نيويورك تايمز-توماس إيرتبرينك
في الشهر الماضي، وبينما تجري عملية تنقيب بالقرب من أحد الأضرحة في إيران، تم العثور على مومياء أثارت جدلًا واسعًا، وبهذا الشأن نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقال للكاتب الدنماركي المقيم في إيران “توماس إيرتبرينك” يعرض فيه الأمر من وجهة نظر الشارع الإيراني، وجاء فيه:
بالقرب من ضريح الشيخ الشيعي عبد العظيم شاه، وبالقرب من قبور الملوك والنبلاء، توقفت فجأة آلة حفرٍ عن العمل، وسُمِعَ صراخ العمال من دهشتهم، فقد تم اكتشاف مومياء مغطاة بالطين، في أعماق حفرة مغطاة بلوح أسمنتي،
لو حدث الأمر في مصر، فبالكاد سيحدث ضجة في الإعلام المحلي، فمصر معروفة بمومياواتها، لكن إيران بالتأكيد ليست كذلك. هنا، الموتى يدفنون بقطعة قماش بيضاء، وتبدأ جثثهم سريعًا في التحلل.
بدأ الأمر حين انتشرت صورة “سيلفي” التقطها سائق الحفّارة مع الجثة المحنطة الشهر الماضي، ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، مثيرة نظريات أن الرفات لا بد وأنها تعود لرضا شاه بهلوي، قائد لواء القوزاق الذي تولى حكم إيران في عام 1925، لتبدأ سلالته التي استمرت 54 عامًا. وقال أحد أفراد عائلة السائق أنه تم استجوابه، وبعض الناس قالوا أنه تم إلقاء القبض عليه.
ومع انتشار أخبار المومياء في جميع أنحاء البلاد، والتي أصبحت سببًا للحشد ضد الحكومة الدينية في إيران، وبسرعة أُطلقت صافرات الإنذار في آذان أصحاب السلطة. فالناس يتجمعون أمام الضريح، ويستنجدون باسم الشاه. ويظهر في مقطع فيديو أنصار نادي برسبوليس الإيراني لكرة القدم وهم يهتفون “عاش رضا شاه” خلال المباراة.
وبشرت القنوات الفضائية الناطقة بالفارسية التي تُبث من الخارج باكتشاف المومياء كعلامة على أن أيام الجمهورية الإسلامية أصبحت معدودة. وكتب حفيد رضا شاه، وولي العهد رضا بهلوي الثاني، الذي يعيش في ضواحي واشنطن، بيانًا يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل. وأصبحت عودة الشاه محل جدل محتدم في جميع أنحاء إيران.
وقال أكبر، الذي كان يبيع المجوهرات الإسلامية في السوق بالقرب من الضريح -والذي رفض إعطاء اسم عائلته إلى أجنبي فضولي لم تكن نواياه واضحة مثلي-: نحن الإيرانيون مؤمنون بالخرافات، وأنا شخصياً أعتقد أن عودته رسالة. وهذه الرسالة هي: “تصحيح الفوضى”.
في الأشهر الأخيرة، قامت في إيران احتجاجات على الاقتصاد المتدهور وضد الحجاب الإسلامي الجبري. في الوقت نفسه، لمح الرئيس ترامب إلى أنه يريد إعادة النظر في الاتفاقية النووية الإيرانية، والتي كان يأمل كثير من الإيرانيين أن تضع البلاد على الطريق “طبيعي” والذي يحدث في الواقع، أنه يتم القبض على الإيرانيين وسط حالة من الغموض.
والآن يسود إيران جو من الحنين للأيام التي سبقت الثورة الإسلامية، عندما جاء الرئيس جيمي كارتر إلى إيران للقاء شاه محمد رضا بهلوي -ابن رضا شاه- بدلاً من خبراء الأسلحة الذين يأتون للمناقشة حول أجهزة الطرد المركزي النووية. بالطبع، هناك أيضا نوع من فقدان الذاكرة لميول الشاه الاستبدادية، والانتهاكات التي ارتكبتها شرطته السرية، المعروفة باسم سافاك، والتي كانت سببًا من أسباب اندلاع الثورة التي أطاحت به عام 1979.
في حين رفضت السلطات الكشف عما إذا كانت الجثة المحنطة تعود إلى رضا شاه، رأي العديد من الإيرانيين في إحجام السلطات، وموقع اكتشاف المومياء، وحقيقة اختفاء جثمان الشاه دليلًا قاطعًا على كونها له.
وقالت أم زوجتي الإيرانية على طاولة الطعام: “لا بد أن يكون هو، فالإيرانيون لا يحنطون موتاهم”.
