فورين بوليسي
في مقال ترجمته “إيران خانه” عن صحيفة فورين بوليسي للصحفية إليزابيث روزنبرج، تناقش تأثير العقوبات الأمريكية على اقتصاد إيران وأمريكا نفسها، والتي توقعت أن يسبب ضررًا لأمريكا أكثر مما قد يفعل لإيران، جاء:
لن يحقق قرار الرئيس دونالد ترامب بسحب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية الإيرانية وإعادة فرض جميع العقوبات الأمريكية ضغطًا اقتصاديًا قادرًا على إجبار إيران على الخضوع لمطالب واشنطن. فإلى جانب كون هذا الخطوة فضيحة دبلوماسية وضربة لمحاولات الحد من الأسلحة النووية، فهي أيضًا ستتسبب في نتائج اقتصادية مهلكة وغير مخطط لها للولايات المتحدة.
وتتضمن سياسة الولايات المتحدة الجديدة إعادة فرض جميع العقوبات على إيران والتي رُفعت في عام 2016 بموجب الاتفاقية. والأساسي بينهم هو العقوبات المفروضة على البنك المركزي الإيراني وعلى تجارتها النفطية -المحرك لاقتصاد البلد.
ويراهن مسؤولو الإدارة الأمريكية على أن الشركات الأجنبية التي استثمرت في إيران وتشتري نفطها ستلتزم بالعقوبات. هم أيضًا سوف سيفرضون هذه العقوبات في العالم كله في محاولة الضغط على الدول الأجنبية للانضمام إلى الولايات المتحدة بمقاييسهم الخاصة. وفيما يبدو، يعتقد البيت الأبيض أن النظام الإيراني، الذي كان في يوم من الأيام ظهره للحائط، سوف يستسلم أو ينهار. وهذا السيناريو غير محتمل، فلن تميل كل شركة أجنبية أو بنك أو تاجر نفط إلى الامتثال للعقوبات الأمريكية، خاصةً إذا كانت حكوماتهم قد خاب أملها بسبب إعادة فرض العقوبات الأمريكية. والحقيقة أنه لا توجد مصلحة جماعية الآن لاستهداف إيران بالضغوط المالية والعزلة الدبلوماسية، على خلاف الفترة من بين 2012 إلى 2015 حيث كانت العقوبات فيها على أشدها.
وحتى إن مالت الشركات الأجنبية إلى الامتثال للعقوبات، فسوف يختلط على الكثيرين منهم حول كيفية القيام بذلك. فتفسير القواعد للمؤسسات المصرفية الأجنبية، والغرف التجارية، واللوائح المالية والتجارية الأجنبية، والبنوك المركزية سيتطلب حشدًا من الدبلوماسيين الأمريكيين. وقد قامت إدارة ترامب بتجميد رتب وزارة الخارجية، وألغت الإدارة مكتب تنفيذ العقوبات في العام الماضي. وقدم العديد من كبار الموظفين الرئيسيين في وزارة الخزانة، المسؤولة عن صياغة وتطبيق العقوبات، استقالتهم للتو.
ولا شك أن بعض مشتري النفط الإيراني سوف يوقفون أعمالهم هربًا من المسؤولية القانونية وبدافع الولاء المغصوب للولايات المتحدة، التي تعد حليفًا أمنيًا لهم. ومن المرجح أن تتبع المصافي الأوروبية، التي تشتري أكثر من 500 ألف برميل في اليوم، قواعد العقوبات الأمريكية على مضض. وكذلك قد يفعل المشترون اليابانيون والكوريون الجنوبيون الذين تبلغ حصتهما معًا أكثر من 500 ألف برميل يوميًا. وحتى هنا، قد تتأخر التأثيرات أو تضعف مع سعي الدول للحصول على استثناءات أو إعفاءات مؤقتة.
لكن قد يكون أكبر مشتر للنفط في إيران، وهي الصين والهند، أقل ميلاً للتعاون. وقد يجدون فرصًا لشراء المزيد من براميل نفط من إيران، والتي كانت تواصل الإمدادات في الأشهر الأخيرة. وهذا من شأنه أن يقلل من تأثير العقوبات بشكل كبير.
أما فيما يتعلق بالبنوك الأجنبية والتجار الذين لهم علاقات مالية وتجارة مع إيران، فإن الامتثال سيكون أيضًا أمر متباين. ولن تتحمل الشركات الأوروبية والآسيوية من أي حجم خطر انتهاك العقوبات وستتوقف عن التعامل مع الكيانات التي فُرضت عليها العقوبات. غير أن هذه المؤسسات كانت بالفعل تتجنب المخاطر، وقللت من استثماراتها في إيران بالفعل، لذا فإن تأثير العقوبات الجديدة لن يظهر إلا قليلًا في أحسن الأحوال. وفي الوقت نفسه، يمكن لبعض البنوك الأجنبية البعيدة عن السلطة القضائية الأمريكية إنشاء تسهيلات مخصوصة للحفاظ على التبادل مع إيران، حتى لو تعرضت للعقوبات. وهناك سابقة لهذا في الصين.
وبشكل أعم، فإن هذه العقوبات الإيرانية الجديدة الواسعة النطاق ستشجع بعض الدول على استكشاف مجموعة من القنوات المالية البديلة لإيران، من المقايضة إلى المعاملات، لحماية بنوكها وشركاتها من سلطة القضاء الأمريكية. وتعتبر روسيا والصين بالفعل رائدة في أنظمة الدفع البديلة للبقاء خارج نطاق البنوك والعملة الأمريكية، ومن المرجح أن تسرع هذه الإجراءات من هذا العمل والاهتمام الدولي.
ويهدد القادة الأوروبيون بوقف إعادة فرض العقوبات الأمريكية مرة أخرى، مما يضمن طريقًا لشركاتهم للحفاظ على علاقاتها التجارية مع إيران. ويقومون حاليًا باستكشاف ما يُعيد إحياء القوانين التي تمنع الشركات الأوروبية من الامتثال للعقوبات الأمريكية، وهي التدابير التي ساعدت على تقويض تأثير العقوبات الأمريكية الإيرانية خلال رئاسة بيل كلينتون. ومع ذلك، لا يستطيع قادة الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف توجيه الشركات الخاصة بكيفية القيام بعملها وإجبارهم على تحدى فريق تنفيذ العقوبات التابع لوزارة الخزانة الأمريكية.