لقد كانت الفرصة الأسنح، والتوقيت الذي لا يصطاده إلا المُوفَّقون، والضربة التي لا تذهب إلا صوب هدفها فتنفذ وتحقق بُغيتها، وقد سارت إسرائيل على هذا الدرب وعبّدت كل ما أسلفنا ذكره نحو هدفٍ واحد، وهو تقويض الاتفاق النووي، وإنهاء الذريعة التي تدرعت ورائها إيران، ففعلت كل ما يحلو لها وعبرها طوّرت برنامج صواريخها الباليستية، ونثرت أذرعها في كل بُلدان جوار إسرائيل، وتعاظمت قوتها قوة، وما كانت إسرائيل لتسمح بهذا.
موعد التفجير
مساء الإثنين، الثلاثين من أبريل / نيسان الماضي، وفجأةً وعلى حين غرة، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مؤتمرٍ صحفي، ووسط جمعٍ عريض،يعرض ما أسماه “دليلًا دامغًا” على مواصلة طهران لتطوير برنامجها النووي، زعمل على شرح تسجيلاتٍ مصوَّرة زعم أنها تُظهِر منشأة إيرانية.
لقد كان حديثٌ مُطوَّلًا، لم يُعهَد به من قبل، قال فيها: ” إن إيران نقلت برنامج الأسلحة النووية إلى موقع سري، كما أنها تمتلك 5 مواقع لاختبار الأسلحة الكيماوية، وقد حصلنا على مئات الوثائق الأصلية الإيرانية التي تكشف تصنيع السلاح النووي”.
وأضاف قائلًا: “نمتلك وثائق طبق الأصل من الأرشيف النووي الإيراني، والمستودع الذي يضم أرشيف إيران النووي في خزائن ضخمة”.
وأكد أن: “إيران تمتلك مشروعًا سِريًّا، لتصميم وإنتاج واختبار رؤوس حربية”، لافتًا إلى أن “إسرائيل تبادلت معلومات مخابراتية مع أمريكا قد تبرهن على مصداقيتها”.
وشدد على أن “إيران كانت تكذب بوقاحة، عندما قالت إنها لم تمتلك برنامجا للأسلحة النووية أبدا”، مؤكدا أن طهران تُوسِّع باستمرار نطاق صواريخها النووية.
وتابع قائلًا: “متأكد أن ترامب سيفعل الصواب في مراجعة الاتفاق النووي الإيراني”، معتبرًا الاتفاق النووي يمنح إيران طريقا مباشرًا لترسانةٍ نووية. وسنقف عند هذا التصريح مُستقبَلًا.
في تقريرٍ لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية عن مصادرها، وقد ترجمه موقع عربي 21، أشار إلى أن الجريدة كانت على علم بموعد وفحوى المؤتمر، وقد قالت نصًّا: “أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سيخاطب تطورًا مهمًا في الاتفاق النووي مع إيران، وسيعلن خلاله عن معلومات دراماتيكية في هذا الشأن، كما أن المادة التي سيقدمها نتنياهو في خطابه قويةٌ للغاية”.
لقد كان دخول مفاجِئًا استدعى رُدودًا شديدة الانفعالية والغضب من قِبل المسؤولين في إيران، أولها كانت للنائب في البرلمان الإيراني ومساعد الرئيس الإيراني السابق، أحمدي نجاد، مجتبى رحماندوست ، والذي أدلى بتصريحاتٍ لصحيفة الرسالة الفلسطينية، وأكد أن اتهامات نتنياهو لبلاده بالإعداد لتجهيز قنابل نووية وامتلاك صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية “كــــاذبــــة”.
وأضاف: “إنّ ما تحدث به نتنياهو كذب، فهو لم يعرض أي دليل أو وثيقة يثبت خرق الاتفاق النووي من الجانب الإيراني، ومن حسن الحظ أن العالم يعرف أن نتنياهو ليس رجلا صادقًا، وهناك كثير من العقلاء يعتقدون أنه شخص كذوب”.
كما رجّح رحماندوست آنذاك -أن تذهب واشنطن لإلغاء النووي-، مضيفًا: “التنسيق بين الإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي قوي، وترامب قريب من نتنياهو، ويسعى منذ اللحظة الأولى لمجيئه لخرق الاتفاق، وطهران تدرك هذا الاتجاه الأمريكي سلفا وهي مستعدة لمثل هذه الأيام ولديها خياراتها في هذا المجال”.
وبالتالي كان هُناك رد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، والذي غرّد عبر حسابهِ على موقع تويتر قائلًا: “هذا الصبي لا يستطيع أن يكف عن الكذب على غرار الراعي الكذاب، ويحاول من جديد أن يكرر عادته السابقة، فهو لم يتعظ من فضيحة الرسم الذي عرضه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبإمكانه فقط خداع بعض الناس أكثر من مرة”.