وجاء استنتاجهم على هذا النحو لأن حين هرع محمد رضا بهلوي وعائلته إلى خارج إيران في يناير عام 1979 في الوقت الذي كانت الثورة الإسلامية تستجمع قوتها، ترك خلفه اثنين من موتى عائلته، أولهما أخيه الأمير على رضا بهلوي، الذي مات عام 1954 في حادث تحطم طائرة في جبال ألبرز الثلجية في إيران، ودُفن في مكان مجهول. والثاني هو والده “رضا شاه” المتوفى عام 1944، والذي دُفن في ضريح مهيب في مدينة الري حيث كانت الحفارة تعمل الشهر الماضي.
وحكم رضا شاه لما يقرب العقدين، وكثيرون هنا يطلقون عليه مؤسس إيران الحديثة، لأنه انتقل بإيران من بلد متخلف متراجع إلى القرن العشرين. وقد نُفي رضا شاه إلى جنوب أفريقيا بعد أن أجبره البريطانيون والسوفييت على التنازل عن العرش في عام 1941 لابنه. وبعد وفاته في جوهانسبرج عام 1944، تم نقل جثته إلى مصر، حيث تم تحنيطها وظلت هناك حتى عام 1950، عندما أُعيدت رفاته إلى إيران.
وكان ضريح رضا شاه مستوحى من قبرنابليون في باريس، ويزيد ارتفاعه عن 80 قدمًا، فهو يتنافس في الحجم مع ضريح عبد العظيم. لكن بعد الثورة، هُدِم الضريح بواسطة رجل الدين المنشق صادق خلخالي، المعروف باسم “قاضي الإعدام” بسبب حكمه بإعدام المئات، وبشكل أو بآخر لم يجدوا جثة رضا شاه فيه.
وقال علي زاكري، البالغ من العمر 72 سنة، الذي يقضي معظم أيامه في السوق المحيط بضريح شاه عبد العظيم: “أتذكر عندما بدأ الثوار بهدم الضريح، لقد كان بناءً قويًا بحيث أنه بعد يوم كامل من دقه بالمطارق، لم يتمكنوا إلا من تحطيم ثلاثة سنتيمترات فقط”، مشيرًا بيده إلى ما يقرب البوصة. وكان السيد زاكري وصديقه يناقشان وجود الشرطة المعزز الذي رافق الحشود التي تزاحمت في المنطقة الهادئة عادةً حول الضريح، على أمل أن يلقوا نظرة على المومياء.
وقال الصديق، فرمان هيماتي بعدما رأي صورة المومياء المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي: “عندما رأيت المومياء، عرفت أن هذا هو رضا شاه”.ثم قدم نظرية حول لماذا أثارت المومياء كل هذا الحماس:
“لقد فقدت معظم أموالي بعد الثورة. ومنذ ذلك الحين والأحوال تتدهور. نحن بحاجة إلى قائد قوي ليضع الأمور في نصابها هنا، شخص مثل رضا شاه. وظهور جسده علامة على أن التغيير قادم”.
أما بالنسبة للسلطات الإيرانية، كان هناك شيء واحد واضح: المومياء، بغض النظر عمن يكن صاحبها، لا يمكن أن تكون محط أنظار المجتمع. وبدأوا في اتخاذ تدابيرهم، فتجد ضباط يرتدون ملابس مدنية يتجولون في الضريح بحثاً عن محبي رضا شاه ويعيدونهم إلى منازلهم. وتم اعتقال عدة أشخاص في إحدى الأمسيات، بعد تجمع مجموعة كبيرة. وقال أفراد عائلة سائق الحفار الذي التقط سيلفي مع المومياء، أن موقع البناء الذي عثر على المومياء فيه تم تطويقه بالكامل، وتم استجواب السائق.
وفي وقت مبكر، طرح حسن خليل عبادي، رئيس لجنة التراث الثقافي في مجلس مدينة طهران، في مقابلة مع وكالة أنباء ISNA شبه الرسمية، فكرة أن المومياء يمكن أن تكون لرضا شاه. لكن مثل هذه التصريحات من المسؤولين اختفت بسرعة من المواقع الإخبارية المحلية.أما المومياء فربما أعيد دفنها أو أنها أخذت لمكان بعيد. أو ربما، كما قال أحد المسؤولين، كان الأمر برمته مختلق باستخدام “فوتوشوب”. أما من منظور رسمي، فالأمر كله لم يحدث قط.
وفي مقهى مجاور، دار حوار بين بائعين “على” و “آراش”…
فقال علي البالغ من العمر 32 سنة: “أشياء كثيرة في هذا البلد تسير بطريقة خاطئة”.
وقال آراش الذي يماثله في العمر: “أحوالنا تتغير باستمرار”.
وبعد فترة صمت قال علي ليختم حديثه: “رضا شاه هو المنقذ الذي يتبادر إلى أذهاننا”.
أما آراش فقال: “أنا لا أعتقد ذلك . . نحن سوف ننساه مرة أخرى، كما ننسى كل شيء غيره”.