وول ستريت جورنال
ما زال العالم كله على قدم وساق بعد قرار ترامب المتهور بالانسحاب من الاتفاقية، وفي ظل تهديد أمريكا للكيانات الاقتصادية والدول الكبرى بفرض عقوبات عليهم إذا ما تعاونوا مع إيران، نبقى جميعًا لا نعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك. وفي مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال للصحفي إيان تالي، ناقش الموقف الأوروبي:
قرار إدارة ترامب الأخير بالانسحاب من الاتفاقية النووية الإيرانية سيشكل تحديًا للسياسات الاقتصادية بالنسبة للولايات المتحدة، فكيف يمكنها تطبيق العقوبات بينما العالم كله لم يعد يدعمها وقد أعلن البيت الأبيض الأسبوع الماضي عن خطة واسعة لإعادة فرض العقوبات على إيران على مرحلتين في خلال ستة أشهر، ومنع أي تعاملات مالية أو تجارية مع الكيانات المدرجة على القائمة السوداء. فأي بنك أو شركة أو شخص غير إيراني يخالف هذا الحظر يخاطر بتعريض نفسه للعقوبات، بما في ذلك احتمالية خسارة سبل الوصول إلى الأسواق الأمريكية والقدرة على استخدام الدولار الأمريكي في التجارة والتمويل.
ولم تدخل شركات أمريكية كثيرة إلى السوق الإيراني مرة أخرى بعدما رفعت الاتفاقية النووية لعام 2015 العقوبات عن طهران في معظم المجالات الاقتصادية مقابل وقف تطويرها النووي. لكن زادت بقية الدول من شراء النفط الخام الإيراني واستأنفوا معها العلاقات التجارية، ما دفع اقتصادها للخروج من حالة ركوده.
أثناء حكم أوباما، دعم العالم إلى حد كبير العقوبات، بما في ذلك حلفاء أمريكا الغربيين والصين، المشتري الرئيسي للنفط الخام من إيران. ومع ذلك، فقد استغرق الأمر سنوات طويلة من محاولات الإقناع والتأثير والدبلوماسية المكوكية وفرض العقوبات لعزل إيران عن الأسواق العالمية والنظام المالي العالمي.
أما الآن، فجميع الأطراف الأخرى في الاتفاقية النووية التي انسحب منها الرئيس دونالد ترامب الأسبوع الماضي يقولون إنهم سيلتزمون بالاتفاقية. ووفقًا لقادة ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، هذا الالتزام سيتضمن “ضمان استمرار الفوائد الاقتصادية للشعب الإيراني”. وكذلك فسوف يحرصون أن تظل إيران قادرة على الوصول إلى الأسواق العالمية.
من جانبه، قال وزير الخزانة ستيفن منوتشين الأسبوع الماضي أنه إن لم تمتثل الدول الأخرى للعقوبات الأمريكية، فإن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام سلطاتها لمعاقبة المخالفين، بما في ذلك منع وصولهم إلى الأسواق الأمريكية. وقال: “نحن سنقوم بفرض الامتثال لهذه العقوبات”.
وقال جون بولتون مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، في ظهوره التلفزيوني يوم الأحد، أن الدول الأوروبية قد تواجه عقوبات أمريكية إذا استمرت في التعامل مع إيران.
وهذا يعني أن الولايات المتحدة قد ينتهي بها الأمر إلى إجبار الحلفاء الأوروبيين بالقوة للالتزام بالعقوبات التي يعارضونها، بجانب تحديها لقوى عالمية أخرى مثل الصين، التي أبدت تحفظها على تطبيق العقوبات التي وصفتها بأنها أحادية الجانب وتتجاوز الحدود.
وتمثل تعاملات الحلفاء الغربيون وحدهم أكثر من 30٪ من صادرات إيران النفطية. إضافة إلى الصين والهند ليصل هذا الإجمالي إلى 80 ٪.
ولدى بعض أكبر الشركات في أوروبا، بما في ذلك شركتي توتال الفرنسية و أيرباص الفرنسية، مشاريع بمليارات الدولارات قائمة مع إيران. وكان لدى النظام المالي في فرنسا 163 مليون دولار مديونيات للمصارف الإيرانية عبر الحدود في الربع الأخير من العام وفقا لبنك التسويات الدولية.
