منذ بدأ حملته للانتخابات الرئاسية الأمريكية، شن دونالد ترامب هجوما لاذعًا على الاتفاق الذي أبرمته إدارة سلفه باراك أوباما مع إيران، واصفًا إياه بـ«أسوأ اتفاق وقعته أمريكا في تاريخها».
ولم يكتف بتوجيه الانتقاد لـ«أوباما» فقط، لكنه وجه رسائل قاسية لطهران قائلًا، إن «كل الخيارات مطروحة للتعامل مع طهران» متهماً إياها بـ«نشر الدمار في الشرق الأوسط وتهديد إسرائيل».
ويسعى ترامب إلى تعديل الاتفاقية بإضافة بعض البنود مثل السماح بشكل تام لخبراء الأسلحة النووية التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدخول إلى كافة المناطق العسكرية السرية الإيرانية.
الاتفاق النووي الإيراني
يوم الثلاثاء 15يوليو 2015، أبرمت مجموعة «5+1» وإيران في فيينا، بعد 22 شهرا من المفاوضات المكثفة، اتفاقًا تاريخيًا حول البرنامج النووي الإيراني ويستمر حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران لمدة خمس سنوات، فيما لن ترفع العقوبات المتعلقة بتسليح إيران بالصواريخ إلا بعد مرور ثماني سنوات.
إلا أنه ينص على إلغاء جميع إجراءات الحظر الاقتصادية والمالية المفروضة على إيران دفعة واحدة، ومن بينها، إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على 800 شركة ومؤسسة تجارية واقتصادية وفي مقدمتها المصرف المركزي الإيراني والمصارف الإيرانية الأخرى، وشركة النفط الوطنية وشركة السفن والملاحة البحرية.
وقال مسؤول بالبيت الأبيض إن ترامب «يتجه على الأرجح إلى الانسحاب من الاتفاق، لكنه لم يتخذ القرار بعد، ويبدو أنه جاهز لعمل ذلك، ولكن إلى أن يتم اتخاذ قرار من جانب الرئيس فالأمر ليس نهائيا»، وصرح مسؤول ثان، بأن كبار المساعدين لا يسعون بقوة للحديث عن الانسحاب لأنه يبدو أنه عاقد العزم على ذلك.
الهدف من الانسحاب
حول هدف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خروجه من الاتفاق النووي مع إيران قال المحلل السياسي الإيراني محمد غروي لإذاعة «سبوتنيك»: كل الخطوات الأمريكية تأتي من ضمن الضغوط الدولية والأمريكية لتغيير ما في الاتفاق النووي، ولا شك أن كل هذه الضغوط الأمريكية لها ثلاثة أهداف:
أولا: أن يتم إلحاق هذا الاتفاق بملحقية وهي تخص الصواريخ البالستية، وكان ترامب دائما يقول إن هذا الاتفاق النووي فاشل وخاسر، لأنه لا يتضمن موضوع الصواريخ الباليستية الإيرانية، وكلنا يعرف أن إيران رفضت أن يكون موضوع الصواريخ الإيرانية ضمن الاتفاق النووي، أي أنهم يريدون إلزام إيران بهذا بإدخال الصواريخ في الاتفاق النووي.
ثانيا: الولايات المتحدة تتحدث عن أن التفتيش للمنشآت الإيرانية غير مجدي وغير مقنع، لذلك تريد الولايات المتحدة أن تطور نظام تفتيش جديد، ويكون من بين المفتيشين بعض الخبراء الامريكيين لكي يدخلوا إلى هذه المنشآت ويكسبوا مزيدا من المعلومات عن البرنامج النووي الإيراني.
ثالثا: يريد الأمريكي أن يقول إن الإيرانيين وضعوا حدا زمنيا لهذا الاتفاق، وهذا يعني أن مدة الاتفاق تنتهي عام 2025، وبعدها يستطيع الإيراني أن يعود إلى نشاطه النووي، والأمريكي يقول إن هذا التاريخ هو قصير، ويجب أن يكون هذا الاتفاق إلى لا نهاية، بمعنى ألا يستطيع الإيراني إعادة تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20%.
ونستعرض في هذا التقرير أبرز المتضررين حال انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني
(1) الاقتصاد الإيراني
الباحثة في معهد (بروكنغز)، سوزان مالوني، كتبت قائلة: «بما أن المجموعة الكاملة من العقوبات الأمريكية، بما في ذلك فرض عقوبات على استيراد النفط الخام الإيراني، ستعود إلى مكانها، حال انسحاب ترامب، فإن الوضع الاقتصادي الإيراني الهش سوف يتدهور بالتأكيد».
