الغارديان-سعيد كمالي دهقان
نشرت الغارديان الأمريكية مقالًا للصحفي إيراني الأصل “سعيد كمالي دهقان” والمقيم في لندن يرى فيه أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الممكن قريبًا أن ينسحب من الاتفاقية النووية الإيرانية بتشجيع من نتنياهو، وهو الأمر الذي يرى دهقان أنه سيضع نهاية لآمال الإصلاح. وأنقل هنا ما قاله نصًا في مقاله:
“هذا الأسبوع، قام نتنياهو بتقديم عرضٍ أخرق مستخدمًا برنامج “powerpoint”، وظهر وراءه على شاشة بأحرف كبيرة “إيران كذبت “- في الواقع، العرض كان يحوي تقدمًا كبيرًا في المخطط البياني للقنبلة ذرية، والذي عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي مثله في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر عام 2012. لكنه خدم نفس الغرض: لإظهار أن إيران لا يمكن الوثوق بها، وأنها مستعدة لإطلاق العنان للدمار النووي في جميع أنحاء المنطقة. والوثائق التي قدمها –وقال أنها تزن نصف طن- كدليل على أن إيران قد خبأت برنامج أسلحة قبل الاتفاق النووي عام 2015. وقد غرد جون كيري، أحد صانعيها، أن الاتفاقية تمثل “كل الأسباب التي جعلت العالم يتحد لتطبيق سنوات من العقوبات والتفاوض حول الاتفاقية النووية الإيرانية- لأن التهديد كان حقيقيًا ويجب إيقافه. وهي حقًا تنفع!”
في عام 2012 كان باراك أوباما في البيت الأبيض، وفشلت مسرحية نتنياهو في تحقيق هدفها. لكن الآن، المقيم الجديد في البيت الأبيض قد شجع رئيس الوزراء في جهوده لتصوير إيران على أنها العدو رقم واحد للأمريكيين والعرب السنة والإسرائيليين. ويرى نتنياهو في دونالد ترامب، ومستشاره للأمن القومي جون بولتون، وحتى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يقدم مبادرات حاذقة لإسرائيل، يائتلافاً جديداً مستعداً للمساعدة في إيقاف إيران. في الثاني عشر من مايو القادم،سيتعين على ترامب تحديد موقفه أمام الكونغرس إما للتوقيع على تنازل رئاسي بشأن فرض العقوبات على إيران أو الانسحاب من الاتفاقية النووية. ومن المرجح أن يؤدي الانسحاب الأمريكي إلى انهيار الاتفاقية.
لهذا السبب بذلت القوى الأوروبية بقيادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بالإضافة إلى كيري، جهودًا كبيرة للرد على عرض نتنياهو. في المقابل، أشاد مايك بومبيو، وزير خارجية ترامب، به. وعلى حد تعبير ستيفن والت أستاذ الشؤون الدولية في جامعة هارفارد: “كانت إدارة بوش أفضل في اختراع قضية مزيفة للحرب على العراق من فريق ترامب وهو يستحضر واحدة للحرب على إيران. لكن هذا لا يعني أنهم لن ينجحوا في النهاية”.
ويجد آخرون صعوبة في أخذ نتنياهو على محمل الجد: فقد كان يحذر من أن إيران تقترب من الحصول على أسلحة نووية منذ أكثر من 20 عاماً. ففي عام 1992، قال أن إيران ستمتلك قنبلة نووية في غضون ثلاث إلى خمس سنوات. وفي عام 1993، توقع أن يحدث ذلك بحلول عام 1999. وأدلى بتصريحات مماثلة في 1996 و 2002، ومرات عديدة منذ ذلك الحين، كما أشارت صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
ويصاب الناس العاديون الذين أتحدث إليهم بالصدمة عندما يدركون أن إيران ليس لديها قنبلة واحدة، وأنها طرف في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية منذ عام 1970. وفي المقابل، لم توقع إسرائيل عليها (بمعنى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليس لديها سلطة تفتيش هناك)، ويقدر أن لديها أكثر من 200 رأس نووي. ولنكن واضحين: لم تثبت ملفات نتنياهو أن إيران انتهكت الاتفاقية. وقد تحققت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عشر مرات، آخرها في شهر فبراير، من أن طهران قد امتثلت بالكامل لشروطها.
