كتب: عاموس هارئيل
ظل صراع إسرائيل ضد إيران قائمًا لسنوات عديدة على مسارين متوازيين، مع وجود صلات معقدة بين الاثنين. فسعت إسرائيل إلى منع برنامج إيران النووي إلى جانب اتخاذ إجراءات لوقف إمدادات الأسلحة الإيرانية للجماعات المؤيدة لإيران في لبنان وغزة وسوريا.
وقادت نخب سياسية حملة لمناهضة التسليح النووية، فقام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بصياغة سياسات وقامت وكالات أمنية بتنفيذها. وعند منعطف مهم –عند الجدل الذي استمر من 2009 إلى 2012، حول ما إذا كان سيتم قصف المرافق النووية- قام قادة مؤسسات الدفاع بالتصدي لتنفيذ خطط نتنياهو الهجومية ووزير دفاعه في ذلك الوقت، إيهود باراك.
أما عن القتال الجاري بالقرب من الحدود الإسرائيلية، فقد تبنى القادة العسكريون موقفاً عدائيًا، وهو الموقف الذي يتبعه رئيس الوزراء والحكومة. لكن في الأسابيع الأخيرة، تم دمج هاتان القوتان معًا، ومن المتوقع أن تتحدا بشكل وثيق أكثر في الأسابيع المقبلة، كما ظهر في عملية الموساد التي سرقت الأرشيف النووي الإيراني، وفي ضغوط نتنياهو على الولايات المتحدة للانسحاب من الاتفاقية النووية، وسلسلة الغارات الجوية المنسوبة إلى إسرائيل ضد الأهداف الإيرانية في سوريا، والقلق من أي ثأر قد تقوم به إيران، والذي من شأنه أن يثير جولة أخرى من القتال، سيقرب الطرفين أكثر وأكثر.
وكان لمؤتمر نتنياهو الصحفي الأخير عدة أهداف. فعلى المستوى الاستراتيجي، من الواضح أن رئيس الوزراء يريد أن يعطي للرئيس دونالد ترامب المزيد من الحجج قبل انسحابه المتوقع في 12 مايو من الاتفاقية النووية الإيرانية. وعلى ما يبدو، فقد نسق الزعيمان الخطوات بشكل جيد.
ولا يساور نتنياهو أي شكوك بشأن موقف القوى الخمس الموقعة الأخرى. وعلى الرغم من أن عرض تلك المواد الاستخبارية يؤكد أن إيران قد مارست نوعًا من الخداع في إخفاء برنامجها النووي العسكري في الماضي، إلا أنه يمكن أن يساعد في تقويض التصريحات الإيرانية المستقبلية.
ولا يمكن للمرء أن يتجاهل البعد السياسي لهذه الاعتبارات. فنتنياهو قد وافق على عملية محفوفة بالمخاطر والتي سارت بشكل جيد، ونتيجة لها حصد مكافآت واضحة للكل. لكن تصريحه، كما هو الحال دائما مع نتنياهو بشأن القضية الإيرانية، كان لتصحيح التاريخ. فنتنياهو قد حذر من إيران وبرنامجها النووي لما زاد عن العقدين.
وليس من الصعب أن نرى ذلك بالنسبة له، فقد مثل هذا الأرشيف دليلًا قاطعًا أن نتنياهو كان على حق طوال الوقت، وأنه فعل الشيء الصحيح عند مخاطبة الكونجرس الأمريكي في عام 2015،و جاهر برفضه لتوقيع الاتفاقية، في خطوة اعتبرت غير مجدية، واستقطبت الكثير من النقد ضد إسرائيل والمجتمع الدولي.
وتعلق الأوساط السياسية في إسرائيل آمالاً كبيرة على قدرة انسحاب الأمريكي من الاتفاقية على زعزعة الاقتصاد الإيراني، الذي يعاني من أزمة بالفعل. وظواهر مثل: هبوط الريال الإيراني (إلى الحد الذي توقفت فيه التجارة بالعملة الأجنبية لبضعة أيام)، وبعض من المظاهرات الاحتجاجية في المدن الإيرانية، وتعمق الخلافات بين معسكر المحافظين ومعسكر المعتدلين نسبيًا، ومقطع الفيديو المنتشر لمشجعي كرة القدم الذين هتفوا باسم الشاه، كلها تشجع أولئك الذين يعتقدون أن العقوبات الجديدة ستؤدي إلى موجة من الاحتجاجات في كل أنحاء البلاد، مثل تلك التي قمعتها السلطات في نهاية المطاف؛ “الثورة الخضراء” في عام 2009.
