واشنطن بوست-إيشان ثارور
لا شك وأن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاقية النووية الإيرانية أمر كارثي، لكنه لا يبدو كذلك بالنسبة لمتشددي إيران وأمريكا على حد سواء، وبهذا الصدد نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالًا للصحفي هندي الأصل “إيشان ثارور” تحت عنوان “متشدوو إيران وأمريكا ينتظرون نهاية الاتفاقية الإيرانية”. وجاء في نص المقال:
نحن الآن على أبواب المرحلة النهائية قبل قرار الرئيس ترامب المحتمل بالانسحاب من الاتفاقية النووية بين إيران والقوى العالمية. ويتعين على إدارته أن تقرر بحلول يوم 12 مايو ما إذا كانت ستعيد فرض عقوبات اقتصادية على طهران، التي تم رفعها منذ وقعت حكومة أوباما الاتفاقية في 2015. وترجح التعيينات الأخيرة لوزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون –وهما اثنين من أكبر منتقدي إيران والذين عارضوا الاتفاقية بشراسة، أن ترامب سينفذ تهديداته بالانسحاب من الاتفاقية.
وقد ناشد العديد من حلفاء أميركا الرئيسيين، وخاصة الزعماء الأوروبيين، إدارة ترامب بالإبقاء على الاتفاقية. وعلى مدى أشهر من المفاوضات، سعوا لإقناع محاوريهم الأمريكيين بأن التمسك بالاتفاقية والعمل على تحسينها أفضل من إلغائها كليًا. ومن وجهة نظر المراقبين الدوليين والحكومات الأجنبية وحتى وزارة الخارجية، فإيران تلتزم بشروط الاتفاقية، ولا يوجد خيار أفضل من هذا متاحًا الآن للحد من طموحات طهران النووية.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس لهيئة الإذاعة البريطانية BBC : “يجب ألا نلغي الاتفاقية إذا لم يكن لدينا بديل جيد” واصفًا الاتفاقية بأنها “نصر دبلوماسي مهم”، وضروري في “الأوقات العصيبة”.
فإيران تتواجه مع إسرائيل في سوريا، مع احتمالية أن تصبح الأمور أكثر خطورة. وقام يوم الاثنين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتقديم عرضٍ- الذي أفشى فيه أسرارًا جديدة تثبت سوء نية إيران وخداعها-، مما شجع ترامب ومعاونيه، على الرغم من أن الخبراء والدبلوماسيين الأوروبيين أشاروا إلى أن معطيات نتنياهو تعتبر سببًا إضافيًا للحفاظ على اتفاقية تضع برنامج إيران تحت المراقبة الشديدة.
ولا يبالي نقاد الاتفاقية، فهم يريدون ما يعتبرونه مواجهة طال انتظارها مع طهران. وكتب جميل جعفر المسؤول في عهد بوش: “يجب على الرئيس التوقف عن انتظار الكونجرس أو الأوروبيين للتفاوض بشأن خطة العمل المشتركة. بدلاً من ذلك، عليه أن يجعل الجميع يسلم بالنفوذ الأمريكي ويستعيده من خلال إعادة فرض العقوبات الآن”.
وقال مارك دوبويتز من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة فكرية مؤثرة مناهضة لطهران في واشنطن: “عندما يخشى الإيرانيون القوة الأمريكية ، فإنهم إما سيتراجعون أو سيتوقفون”. . “وحين لن يخافوا القوة الأمريكية ، فإنهم سيتمادون مع ترامب، لكن السؤال الأهم هو: هل سيشعرون بالسلطة الأمريكية، أم الهراء الأمريكي؟”
لكن في الوقت الذي يرى فيه معارضو الاتفاقية الأعلى صوتًا أنها اتفاقية ضعيفة ضد القوة الشريرة الكبري في الشرق الأوسط، يشير محللون آخرون إلى تعقيد الوضع داخل إيران نفسها. فإذا انسحب ترامب من الاتفاقية، فسيكون من غير المحتمل أن يتمكن الرئيس الإيراني حسن روحاني -الذي دافع عن الدبلوماسية مع الغرب- من مقاومة دعوات المتشدديين في بلاده للتراجع عن الاتفاقية.
