فيليب جوردن-ذا أتلانتك
كتب السياسي فيليب جوردن مقالًا لـ “ذا أتلانتك” يحاول فيه الإجابة على التساؤل المثار الآن ما إذا كان تغيير النظام الإيراني الحاكم، قد يساهم في حل أزمة الاتفاقية النووية. وجاء في المقال:
يبدو أن الرئيس ترامب ينوي الانسحاب من الاتفاقية النووية، بدعم من نقادها أمثال ريويل مارك جيريشت، الذي قال لـ “ذا أتلانتك” ما يراه من عيوب في الاتفاقية. باختصار، وكما فهمت، فإن جيريشت كان سيقبل فقط، وسيقبل الآن فقط، اتفاقية نووية مختلفة تمامًا، تحظر على إيران إلى الأبد امتلاك برنامج تخصيب يورانيوم، حتى لو كان لإنتاج الطاقة تحت المراقبة الدولية؛ وتمنعها كذلك من البحث و التطوير الخاص بأجهزة الطرد المركزي المتقدمة؛ وأن تكون متاحة دائمًا لعمليات التفتيش، في أي وقت وأي مكان (بما في ذلك قواعدها العسكرية)؛ وتحيل إيران إلى تحقيقًا بسبب كذبها في الماضي حول تطوير أسلحتها النووية؛ وتطالبها بتغيير سياستها في المنطقة؛ وتحرم اختبارات وتطوير الصواريخ الباليستية بعيدة المدى فيها.
وإذا لم يتم الموافقة على كل ذلك، فإنني كنت لأنسحب كما ينبغي أن يفعل رئيس دولة بوزارة خارجية أكثر قوة، وينتظر بصبر حتى تظهر نتيجة العقوبات القاسية.
أنا كنت لأوافق على اتفاقية مماثلة أيضًا، لكننا للأسف نعيش في العالم الحقيقي. فالإصرار على اتفاقية تطالب إيران بالتخلي عن برنامجها النووي بأكمله، وكذلك بأن تبدل سياستها الخارجية الإقليمية في الأساس، يعني عدم التوصل إلى أي اتفاقية على الإطلاق. فبعد كل شيء، كان “منع التخصيب” أساسًا هو رأي أمريكي منذ عام 2003 وحتى عام 2014 تقريبًا –خلال الفترة التي كانت إيران تتقن دورة الوقود النووي، وتتقدم في اتجاه امتلاك الأسلحة.
وقد تم إحراز معظم هذا التقدم خلال إدارة جورج دبليو بوش، التي شملت ديك تشيني، ودونالد رامسفيلد، وجون بولتون –لم يُعرف عن أي أحد منهم كراهيته للقوة العسكرية أو الهيمنة الأمريكية، التي نسبها جيريشت لأوباما. (على سبيل المثال، قام أوباما –المسالم- بنشر عشرات الآلاف من القوات الإضافية في أفغانستان، وزاد من هجمات الطائرات الأمريكية بدون طيار إلى مستويات غير مسبوقة، وقصف ليبيا لمدة سبعة أشهر، وأمر بآلاف الغارات الجوية ضد داعش، وفر أسلحة أكثر تطوراً بكثير لإسرائيل والسعودية أكثر من أي رئيس سبقه، أذن بتطوير الأسلحة اللازمة لتدمير المخابئ الإيرانية السرية، أرسل قوات العمليات الخاصة الأمريكية في غارات شرسة في المنطقة عدة مرات لأغراض متعددة.
واقتراح جيريشت بـ “الانتظار بصبر لتُحدث العقوبات نتيجة” دون أن يتم إجراء أي تفتيش، كان هو نهجنا تجاه كوريا الشمالية منذ منتصف التسعينات، وخلال هذه الفترة أنتجت بيونجيانج، وأجرت اختبارات، وخزنت أسلحة نووية، وطورت صواريخ قادرة على ضرب الولايات المتحدة.
ولا تبدو الصفقة الإيرانية -مع تطبيق دائم لنظام تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأكثر تقدمًا، وحظر دائم على أي عمل نووي- سيئة للغاية إلى جانب ذلك، أليس كذلك؟ كنت سأذهب أيضًا مع اتفاقية مشابهة، لكننا نعيش في العالم الحقيقي.
وناقش جيريشت وأنا، وآخرون، هذه القضايا لسنوات ولن نوافق على ذلك، لذا يجب علينا أن نجنب القراء إعادة النقاشات القديمة هنا.