وفي عام 2015، وتحديدًا في الثالث من مارس، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليتحدث أمام اجتماع مشترك للكونجرس في واشنطن، وقال في خطابه أن المفاوضات التي كانت تجري وقتها بين إيران والولايات المتحدة تضمن كلها أن تحصل طهران على أسلحة نووية، وهي خطوة يجب على العالم أن يتجنبها بأي ثمن.
في هذا السياق، نشر رئيس المخابرات العسكرية المنتهية ولايته، اللواء هرتسي هليفي، في المجلة العسكرية Maarachot تعليقًا موجزًا في مقال كتب فيه: “في عصر يحصل فيه معظم الناس على أخبارهم من الإنترنت، يمكن لعمليات الفضاء الإلكتروني الموجهة إلى أذهان الناس أن تُسقط الدول أو تمنع الحروب. وعلى الرغم من التحليل المستقبلي المرتبط بإسقاط الأنظمة عبر الإنترنت، إلا أن هذا الوضع موجود بالفعل”.
ونظرت قوات الدفاع الإسرائيلية إلى الاتفاقية النووية بإيجابية. ومما أثار استياء رئيس الوزراء، أنها إلى الآن ترفض تمامًا أن تنبذ الاتفاقية نهائيًا، حيث أنها أكثر انشغالًا بالأحداث القريبة من حدودها. وفي وثيقة كتبها في عام 2009 أثناء عمله كرئيس للقيادة الشمالية، شدد رئيس الأركان الحالي غادي إيزنكوت على أهمية إعداد الجيش لمواجهة الأعداء على طول حدود إسرائيل.
واستندت خطة “جدعون” متعددة السنوات، التي تم إطلاقها بعد توقيع الاتفاقية النووية، على فكرة أن هذه الاتفاقية أتاحت لجيش الدفاع الإسرائيلي فرصة لسد بعض الثغرات للتصدي للتهديدات الأقرب إلى الوطن. في نفس الوقت، تميزت السنوات الأخيرة بـ “حرب بين الحروب”، والتي تهدف أساسًا إلى منع منظمات مثل حزب الله من حيازة أسلحة متطورة.
وتغيرت طبيعة هذه المعركة في الأشهر الأخيرة، فيبدو أن حزب الله وإيران قد خففا من تهريب الأسلحة من سوريا إلى لبنان، ربما بسبب الأضرار التي تلحقها الغارات الجوية ضد قوافل الأسلحة. ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام السورية، تغيرت الجهود الإسرائيلية في الشمال للتركيز على قصف الأهداف العسكرية الإيرانية. وتتخذ إسرائيل حذرها، من أجل أن تبقى هذه العمليات بعيدة عن عتبة الحرب، على الرغم من أنها تدرك أنها قد تتعرض لعمليات انتقامية في مرحلة ما. وقال قائد القوات الجوية السابق الجنرال أمير إيشل في مقابلة مع هآرتس في أغسطس الماضي أن أكبر إنجاز لجيش الدفاع الإسرائيلي، هو أنه أدار هذه العمليات دون جر إسرائيل إلى حرب.
وحتى الآن نُسبت خمس ضربات ضد المواقع الإيرانية في سوريا لإسرائيل: منهم منشأة كبيرة لإنتاج أسلحة تعرضت للقصف في سبتمبر الماضي، وقاعدة لميليشية شيعية قُصفت في ديسمبر، وضربتين ضد الإيرانيين في القاعدة الجوية T4 السورية قرب حمص، وهذا الأسبوع ضُربت شحنة كبيرة من الصواريخ جنوب حلب.