وانخفض التومان الإيراني مقابل الدولار الأمريكي في الأشهر الأخيرة، وفقدت العملة الإيرانية ما يقرب من ثلث قيمتها خلال العام الماضي فقط، حيث تشير تقارير إعلامية إلى أن الانخفاض كان أكثر حدة في بورصات السوق السوداء، وجعل الانخفاض الواردات أكثر تكلفة.
وينص الاتفاق على أن بعض القيود التقنية المفروضة على الأنشطة النووية تسقط تدريجيًا اعتبارا من 2025، إلا أن ترامب يهدد برفض التوقيع على تمديد الالتزام بالاتفاق النووي في موعده المقرر في 12 مايو الجاري، حيث يجب على ترامب توقيع وثيقة بتجميد العقوبات كل 120 يومًا.
(2) أوروبا
كما أشرنا سابقًا فإن محاولة التوصل لاتفاق مع إيران بشأن البرنامج النووي استغرق 22 شهرًا، وفي حال انسحاب الولايات المتحدة، فإن أوروبا ستخسر جهود كبيرة توصلت لها بعد فترة عمل كبيرة تولدت عنها الاتفاق، وهو ما ظهر في تصريحات القادة الأوروبيين.
لكن رغم بعض التباين في الموقف الأوروبي وكيفية التعامل مع مخاوف إسرائيل من برنامج إيران النووي الإيراني وتجاربها للصواريخ البالستية، إلا أن هناك إجماعًا على أهمية الاتفاق وضرورة الحفاظ عليه والالتزام به من قبل كل الأطراف.
وهذا ما أكد عليه السفير الألماني السابق لدى طهران بيرند إريل، وقال عن تباين الموقف الأوروبي بأنه على بعض التفاصيل «وفيما إذا كان يمكن إضافة أمور أخرى إلى الاتفاق، وهو ما طرحته وأعلنته فرنسا بأنه يمكن الاتفاق مع إيران على أشياء إضافية وعلى رأسها تجارب الصواريخ البالستية وتنامي نفوذ إيران في دول أخرى في الشرق الأوسط».
ودافعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن الاتفاق، في مقابلة مع القناة العاشرة الإسرائيلية، قائلة إن اتفاقًا معيبًا أفضل من عدم وجود اتفاق. وأضافت أن ألمانيا «سوف تراقب الوضع عن كثب» لضمان الالتزام بالاتفاق.
وشدد على ذلك الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في تصريحات أثناء زيارته إلى استراليا، الأربعاء الماضي، بأنه يمكن توسيع الاتفاق، لتناول ثلاثة مجالات رئيسية جديدة.
وأضاف «الأول، بشأن النشاط النووي، بعد عام 2025 والثاني، لكي تتم السيطرة على النشاط البالستي للنظام الإيراني ومراقبته بشكل أفضل.. والثالث، من أجل الحصول على احتواء للنشاط الإيراني في المنطقة».
سوق النفط
تناولت شبكة (سي إن إن) الأمريكية في تقرير لها بعنوان «من الخاسر الحقيقي جراء انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني؟» النقاط الأبرز لتداعيات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني.
يشير التقرير إلى أن إيران تمثل رابع أكبر احتياطي من النفط الخام في العالم، عدا عن نحو خمسة احتياطيات الغاز الطبيعي، حيث زادت إيران من الإنتاج منذ توقيع الاتفاق وتخفيف العقوبات إلى حوالي 3.8 مليون برميل في اليوم، بمقدار مليون برميل نفط يوميًا بشكل إضافي على معدل عام 2015 (أي قبل التوقيع على الاتفاق).
وفي حال فرض عقوبات جديدة على صادرات النفط الإيرانية، فإنه سيؤثر على المعروض العالمي من النفط، وقد يتسبب في ارتفاع الأسعار، وقد ارتفع السعر بالفعل بنسبة 14% هذا العام إلى أعلى مستوى له في ثلاث سنوات.
ويقول (جو مكمونيجل) كبير محللي سياسات الطاقة في مركز «Hedgeye Risk Management» للأبحاث، إن «السبب الرئيسي وراء ارتفاع الأسعار هو سياسة الرئيس ترامب تجاه إيران»، وأضاف «الوضع يتعلق بكمية كبيرة من النفط معرضة للخطر، وأن أي تهديد لها ينذر بارتفاع الأسعار».