دعونا نتطلع للأمام، فسواء كانت الاتفاقية هي الأفضل أو الأسوأ، فقد تم إبرامها، وتمكنت من إعاقة وتجميد البرنامج النووي الإيراني، وأصبحت القضية الآن ما إذا كان ترامب سينهيها الأسبوع المقبل أم لا. وأعتقد أنه من غير الحكمة إنهاء الاتفاقية في 2018 بسبب القلق من بنودها بعد عام 2030، في حين يبدو أن جيريشت يرى أن ذلك منطقيًا.
وبعيدًا عن مسألة مزايا أو عيوب الاتفاقية النووية، فهناك سؤال عن كيفية تقييم إمكانيات تغيير النظام في إيران من حيث الوقت الذي قد يحدث فيه هذا، وإمكانية وكيفية الترويج له، وما هو التأثير الذي سيتركه على القضية النووية والمنطقة؟
ومثل جيريشت، أريد أن أرى نظامًا مختلفًا في إيران، وأعتقد أننا سنشهد هذا يومًا ما. ولكني لا أعتقد أنه يمكننا الاعتماد على ذلك عندما يتعلق الأمر بوقف برنامجها النووي، ولدي وجهات نظر مختلفة حول ما ينبغي على الولايات المتحدة فعله أو عدم فعله لمحاولة تحقيق ذلك.
النقطة الأولى هي ببساطة عن التوقيت. يبدو أن جيريشت يعتقد أن التغيير الإيجابي في إيران يمكن أن يكون قريبًا جدًا، وربما يعفينا من الاضطرار إلى إنهاء الاتفاقية النووية مع النظام الحالي. وبهذا المنطق، من المفترض أن نواجه إيران في المنطقة، وأن نفرض المزيد من العقوبات، وإذا لزم الأمر نعيق البرنامج النووي ببعض الضربات العسكرية، وننتظر ثورة ديمقراطية تضع إيرانيين في السلطة ممن لا يسعون إلى امتلاك أسلحة نووية أو فرض الهيمنة على جيرانهم.
بالتأكيد من الممكن أن يسقط النظام الإيراني في وقت قريب (لكن إن حدث هذا فلن يكون في وقت قريب كفاية). وعمليًا، في كل مرة كان لدى الشعب الإيراني الفرصة للتعبير عن نفسه خلال العقدين الماضيين -حتى في ضوء الخيارات المحدودة المتاحة من قِبل النظام- يبدو أنه يصوت للمرشحين الذين يمثلون التغيير، وهي علامة مشجعة، ومن المفترض أنها تثير قلق قادة الجمهورية الاسلامية. ويبدو أن المظاهرات التي انتشرت عبر عدد كبير من المدن الإيرانية في وقت سابق من هذا العام -والتي يبدو أنها بدأت كمظاهرات ضد الظروف الاقتصادية ثم تحولت إلى هجمات على النظام نفسه- قد تسبب في ليالٍ مؤرقة للقادة في طهران. وإنني أوجه تحيتي إلى النساء والرجال الإيرانيين الشجعان الذين يخاطرون بحريتهم وحتى بحياتهم لمعارضة فساد النظام وسوء الإدارة الاقتصادية والقمع الاجتماعي.
هذه كلها تطورات إيجابية، لكنني أعتقد أن القفز من “ملاحظة علامات مشجعة عن السخط العام” إلى “توقع أن الجمهورية الإسلامية تلفظ أنفاسها الأخيرة” سيكون بمثابة الاعتماد على الأمل بدلًا من الخبرة والواقع الملموس.
