وول ستريت جورنال
فعلها ترامب الثلاثاء، وأعلن انسحاب بلاده من الاتفاقية النووية وإعادة فرض العقوبات، مما أثار ردود فعل متباينة في العالم أجمع، ما بين مؤيد ومعارض ومنذر، وفي هذا المقال الذي نُشر في صحيفة “وول ستريت”، يناقش لورانس نورمان وآيس فيتش كيف تعاملت القوى المختلفة مع إعلان ترامب:
يهدد قرار إدارة ترامب بالانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران بخطر توسيع الفجوة بين الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط وطهران ومناصريها. ففي الوقت الذي عبر فيه حلفاء واشنطن في أوروبا عن خيبة أملهم تجاه القرار، أعربت إسرائيل والمملكة العربية السعودية، اللتان عارضتا منذ فترة طويلة ما اعتبروه اتفاقاً يمنح إيران الكثير جدًا، عن دعمها القوي له.
وبدأت خطوة الرئيس دونالد ترامب جولة جديدة من دبلوماسية عالية المخاطر في منطقة متأججة بشكل متزايد، حيث تتصارع إيران والسعودية عسكريًا في اليمن وسوريا، ويتنافسان على فرض نفوذهما في الانتخابات في لبنان والعراق. وفي الوقت نفسه، أصبحت إسرائيل جريئة بشكل أكبر في استهداف الممتلكات الإيرانية في الحرب السورية، بما في ذلك غارة جوية مشتبه بها نُفذت بعد وقت قصير من إعلان السيد ترامب قراره.
وفي خطاب أذيع على التلفزيون الوطني ردًا على القرار، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن دبلوماسيي بلاده يتناقشون مع المسؤولين في أوروبا وروسيا والصين عن سبل الحفاظ على الاتفاقية دون الولايات المتحدة التي قادت الاتفاقية في عام 2015.
وحذر السيد روحاني من أن الاتفاقية قد تنهار تمامًا إذا لم يكن هناك من منفعة تعود على المصالح الاقتصادية الإيرانية، وقال أنه أمر وكالته الذرية لتكون على استعداد لتوسيع نطاق البرنامج النووي. وقال روحاني: “الشعب الإيراني أكثر اتحادًا وتصميمًا” ووصف تحرك ترامب “بالحرب النفسية”، وأكمل: “لن ندعه يفوز في هذه الحرب”.
ويتفق الخبراء النوويون والمسؤولون السابقون على أن إيران يمكن أن تتجاوز سريعًا ببرنامجها النووي الحدود المنصوص عليها في الاتفاقية النووية، مع أنهم لا يتفقون بشكل كبير بشأن المدة التي سيستغرقها إنتاج رأس حربي نووي، فيقول البعض أن الأمر قد يستغرق أكثر من عام بقليل، في حين يقول البعض الآخر عدة سنوات. لكن ينكر المسؤولون الإيرانيون أن بلادهم لديها أي نية لبناء أسلحة نووية.
وقد سدد ترامب ضربة قاسية بقراره هذا للشرق الأوسط والدول الأوروبية الموقعة على الاتفاقية منذ ثلاثة سنوات مضت.
وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الثلاثاء في كلمة أن الاتفاقية لم تفعل شيئًا لمنع تطوير إيران للصواريخ الباليستية القادرة على الوصول إلى إسرائيل. وأشار ترامب في خطاب الانسحاب من الاتفاقية إلى ما كشفه نتنياهو من وثائق البرنامج النووي الإيراني المسروقة.
وقال نتنياهو: “اتخذ الرئيس ترامب قرارًا شجاعًا اليوم . . قرارًا صائبًا. ولو كانت الاتفاقية النووية مع إيران بقيت سارية المفعول، ففي غضون سنوات قليلة كان سيُسمح لإيران بتخصيب ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج ترسانة كاملة من القنابل النووية”.
ووفقًا لوسائل الإعلام السورية، في وقت لاحق يوم الثلاثاء، قصفت طائرات حربية مشتبه بكونها إسرائيلية قاعدة إيرانية جنوب العاصمة السورية دمشق. وفي الأسابيع الأخيرة، اشتُبِه في أن إسرائيل قد استهدفت مواقع إيرانية في سوريا بغارات جوية، بما في ذلك الهجمتين في أبريل، والتي ضربت القواعد التي تعمل فيها القوات الإيرانية لدعم الرئيس بشار الأسد في نزاعه ذي السبعة أعوام. لكن لم يكن من الواضح ما إذا كانت غارات الثلاثاء مرتبطة بقرار ترامب أم لا. ورفضت إسرائيل التعليق، ولم تقم إيران بالرد.