وكذلك كان هُناك رد عن نائب وزير الخارجية، بهرام قاسمي، والذي صرَح قائلًا: “إن المسرحية الهزلية الدعائية الأخيرة لرئيس وزراء الكيان الصهيوني هي واحدة من أحدث المسلسلات المكررة للعروض العقيمة والمخزية حول مزاعم البرنامج النووي الإيراني السري”.
مضيفًا: “أنها تشبُث عبثي لمفلِس كذاب ومفضوح لا يمتلك سلعة للعرض سوى بث الأكاذيب وممارسة الدجل”.
وتابع قائلًا: “قادة الكيان الصهيوني يرون بقاء كيانهم غير المشروع والمبني على الزيف والكذب، في تصور تهديدات من آخرين، وذلك عبر استخدام الدجل البالي للعصر الجاهلي وعدم اطلاع الرأي العام العالمي، حيث أن عبثية وعقم ذلك مكشوفان أكثر من ذي قبل”.
النزاع المُسلَّح
تتخذ إسرائيل منحىً تصاعُديًّا بقوة صوب المواجهة مع إيران، سنأخذ في الحُسبان أن منذ ثلاث إلى أربع سنوات، كانت تُوجَّه ضربات عبر طائرات مجهولة المصدر آنذاك، على فتراتٍ متباعدة، وكان التكتُم هو سيد الموقف آنذاك، والضبابية تُغطِي ماهيّة الضربات، والأهداف، والطائرات جميعًا على حدٍّ سواء.
ولكن لما بدا أن الأرض دانت لنظام الأسد وتفوق على فصائل المعارضة والجهاديين، بفِعل القوة العددية البرية المهولة للمليشيات التابعة للجمهورية الإيرانية، والتي أطلقت عبر أبواقها نداء مُقدَّس للقتال في سُورية، ظهر لإسرائيل أن إيران أصبحت تريد أن تجني الثمار وأنها قد هيأت نفسها للتوطُن في سُورية قد لا يعرف معنى العودة إلى الديار مُجددًا، ومن ثمَّ أصبحت إسرائيل تظهر في صورةٍ أكثر مفاصلةً وحِديةً وتِبيينًا، وقد عزمت نفسها على ألا يحيط هذا الشر بأراضيها التي سلبتها من فِلسطين.
وفي هذا الآن كُثِّفت الضربات نحو أهدافٍ إيرانية بذاتها، وعقب دراساتٍ مُستوفَاة من قِبل القيادة الإسرائيلية، لإلحاق أكبر أذىٍ ممكن بإيران على الأراضي السورية وتجعل من بقائها عليها أشبه بالجحيم، حتى تقرر هي من قرارة نفسها بأن تعود إلى أراضيها شرقًا، عُلِم وقتها أن إسرائيل هي من كانت صاحبة كل الضربات المجهولة والتي حاقت بأهدافٍ إيرانية بحتة في سُورية.
وفي الآونة الأخيرة، ظل الجانب الإسرائيلي يؤكد عبر رئيس وزرائه ووزير دفاعه بالأخص، أن إيران باتت تُحرِّض ضدها وضد بقائها، وأنها تدعو دومًا للتخلُصِ منهم والقضاء عليهم، وأنها تعمل على نشر أسلحةٍ خطيرة لتدميرها، وأن دعوات إيران تلك أصبحت تأخذ صفة الإعلان والجهرية بصورةٍ فجة.
كما يظهر عبر تصريحات نتنياهو، أن إسرائيل باتت تُهيِّئ نفسها للخيار الذي هو موضوع في خانة الاستبعاد وعدم التطرُق إليه، وهو خيار المواجهة. ففي خلال الاجتماع الأسبوعي الذي يجمع نتنياهو بوزراء حكومته، تطرق إلى موضوع المواجهة مع إيران.
كانت كلمات نتنياهو حاسمة بصدد هذا الأمر، فقد دعا خلال الاجتماع، بتعجيل المواجهة ضد إيران وعدم تأجيلها أو تأخيرها، وقال: “لا نسعى إلى التصعيد، إلا أنه سيكون من الأفضل مواجهة إيران عاجلا وليس آجلا إذا لزم الأمر، فالحرس الثوري الإيراني عمل مؤخرًا على تزويد سوريا بأسلحة متقدمة لمهاجمتنا”.
مضيفًا: “نحن مستعدون لأي سيناريو ومصممون على تقويض عدوان إيران في مراحله المبكرة، حتى لو كان ذلك ينطوي على صراع، والدول التي لم ترغب في التصرف في الوقت المناسب ضد العدوان القاتل، دفعت في وقت لاحق ثمنًا أثقل بكثير”.
وهذا يضع استفسارًا هامًا وُيُثير كثير من الأسئلة حول وتيرة هذا الاندفاع الإسرائيلي وماهيّته، والتعجيل صوب اللقاء والمجابهة الرسمية مع إيران، وهذا ما سنستكمله الجزء المقبل.