وبجانب أن الاقتصاد الإيراني في حالة ركود، يواجه روحاني انتقادات متزايدة من خصوم لم يدعموا أبدًا جهوده في تهدئة التوترات مع الغرب. ومن خصومه عناصر من الحرس الثوري، وهي المنظمة العسكرية القوية التي تدير إلى حد كبير حروب الوكالة الإيرانية التي تعادي واشنطن، كما أنها متورطة في اعتقال العديد من الرعايا مزدوجي الجنسية على الأراضي الإيرانية.
وكتبت أريان طباطبائي من جامعة جورج تاون في دراسة مطولة عن السياسية الداخلية الإيرانية: “إن حسابات وسائل التواصل الاجتماعية الخاصة بالمتشددين تصور الإصلاحيين والمعتدلين الذين يواصلون الضغط من أجل المزيد من المفاوضات والتعاون مع الغرب على أنهم ضعفاء، وغير قادرين، وساذجين، وفاسدين. وعلى الرغم من أن حكومة روحاني ترغب في الحفاظ على الاتفاقية، والاعتماد عليها من أجل مزيد من التكامل الدولي والإصلاح الاقتصادي، إلا أنها مقيدة بضغوط خصومها السياسيين”.
وأشار كريم سادجاد بور من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إلى أن “تفكك الاتفاق النووي سيجعل الرئيس روحاني في أضعف حالاته، ويقوي موقف الحرس الثوري، الذي أزعم أنه تمت تقويته بالفعل خلال العامين الماضيين”.
ويقول منتقدو إيران بأن فكرة المعسكرات السياسية المتنافسة في إيران هي وهم، وأن روحاني كان دائمًا مدينًا بالولاء للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والعصابة الدينية المحيطة به. لكن الانهيار الوشيك للاتفاقية الذي راهن روحاني على مصداقيتها، حتى في وجه المعارضة الداخلية الشديدة، قد يقود العالم إلى طريق أكثر ظلمة.
وكتب إيلان غولدنبرغ من مركز الأمن الأمريكي الجديد: “سيكون من المستحيل تقريباً إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة لسنوات قادمة، حيث سيتوصل قادتها إلى أنه لا جدوى من إبرام اتفاقيات مع الولايات المتحدة”.
وقد قال فالي نصر، عميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، أن ترامب يجب أن يتخذ مسارًا مختلفًا تمامًا. وكتب نصر يقول “يجب على واشنطن أن تجد طرقًا لتخفيف التوترات، من خلال الإتصال بإيران مباشرةً والاستكمال من المكان الذي توقفت فيه الاتفاقية النووية. كما يجب أن تشجع إيران والمملكة العربية السعودية على التعاون لحل الأزمات الإقليمية، بدءًا بالأزمة في سوريا واليمن”.
لكن هذا يبدو غير محتمل الآن. فقال غولدنبرغ: “سوف نكون وحدنا أمام عالمٍ تتجه فيه إيران نحو سلاح نووي، ولا تواجه ضغوطًا كافية، ولا مصلحة لها في المفاوضات. وهذا يعني في غضون سنوات قليلة أن الولايات المتحدة ستكون أمام خيارٍ قاسٍ بين العمل العسكري أو العيش مع إيران المسلحة نوويًا”.وهذا السيناريو يماثل ما واجهته إدارة أوباما قبل أن يباشر في سلسلة من المفاوضات المتعثرة التي أدت في النهاية إلى الصفقة الحالية.
وكما كتب سعيد كمالي دهقان من صحيفة الغارديان: “في حين كان الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي في السلطة، قام جورج دبليو بوش بتقويضه وتقويض آمال الإيرانيين في إقامة علاقات ودية من خلال وصم دولتهم بأنهم جزء من “محور الشر”. وقد يكون ترامب على وشك ارتكاب نفس الخطأ مع روحاني”.