وجاءت الضربات على “الكسوة” – التي تبعد نحو 8 أميال جنوب دمشق – بعد أن حذر الجيش الإسرائيلي من أنه في حالة تأهب قصوى بعد رؤية “نشاط غير عادي للقوات الإيرانية” في سوريا، ورفض تقديم مزيد من التفاصيل بهذا الشأن. كما قال الجيش الإسرائيلي إنه أمر بفتح الملاجئ في شمال البلاد تحسبًا لهجوم إيراني محتمل.
أما المملكة العربية السعودية، وهي أحد أبرز منتقدي الاتفاقية النووية، فقد أشادت بقرار ترامب وحثت المجتمع الدولي على الضغط على طهران لوقف التدخل في العالم العربي. وتحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كثفت المملكة العربية السعودية جهودها للحد من نفوذ إيران في الشرق الأوسط من خلال دعمها للوكلاء المسلحين الذين ينفذون عملياتهم في دول مثل العراق وسوريا ولبنان. وتريد الرياض أيضًا أن تُنهي طهران برنامجها للصواريخ الباليستية الذي تعتبره تهديدًا مباشرًا لها.
وفي شوارع طهران، حيث كان السكان قلقين في الفترة التي سبقت قرار السيد ترامب، جادل الناس في المقاهي حول التأثير الواقعي للنزاع: ما تأثيره على الريال الضعيف؟
فسأل حسن غازي البالغ من العمر 51 والذي يعمل كوكيل عقارات: “ما الذي سيحدث للعملة؟” وكان يشاهد خطاب روحاني في ردهة محل عصائر في إحدى أحياء طهران. وقال بيجان شعباني، 61 عاماً، ورفيق غازي، وهو أحد مسؤولي الشحن المتقاعدين، أن قرار ترامب سيقرب إيران من أوروبا: “أشكر السيد ترامب”.
أما الدول الأوروبية فأعربت عن قلقها إزاء القرار الأمريكي، ولكنها حولت جهودها التي بذلتها في محاولة إقناع واشنطن بالالتزام بالاتفاقية، إلى محاولة إقناع طهران بعدم الخروج منها. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه سيعمل مع نظرائه في المملكة المتحدة وألمانيا على نطاق أوسع لمعالجة تطوير إيران للصواريخ البالستية وعملها النووي بعد انتهاء القيود التي فرضتها الاتفاقية – وهما أمران احتج ترامب من أن الاتفاقية الحالية لم تعالجهما.
وقالت فيديريكا موجيريني، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أن الدول الأوروبية ستحمي مصالح إيران، ووصفت الاتفاقية بأنها واحدة من أعظم الإنجازات التي تحققت في مجال الدبلوماسية الدولية، فقالت: “أنا قلقة بشكل خاص من الإعلان عن فرض عقوبات جديدة”، مضيفة أن أوروبا ستعمل على حماية استثماراتها.
وقال مسؤولو وزارة الخزانة الأمريكية أن الشركات سيكون لديها من ثلاثة إلى ستة أشهر لإنهاء استثماراتها الإيرانية قبل أن تواجه عقوبات مالية ساحقة، على الرغم من أن الصورة الواضحة لما سيترتب على العقوبات الأمريكية لم تظهر بعد.
ويُذكر أن دبلوماسيين أوروبيين كبار اجتمعوا في بروكسل مع “عباس عراقجي” المسؤول في وزارة الخارجية الإيراني قبل إعلان ترامب، وقالوا له أن أوروبا ستحاول تأمين المنافع الاقتصادية التي كانت إيران تأمل في الحصول عليها بعد إبرام الاتفاقية، ويجب على طهران ألا تخرج منها.
بالنسبة لإيران، كان قرار ترامب بمثابة نكسة تاريخية في مساعيها المستمرة منذ سنوات لتحسين العلاقات مع العالم وتخفيف عزلتها الاقتصادية بعد عقود من الشكوك وعدم الثقة في الغرب. وفي حالة ألغيت الاتفاقية بالكامل، فإنها ستنهي جهودًا واسعة النطاق لإعادة إيران إلى الساحة الدولية، وستمحو أكبر إنجازات روحاني منذ انتخابه في عام 2013، وهي النمو والازدهار من خلال الانفتاح على العالم.
وإلى حد كبير، لم تتحسن سُبل العيش في إيران كما أُمِل بعد الاتفاقية، وذلك منذ دخولها حيز التنفيذ في أوائل عام 2016. فقد زاد التضخم والبطالة على حد سواء، وانخفضت قيمة الريال الإيراني أمام الدولار في الأشهر القليلة الماضية بشكل لم يحدث مسبقًا، مما دفع البنك المركزي لتحديد سعر الصرف عند 42000 ريال للدولار في إبريل الماضي.
وساعدت المخاوف الاقتصادية، إلى جانب الاضطرابات العمالية المتصاعدة، في إثارة احتجاجات واسعة النطاق ضد الحكومة، واستمرت أسبوعين حتى انتهت في يناير بقمع أمني.