في الواقع، كيف انتقل بعض المنتقدين للاتفاق النووي من إصراراهم على أن القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم لمدة 10-15 سنة لم تتح الوقت الكافي لإحداث تغيير سياسي محتمل في إيران، إلى اعتقادهم الآن أن تغيير النظام قد يكون قريبًا جدًا؟
في أكتوبر الماضي، زعم الرئيس ترامب أن الاتفاقية النووية “ألقت بحبل نجاة اقتصادي وسياسي للدكتاتورية في إيران”، لكن الآن من المفترض أن نعتقد أن النظام يلفظ أنفاسه الأخيرة؟
وبعيدًا عن أي شيء يضع الضغوط على النظام الإيراني، فإن الاتفاقية النووية قد قوضته، من خلال زيادة التوقعات العامة التي لن يتمكن النظام من تلبيتها، وكذلك من خلال سلب فرصته في إلقاء اللوم على الآخرين بسبب أدائه الاقتصادي الضعيف. وهذا يبدو لي كمقترح لسياسة تعود بالنفع على الجميع. فإذا كان التغيير في إيران ممكنًا، والاتفاقية لن تمنعه، بل قد تعززه، أليس من المنطقي الحفاظ على هذا الاتفاقية؟
إن جيريشت لا يتوقع ببساطة سقوط النظام من تلقاء نفسه، لكنه يريد تسريع العملية بمزيد من العقوبات، والمواجهة الإقليمية، ودعم المعارضة. وقد قرأت باهتمام كبير مقالته في صحيفة نيويورك تايمز في وقت سابق من هذا العام، حيث عارض وجهة نظري أن على الرئيس ترامب أن يلتزم الصمت حيال الاحتجاجات التي اندلعت في إيران. ففي حين حذرت أنا من أن التدخل الأمريكي البارز قد يضر أكثر مما ينفع، كتب جيريشت أن “أسوأ شيء يمكن أن تفعله الولايات المتحدة للشعب الإيراني هو الصمت”. حقًا؟ هل سيكون الصمت أسوأ من دعوة الإيرانيين إلى ثورة ضد النظام ومشاهدتهم بينما يذبحون، مثلما حدث في عام 1991 في العراق عندما دعا الرئيس بوش الأول إلى انتفاضة شيعية ضد صدام حسين؟ هل سيكون الأمر أسوأ من إثارة خلافات طائفية في إيران من خلال تقديم المساعدة الأمريكية إلى “البلوش وعرب خوزستان والأكراد وغيرهم” كما أوصى بولتون لترامب؟ لأكون صادقًا، أشك في أن الخطاب الأمريكي حول الاحتجاجات – التي هي تطورات داخلية سببتها الظروف المحلية- يحدث فرقًا كبيرًا بطريقة أو بأخرى. لكنني أعتقد أن التدخل في محاولة تشكيل مستقبل إيران السياسي من خلال تعزيز ثورة قوية -لا سيما على أسس طائفية- سيكون أمرًا متهورًا إلى حد كبير. ونعم، هو أسوأ من عدم فعل أي شيء.
وهذا يقودني إلى نقطة أخيرة ومتعلقة بالأمر. لقد قام كلانا أنا وجيريشت بإجراء مقارنة بين إيران والاتحاد السوفييتي، وهو نظام عدائي سابق انهار في نهاية المطاف. لكن في حين يعتقد جيريشت أنه انهار بشكل استثنائي لأن رونالد ريجان-الرئيس الأربعين للولايات المتحدة- واجهه ودعم مواطنيه المكبوتين، أما أنا فأعتقد أن هذا تبسيط أكثر من اللازم لما حدث، ولا يوجد قالب محدد للتعامل مع إيران الآن. فلا شك أن سياسات الحرب الباردة القاسية مثل استنزاف السوفيت في أفغانستان، وزيادة إنفاقها عسكريًا ساهمت في انهيار النظام. ولكن الأمر في الحقيقة أيضًا أن التغيير في موسكو لم يتحقق إلا بعد عقود من الاحتواء وتغير الأجيال، ولم تكن لدينا سيطرة أو قدرة على التنبؤ بتوقيتها، ولم يكن هناك ثورة تدريجية ولكن النظام نفسه –من خلال الأمين العام للحزب الشيوعي ميخائيل جورباتشوف- هو الذي اعترف في نهاية المطاف بالحاجة إلى محاولة إصلاح النظام الضعيف وإنقاذه. وأستطيع أن أرى أن ذلك سيحدث في إيران في يوم ما، وليس لدي أي فكرة عن توقيتها. ومثل جورج كينان، أحد مهندسي الحرب الباردة، أعتقد أن “سياسة الاحتواء على المدى الطويل، الصبورة، لكنها في الوقت نفسه قوية وحذرة” هي الطريق الأفضل.
ومثل جيريشت، أعتقد أننا في حاجة إلى احتواء إيران، وأنا حقًا أريد رؤية شعبها حرًا يومًا ما، ولكني فقط أفضل أن نتجنب تفاقم مخاطر الانتشار النووي، والصراع الذي لا يمكن التنبؤ بعواقبه أثناء المضي في طريق الحرية.