ويمكن القول، إذا كان لدى أي أحد الحق في تقديم شكوى، فستكون إيران. فقد فصلت ثلثي أجهزة الطرد المركزي الخاصة بها، وشحنت 98٪ من اليورانيوم المخصب للخارج، ولكنها لم تر الفوائد الاقتصادية التي وعدت بها. وبعد ثلاث سنوات تقريبًا، لا يوجد بنك أوروبي واحد مستعدًا للتعامل مع إيران. وأظهرت أزمة العملة في البلاد في الشهر الماضي مدى ضعفها الاقتصادي. بجانب أن حظر السفر الذي فرضه ترامب على الإيرانيين قد عرقل نمو السياحة.
ولعل الأهم من ذلك، هو أن انهيار الاتفاقية سوف يُرى كخيانة هائلة من قِبل الشعب الإيراني. في عام 2013 أنهى الإيرانيون فترة حكم الرئيس نجاد الأحمدي والموصوم بينهم بفوزه بالتزوير في إعادة الانتخابات. ثم وضعوا ثقتهم في حسن روحاني ذو العقلية الإصلاحية، الذي أوفى بوعده لهم في حل النزاع النووي مع الغرب. إن الشباب الإيراني المولع بالتكنولوجيا هم أكثر تقدمية من الأجيال السابقة. في العام الماضي، أعاد 24 مليون إيراني انتخاب روحاني بأغلبية ساحقة في إقرار بعمله على الاتفاقية. ومع ذلك، وحينما بُدِأ في تنفيذ الاتفاقية، ومع امتثال إيران بالكامل لشروطها، يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة قد بدأت تتخلص منها.
بالطبع، حقيقة أن إيران تفي بالتزاماتها النووية، لا يعني أنها كانت لاعبًا جيدًا في مكان آخر. لكن لم يكن من المفترض أن تتعامل الاتفاقية مع سلوك إيران الإقليمي أو برنامجها الصاروخي، ولا ينبغي إلغائها على هذا الأساس. في سوريا، يمكن القول إن إيران ترتكب أكبر خطأ في سياستها الخارجية منذ الثورة. لقد حددت سياستها الخارجية منذ فترة طويلة على أنها تدافع عن المظلومين، ولكنها للمرة الأولى تدعم بوضوح الظالم.
حتى مع سوريا، فإن الوضع ليس واضحًا بالكامل. وقد قال فالي نصر، عميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز في واشنطن، في مقال في العدد الأخير من مجلة الشؤون الخارجية، بأن دور طهران في سوريا يمكن أن يُفهم على أنه شكل من أشكال “الدفاع الأمامي”، أو طريقة للصمود بعد انهيار النظام القديم في العالم العربي في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق والاضطرابات المدنية على واسعة النطاق. ويقول أن جهود واشنطن لتقليص النفوذ الإيراني فشلت في استعادة النظام القديم، وربما جعلت إيران دون قصد أكثر جرأة: كلما زاد تهديد العالم العربي، كلما كانت إيران أكثر تصميمًا على التورط هناك”.
وفرص حدوث صراع عسكري مع إيران ليست كبيرة في الوقت الحالي، طالما أن روسيا تدعم طهران. لكن انهيار الاتفاقية سيكون له عواقب وخيمة. فالمعتدلون والإصلاحيون سيتدمرون في إيران في المستقبل القريب. وبشكل خاص، فإن هذا مهم، لأن هناك تكهنات حول صحة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي البالغ من العمر 78 عامًا، وقد تحين ساعته قريبًا، عندها سيأخذ مكانه آخر –وسيحدث أكبر تغيير سياسي منذ عقود. ويتعرض روحاني بالفعل لضغوط شديدة من خصومه. وسيشجع فشل الاتفاقية المتشددين، المسؤولين عن انتهاكات حقوق إنسان مخزية، مثل استمرار احتجاز مواطنين مزدوجي الجنسية مثل نازانين زاغاري راتكليف.
وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي في منصبه، قوضه جورج دبليو بوش، وحطم آمال الإيرانيين في إقامة علاقات ودية من خلال وصم دولتهم بأنها جزء من “محور الشر”. وقد يكون ترامب على وشك ارتكاب نفس الخطأ مع روحاني”.