ويأتي قراره بشأن إيران بعد عام ونصف من تبادل الإهانات والتعليقات التي تحط من قدر الآخر، والقرارات التي تتعارض مع المصالح الأوروبية والغربية. إنه لا يهتم كثيراً بحلف الناتو، ويعتقد أن الولايات المتحدة لا تحصل على عائد عادل من استثماراتها في الأمن الأوروبي. وقد انسحب من اتفاقية باريس للمناخ، وفرض رسوم جمركية على الصلب والألمونيوم.
فهل آن الأوان لأوروبا أن تسعى للانفصال عن الولايات المتحدة؟
حسنًا، ليس تمامًا.
لأسباب عدة، يجب أن نحجم عن الدخول في المواجهة. فقد تكون أوروبا أكبر كتلة تجارية في العالم، ولكنها في الحقيقة لا تملك القدرة على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين بمفردها، وستضعف قدرتها على القيام بذلك إذا انهارت علاقتها مع الولايات المتحدة تمامًا.
ببساطة، لا يوجد بديل للشراكة القوية عبر الأطلسي. ولا توجد قوى عظمى متاحة ليشاركها الأوروبيون مصالح كافية لبناء تحالف جديد: فالصين وروسيا لا يقدمان أي شيء من هذا القبيل. إضافة إلى ذلك، فإن تدفق التجارة ورأس المال عبر الأطلسي يقع في صميم الاقتصاد العالمي، وبشكل لا يمكن تعويضه.
وسبب آخر للحفاظ على شراكة مع الولايات المتحدة هو حجم المخاطر الأمنية التي تواجهها أوروبا. فربما قد هُزِمت الدولة الإسلامية عسكريًا، لكن الإرهاب الجهادي هو تحد هذ الجيل: لا يمكننا تحمل أن ندير ظهورنا للتعاون مع الولايات المتحدة. فلا تزال أضرار الهجمات الإرهابية في أوروبا قائمة.
ثم هناك روسيا فلاديمير بوتين، وهو نظام يشكل خطرًا على أمن قارتنا، ويسعى بجد من خلال وسائل مختلفة لإضعاف وتقسيم أوروبا والغرب. وثقوا تمامًا أن أول بلد سيستفيد من انفصال الولايات المتحدة عن أوروبا هو روسيا السلطوية.
من المؤكد أن العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا تدخل الآن نطاقًا مجهولًا ومضطربًا، لكن قد تكون هذه مجرد مرحلة. وفي حين سيظل ترامب في منصبه لمدة ثلاث أو سبع سنوات أخرى، تبقى هذه فترة قصيرة من الزمن حسب المعايير التاريخية.
وإذا نظرنا للولايات المتحدة، سنجدها اقتصاد نشط ومبتكر مع شعب ديناميكي متعدد الثقافات، ومجتمع متفائل يعتز بالحرية الفردية. هذا لن يضيع هباءً، نحن بحاجة إلى التفكير في المستقبل.
بالنسبة لنا نحن الأوروبيون، خيارات اليوم صعبة وأمامنا معضلات حقيقية. إن بناء الوحدة الأوروبية هو أول الواجبات الحتمية. وقد تكون بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي -وخاصة في الأجزاء الوسطى والشرقية من القارة- تميل لأخذ أوامرها من الرئيس ترامب لأغراض تكتيكية – كعربون للحماية الأمنية الأمريكية. لكن ذلك سيكون خطأ، لأن الخلاف الأوروبي لن يفيد سوى روسيا فقط.
نحن بحاجة إلى أن نكون حازمين مع واشنطن. فالاتفاق النووي، أو ما تبقى منه يحتاج دعمًا. فإذا انهار بالكامل، فلا ينبغي أن يكون ذلك بسببنا. لقد أخذ ترامب مقامرة غير عادية، ونحن في أوروبا سنكون أول -خارج الشرق الأوسط- من سيعاني من العواقب إذا زاد الفوضى واشتعلت الحرب. ويتمثل الخيار الأقل سوءًا في إظهار أننا مستعدون لتنفيذ ما بوسعنا للحفاظ على اتفاقية 2015. نحن بحاجة إلى تخفيف تأثير العقوبات الأمريكية على الأعمال الأوروبية.
ومع ذلك، فإن حدودنا واضحة نوعًا ما. لا يمكن لأوروبا تحمل حرب تجارية عبر الأطلسي. فشركاتها ومصارفها تقوم بأعمال في أمريكا أكثر مما تفعل مع إيران. وهذه الأزمة قد عززت الدعوات لبناء قدرات دفاع الأوروبية. ويجب أن نفكر في هذا الطموح كاقتراح مفيد لكلا الطرفين: كطريقة لدحض التصريحات الأمريكية التي تقول أننا نرفض أن نحمل نصيبنا من العبء الأمني، وكتأمين يحمينا ضد المزيد من سلوكيات واشنطن الخاطئة.
منذ عام 1945 ، كانت العلاقة بين ضفتي الأطلنطي حجر الأساس لاقتصاد أوروبا وأمنها. يجب على المرء أن يتعامل بحذر مع هذا التاريخ، فلم يكن هناك أي رئيس أمريكي آخر معاديًا لأوروبا، وللمبادئ التي تدافع عنها. لقد انتخب الشعب الأمريكي ترامب كرئيس، وعلينا أن نحترم ذلك، ولكن ما لا يتعين علينا احترامه هو القرارات التي يتخذها والتي لها عواقب سلبية على الجميع، بما في ذلك علينا.
وفي عام 2003، عارضت فرنسا بلادي، حرب العراق، إلى جانب ألمانيا -لكنهم كانوا غير قادرين تمامًا على منعها. والآن على الأوروبيين أن يجدوا طريقة للتخفيف من الخراب الذي يتسبب فيه البيت الأبيض، لكن يجب أن نكون واضحين أيضًا بشأن مدى قدراتنا حقًا.