واشنطن بوست
يقترب أصدقاء أميركا الثلاثة الأقرب في أوروبا -بريطانيا وفرنسا وألمانيا- من الانفجار غضبًا وسخطًا على قرار الولايات المتحدة. وعلى مدار الأسبوع الماضي لم تتوقف الاجتماعات والمكالمات الهاتفية فيما بينهم لمحاولة معرفة ما يمكنهم فعله بشأن انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي مع إيران وخططه لفرض عقوبات على شركاتهم التي تواصل القيام بأعمالها هناك. والحلول أمامهم للأسف ليست كثيرة.
يمكنهم أن ينسحبوا هم أيضًا، كما قال أحد المسؤولين الأوروبيين، لكنهم يدركون أن ذلك لن يحقق الكثير. ويمكنهم أن يطالبوا بالإعفاءات من العقوبات التي قالت الإدارة الأمريكية إنها ستطبقها على أي شركة أوروبية تواصل عملها مع إيران والولايات المتحدة معًا. ولكن قيل لهم بوضوح مهين، أنه لن تكون هناك إعفاءات.
يمكنهم البحث عن طرق للحفاظ على الاتفاق من خلال تقديم التمويل والضمانات الأخرى للاستثمار الأوروبي في إيران. ولكن حتى لو نجحت هذه الآليات – وليس هناك الكثير من الأمل في نجاحها- فإن الأوروبيين لم يقرروا بعد مدى استعدادهم للدخول في عداء مع ترامب.
وقال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون يوم الاثنين بعد اجتماع مع نظيره الفرنسي أنهم مصممون على الحفاظ على أسس الاتفاقية النووية بدون الولايات المتحدة. وقال جونسون يوم الثلاثاء أن القوى الأوروبية الثلاث ستجتمع في بروكسل مع مسؤولين من الاتحاد الأوروبي ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لمناقشة “الاقتراحات المطروحة للمضي قدمًا في الاتفاقية”.
وسيجتمع يوم الأربعاء رؤساء الحكومات دول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين في صوفيا ببلغاريا، حيث سيتحدثون عن اتفاقية إيران والاختلاف مع الولايات المتحدة. لكنهم جميعًا خائفون من تعميق الصدع بينهم، حتى وهم يريدون أن تتولى الولايات المتحدة تحمل مسؤولية حل هذه المشكلة. وقال جونسون: “من المهم أن نستمر في التعامل مع الولايات المتحدة، ونستمر في مناقشة أصدقائنا في واشنطن لمعرفة كيف تعتزم الإدارة تحقيق ما يقول ترامب أنه يريده – اتفاقية جديدة مع إيران تعمل على إصلاح عيوب القديمة-.
ويقول المسؤولون حتى الآن أنهم لا يعرفون كيف تخطط الإدارة لتحقيق ذلك. وقال أحد المسؤولين الأوروبيين الذين ناقشوا الموضوع الحساس واشترط عدم ذكر اسمه: “لم نسمع أي شيء قد يقترب من تسميته استراتيجية”.
وفي إعلان ترامب عن انسحابه من الاتفاقية يوم الثلاثاء الماضي، وفي متابعة إعلامية لاحقة مع مستشار الأمن القومي جون بولتون، قالت الإدارة أنها تريد البدء فورًا في محادثات حول اتفاقية جديدة. وهاتف بولتون ،كما وعد، نظرائه البريطانيين والفرنسيين والألمان يوم الأربعاء. لكن تلك المحادثات، كما قال المسؤولون الأوروبيون، ركزت بشكل كامل تقريبًا على إصرار الولايات المتحدة على أنه لن يكون هناك إعفاء من العقوبات على الشركات الأوروبية.
وفي مقابلة مع CNN الأحد، أظهر بولتون أقل قدر من الصبر على المخاوف الأوروبية. وقال أن الاتفاق النووي ساهم في جعل سلوك إيران في المنطقة أكثر سوءًا بدلاً من تحسينه. وقال: “من المثير للضحك هنا الاعتراف بأن إيران تشعر بتقيد أقل. أنا سأقول أنهم شعروا بأنهم يستطيعون التصرف دون خشية العقاب. لقد ترقبوا أوروبا التي لم تفرض أي عقوبات على برنامجهم الصاروخي منذ توقيع اتفاقية 2015″.
وعندما اتصل وزير الخارجية مايك بومبيو بنظرائه الأوروبيين في نهاية الأسبوع الماضي، كان الجميع متحمسين لسماع خطط الإدارة. وبدلاً من ذلك، قال مسؤولون من اثنين من الحلفاء الثلاثة الكبار، أنه ألقى الكرة في ملعبهم، متسائلاً كيف رأوا المستقبل وهو يتكشف للناس.