وقد تراجع إقراض إيران من قِبل الاقتصادات المتقدمة في ظل نظام العقوبات القديم ولم يعود لمستواه مرة أخرى حتى بعد تخفيف العقوبات، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن البنوك كانت لا تزال حذرة من مواجهة أي خطوة أمريكية. لكن كانت هناك علامات أنها من الممكن أن ترتفع. ووفقًا لوكالة أنباء العمال الإيرانية، فإن بنك “سبه” في البلاد حصل على 10 مليارات دولار من خلال تسهيلات ائتمانية من ثلاثة بنوك في كوريا الجنوبية والنمسا والدنمارك.
وسيتم حظر جميع هذه المعاملات، من النفط والشحن والتمويل، حين يتم فرض العقوبات الأمريكية بحلول أوائل نوفمبر.
وتتمتع وزارة الخزانة ببعض المرونة فيما يتعلق بمعاقبة البلاد وشركاتها. فإذا قام بلد ما بإجراء تخفيض كبير في مشتريات النفط الخام خلال الأشهر القليلة القادمة، يمكن للولايات المتحدة إصدار إعفاء من العقوبات. لكن إصدار التنازلات والإعفاءات، أو الفشل في معاقبة من لا يمتلثون، يقوض الهدف من استراتيجية الضغط على إيران لجرها إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى. كما تشجع هذه الإجراءات الآخرين على الإخلال بالعقوبات الأمريكية، مما يقوض مصداقية واشنطن.
وقال بهنام بن تاليبلو، الخبير الإيراني في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة فكرية كانت تنتقد الاتفاقية النووية: “لا يمكن للولايات المتحدة أن تراوغ. فإذا تعثرت وفشلت في معاقبة الشركات أو البنوك الأوروبية غير الممتثلة، فإن الولايات المتحدة ستظهر عدم كفاءتها وقدرتها على فرض العقوبات”.
ويهدد خطر معاقبة واشنطن لحلفائها فيما يخص إيران بتعميق الصدع الدبلوماسي المتزايد بينهم وتعقيد جهود الولايات المتحدة لتأمين أهداف سياستها الخارجية الأخرى. وقال دبلوماسي أوروبي بارز: “إنها لحظة صعبة. آمل أن تظل صلابة العلاقة كما هي”.
وحتى إذا امتثلت أوروبا إلى حد كبير، فقد ترى دول أخرى ذات أهداف سياسة خارجية -والتي غالبًا ما ستكون على خلاف مع الولايات المتحدة- في هذا فرصة سانحة. فعلى سبيل المثال، تفكر شركة توتال في تحويل حصتها في مشروع مشترك مع شركة النفط الوطنية الإيرانية إلى شركة البترول الوطنية الصينية.
ويقول جوناس باريلو بليزينر، الدبلوماسي الدنماركي السابق، وهو زميل متقدم في معهد هادسون، أن السيناريو الأفضل هو أن الأوروبيين والأمريكيين قادرون على صياغة اتفاقية جديدة تتعامل مع المخاوف الأمريكية بشأن تطوير إيران النووي وبرنامج الصواريخ ودعم الوكلاء الإقليميين. أما الأسوأ، سيكون أننا أمام خلاف حول ما إذا كانت الحكومات الأوروبية ستحاول حماية شركاتها، أو القيام بتشريعات مضادة لذلك، أو تتقدم بطعن قانوني ضدها في منظمة التجارة العالمية” في إشارة منه إلى لجوء الاتحاد الأوروبي سابقًا لمنظمة التجارة العالمية لتحدي الحصار الأمريكي ضد كوبا عام 1996.
وعلى الرغم من الحظر الأمريكي المفروض منذ عقود على كوبا، فإن رفض العالم للموقف الأمريكي، بما في ذلك أوروبا، كان يعني أن واشنطن لم تكن قادرة على إزاحة قبضة حكومة كاسترو الشيوعية على الأمة.