وكانت غارة فبراير الجوية ردًا على الطائرة الإيرانية الحربية التي تم اعتراضها بالقرب من مدينة بيت شيعان. وقد تكون هذه العملية قد أحرجت القادة الإيرانيين، الذين لم يعرفوا جميعًا مسبقًا عن عملية الطائرة هذه. وفي أبريل، كان الهدف مختلفًا، فوفقًا لبعض التقارير الإعلامية، دمرت إسرائيل مبنى إيراني، وهو قاعدة جوية داخل سوريا، كان من المفترض أن تكون محمية بصواريخ مضادة للطائرات.
أما على مستوى المعركة الفكرية، التي اندلعت بين آيزنكوت وضباطه ضد الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع لقوات الحرس الثوري المسؤول عن العمليات في الخارج، فيبدو أن إسرائيل قد رفعت رهانها بشكل كبير.
وواحد من الآراء الأعلى مستوى في مؤسسة الدفاع، يقول أن التراجع عن المواجهة في هذه المرحلة سيكون تكرارًا -لما أسماه المصدر- أخطاء إسرائيل في لبنان على مدى العقود الأخيرة. ففي عام 1996، بعد عملية عناقيد الغضب، قللت إسرائيل عملياتها لضمان الهدوء على طول الحدود. وهذا سمح لحزب الله بأن تكون تحديًا عسكريًا أكثر قوة، واستطاع مطاردة الجيش حتى غادر لبنان بعد أربع سنوات.
وفي عام 2006، بعد حرب لبنان الثانية، تطور الحزب من إمكانياته بشكل أكبر، جزئيًا لأن إسرائيل لم تلح أبدًا على الامتثال لبند قرار مجلس الأمن 1701 الذي يحظر تهريب الأسلحة إلى حزب الله. والنتيجة هي أن ترسانة حزب الله من القذائف والصواريخ قد تضاعفت عشرة أضعاف، ويبلغ عددها اليوم حوالي 100.000. ويمكنها الوصول إلى أي هدف في إسرائيل الآن.
ويقول مصدر في مؤسسة دفاعية: “لا يمكننا السماح لمثل هذا الوحش بأن ينهض مرة أخرى في سوريا تحت ظلال إيرانية”. وقال وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان أن إسرائيل سوف تمنع هذا “بأي ثمن”. لكن هل يشمل هذا الثمن حربًا مع إيران في سوريا؟ فعلى الرغم من المشاكل القائمة في إسرائيل، يعتقد الجيش أنه لا يزال هناك مجال كبير للمناورة، مع إمكانية اتخاذ إجراءات صارمة دون الانزلاق إلى حرب.
تعتمد التطورات أيضًا على تغيير مسار الأسلحة النووية. وقد تم تفسير موقف إسرائيل العدائي جزئيًا من خلال الادعاء أن إيران تنتظر قرار ترامب حول الاتفاقية، مما يجعلها تفكر مرتين الآن قبل الرد على الغارات في سوريا. وإذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية بحلول الموعد النهائي المحدد في 12 مايو، فإن الظروف ستتغير، ومن المؤكد أن طهران ستعيد تقييمها لسياساتها في سوريا.
ومن المثير للدهشة، أنه لا يوجد حاليًا أي نقاش سياسي حول الآثار المحتملة لتحركات إسرائيل في سوريا. فقد وضعت إسرائيل حاجزًا مرتفعًا للغاية -يمنع أي تواجد إيراني في سوريا، حتى بعيدًا جدًا عن حدود إسرائيل. وبالطريقة التي تبدو بها الأمور الآن، فقد دفعت تصرفات إسرائيل إيران إلى زيادة جهودها بإرسال المزيد من الرجال والسلاح إلى سوريا.
وإذا كان الهدف هو إحداث فجوة بين المعتدلين والمحافظين في طهران، استنادًا إلى طموحات سليماني والنزاع الدائر حول المبالغ الهائلة التي ينفقها النظام على وكلائه في الخارج، فلا يوجد دليل حتى الآن على نجاح ذلك.
وعلى النقيض من المرات السابقة، فإسرائيل تواجه الآن إيران مباشرة، ووضع إيران في سوريا سيئ، لكن في مرحلة لاحقة وفي حالة التصعيد، يمكنها أن تلجأ إلى استخدام حزب الله دائمًا.