وقال مسؤول أوروبي ثان: ” الأمر متروك للإدارة للتوصل إلى نظام وموقف جديد. ونحن في انتظارهم”.
ويبدو أن الانطباع حتى الآن من بولتون وبومبيو هو أن الإدارة تتصور قيام ائتلافٍ واسع النطاق ضد إيران، بما في ذلك إسرائيل ودول الخليج الفارسي وشركاء إيران التجاريين الرئيسيين في آسيا، وربما تعتقد أنها لا تحتاج إلى أوروبا. فقد قال بولتون: “نحن لا نتحرك بمفردنا. لدينا دعم من إسرائيل، ولدينا دعم الممالك العربية المنتجة للنفط وغيرهم الكثير. . أعتقد أن القضية هنا هي ما ينوى الأوروبيون فعله”.
وبينما يتتوق الشركاء الإقليميون لأن يكونوا جزءًا من حملة الضغط هذه، حتى لو توصلوا إلى الضغط عسكريًا، تقول دول مثل الصين -التي فتحت للتو خطًا جديدًا كبيرًا للسكك الحديدية في إيران، أنها تخطط لمواصلة التجارة العادية –وأنها غير مهتمة بمواجهة إيران.
أما في أوروبا، وبينما يقول الحلفاء إنهم يتفقون مع الحاجة إلى الحد من أنشطة إيران الإقليمية التي تزعزع الاستقرار وبرامجها للصواريخ البالستية، كان التركيز في الوقت الحالي هو طمأنة إيران بأنها لن تنسحب من الاتفاقية. وقالت الحكومة في طهران أنها تنتظر الإقتناع بأن أوروبا بإمكانها الاستمرار في إنجاح الاتفاقية رغم الضغوط الأمريكية.
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في خطاب ألقته في مؤتمر ديني أن جهود ترامب المستمرة للتحايل على القواعد العالمية قد وضعت النظام متعدد الأطراف في “أزمة حقيقية”.
وأكملت: “إذا كنا دائمًا سنقول أن شيئًا ما لا يناسبنا، وأننا لا نرى في النظام الدولي حلًا له، لذا ببساطة نفعل ما نريدوه -فهذا شيء سيئ جدًا للعالم”.
وأشار آخرون في حكومة ميركل أنه لا وجود لأسس كافية للثقة في أي محادثات مقبلة مع الولايات المتحدة. وقال نائب وزير الخارجية نيلز أنين مؤخراً لمجلة دير شبيجل الألمانية أن الإدارة أظهرت “رغبة قليلة في أخذ حجج حلفائها على محمل الجد”.
وكما أكد ترامب في حملته الانتخابية على تعهده بالانسحاب من هذه الاتفاقية، فإن الأوروبيين جميعهم لديهم واقعهم السياسية الخاصة الذين يتعاملون على أساسه.
وفي ألمانيا، حيث يتم تشكيل الحكومة عن طريق الائتلاف، ترى الأغلبية الساحقة هناك الولايات المتحدة تحت حكم ترامب بصورة سلبية، حيث أعرب 11٪ فقط عن ثقتهم في قيادة الرئيس، وفقًا لمركز بيو للأبحاث.
وكذلك في فرنسا، ترامب لا يحظى بشعبية، فقد قوبلت زيارة إيمانويل ماكرون إلى واشنطن بنقد شديد في الصحافة الفرنسية، حيث صورت ماكرون على أنه طفل مطيع. وفي حالة وافق ماكرون على اتفاقية جديدة مع واشنطن، فقد يُنظر إليه على أنه ضعيف ولا يستطيع الوقوف في وجه ترامب.
وقضى الأوروبيون عدة أشهر في التفاوض مع وزارة الخارجية حول إضافات إلى الاتفاقية الإيرانية التي من شأنها أن تعالج المخاوف التي عبر عنها ترامب في يناير. وفي أواخر أبريل قال مسؤولون كبار من جميع الأطراف إنهم كانوا قريبين من الاتفاق.
ومع ذلك، عندما سافر ماكرون وميركل وجونسون إلى واشنطن في الأيام والأسابيع التي سبقت إعلان ترامب، عاد الجميع بانطباع بأن ترامب لم يقرأ الوثيقة المكونة من خمس صفحات التي أُعِدت وربما كان غير مدرك لهذه الجهود.
وفي بروكسل، حيث مقر الاتحاد الأوروبي، تشكك الكثيرون في إمكانية حدوث أي مناقشة إضافية مع الولايات المتحدة. من المتوقع أن يركز الحديث يوم الثلاثاء عندما يجتمع المسؤولون هناك، على ما يمكنهم فعله لمنع إيران من الانسحاب من الاتفاقية، بدلًا من مناقشة كيفية التوافق مع الولايات المتحدة.