كتب: شرينيك راو
نشرت صحيفة هآرتس مقالًا للكاتب الهندي “شرينيك راو” يناقش فيه مصير العلاقات الجيدة بين بلاده والجانب الأمريكي والإسرائيلي مع احتمالية انسحاب ترامب من الاتفاقية النووية التي أشاد بها رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” الذي يسعى لتوطيد العلاقات بينه وبين طهران، وجاء في نص المقال:
“أيد رئيس الوزراء الهندي علنًا الاتفاقية الإيرانية في طهران، عندما قام بزيارتها العام الذي تلى اكتمال الاتفاقية، وأشاد بها كانتصار للدبلوماسية والحكمة.
لكن هل ستصمد الهند في وجه عدائية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟ هل علاقة مودي الحميمة مع ترامب ونتنياهو ستصمد في نفس الوقت الذي يبقي مودي فيه على مسافة جيدة من الرئيس الإيراني الذي زار دلهي في فبراير السابق؟
فالهند تؤيد موقف إيران في الاتفاقية الإيرانية، ولم يراوغ مودي بهذا الشأن، فالبيان المشترك الهندي الإيراني بمناسبة زيارة روحاني في 2018 كان واضحًا:
“الجانب الهندي يعيد تأكيد تأييده لتنفيذ خطة العمل المشتركة الشاملة بالكامل والتي تشكل إسهامًا كبيرًا في إطار الحد من انتشار الأسلحة النووية والسلام والاستقرار الدولي”.
وهذا يضع الهند جنبًا إلى جنب مع قادة ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة الذين يبذلون جهودًا كبيرة لإنقاذ الاتفاقية النووية الإيرانية.
وتتبع الهند نهجًا متوازنًا لتحقيق أهداف براغماتية نفعية واستراتيجية. ففي حديثه الشهر الماضي في لندن، قال مودي: “سأذهب إلى إسرائيل، وسأذهب إلى فلسطين حتى، سأزيد التعاون مع المملكة العربية السعودية، وبالنسبة لاحتياجات الهند من الطاقة سأتعاون مع إيران”.
وتعتبر الهند هي ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، فتستورد النفط من العراق والمملكة العربية السعودية وإيران لتلبية احتياجاتها من الطاقة. وفي عام 2017، كانت إيران ثالث أكبر مورد للنفط إلى الهند، والمملكة العربية السعودية كانت الثاني.
واستفادت الهند وإيران من رفع العقوبات الذي تلى الاتفاقية النووية، وعقدا معًا اتفاقية “الريال-الروبية” الذي يسمح للشركات الهندية بالاستثمار مباشرة في إيران دون الحاجة للدولار. وتدرس الهند أيضًا منح تراخيص للبنوك الإيرانية في الهند.
لكن النقاد يرون أن هناك ما هو أكثر بكثير خلف لعبة احتياجات النفط والطاقة هذه. فعلاقة الهند بإيران يدعمها ما هو أكثر من احتياجاتها من الطاقة: الدافع الحقيقي هو طموحات الهند العظيمة في السلطة وأجندتها الكبيرة للتأثير على آسيا الوسطى وما وراءها.
ومثال على ذلك التزام الهند باستثمار 500 مليون دولار في بناء ميناء تشابهار الإيراني، الذي سيربط الهند بأفغانستان، حيث أن الطريق البري قد اعترضته باكستان، والذي يمكن من خلاله الوصول إلى آسيا الوسطى وأوراسيا. وبالنسبة لإيران، فهو يمثل خطًا ائتمانيًا جديدًا للتجارة والتعاون، وبالنسبة للهند، فإنها محاولة لموازنة نفوذ الصين في المنطقة. والصين من جانبها تقوم باستثمارات مكثفة في جوادر، وهي ميناء باكستاني.
ولدى الهند وإيران أيضًا علاقات تعاون دفاعية راسخة، وهي قضية شائكة تثير قلقًا كبيرًا لدى إسرائيل والولايات المتحدة.
وباستثناء صوت الهند في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عامي 2009 و 2016 لحجب الثقة عن إيران، فقد حافظت الدولتان على اتصالات ثنائية قوية، خاصة في أعالي البحار.
وفي عام 2015، قامت الفرقاطة –نوع من السفن الحربية- INS Beas التابعة للبحرية الهندية بزيارة ودية لإيران وتولت تدريبات احترافية مشتركة هناك. وفي فبراير من هذا العام، أصدرت الهند وإيران بيانًا مشتركًا يعلنان عن رغبتهما في التعاون بشكل مكثف في مجال الدفاع البحري.
ويرتكز تعاون الهند مع إيران على قلق مشترك بين الدولتين؛ وهو انتشار التشدد الإسلامي السني بواسطة باكستان. وتتودد الهند أيضًا إلى المملكة العربية السعودية والعراق، وغيرها من البلدان الإسلامية كالإمارات والأردن، لتسبق باكستان في استقطاب الدعم الدولي في مطالبتها بكشمير الخاضعة لحكم الهند.
لكن العلاقة لا تجري بسلاسة طوال الوقت، ومثال لا يمكن تجاهله على ذلك: العلاقة الودية بين مودي ونتنياهو الإسرائيلي. فردًا على زيارة مودي لإسرائيل، دعا المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي الخميني المسلمين في كشمير للتعبير عن ازدرائهم وتبرئهم من الظالمين والطغاة. ومع ذلك،نُسي الأمر بسرعة، وعندما زار روحاني الهندفي 2018، نزل في حيدر أباد، وهي مدينة في جنوب الهند تفتخر بشوارع سُميت باسم آية الله الخميني. وألقى روحاني خطبة في مسجد مكة دعا فيها إلى الوحدة بين المسلمين في جميع أنحاء العالم.
وفي دلهي، اتسمت زيارة روحاني بالتجهم بشكل ملحوظ، على عكس الود الذي يظهر مع نتنياهو. وربما كان السبب في ذلك أن الهند لا تريد أن تتلقى اللوم من الولايات المتحدة وإسرائيل، أو أنها تتجنب قائد بلد ما زالت تنظم مسيرات حاشدة ترفع شعارات “الموت لإسرائيل، والموت لأمريكا”، أو ربما حتى كانت رسالة إلى جمهور مودي الهندوسي في وطنه.
بالنسبة لإسرائيل، فما زال جرحها بسبب الإرهاب الإيراني ضد إسرائيل على الأراضي الهندية مفتوحًا. ففي عام 2012، قام عملاء إيرانيون بهاجمة دبلوماسيين إسرائيليين في نيودلهي؛ مما تسبب في إصابة زوجة ملحق وزارة الدفاع في الهند. ورغم حث إسرائيل المستمر على أن تقدم الهند المشتبه بهم للمحاكمة، فقد فضلت الحكومة الهندية التعتيم على القضية. وكان هذا الرد الهندي المتخاذل خيارًا واضحًا لعدم رغبتها في تعكير صفو العلاقة مع إيران.
وداعيًا إلى نزع السلاح النووي الكامل، وصف جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند بعد الاستقلال، خطر العصر النووي، فقال:
“من المؤكد أن هذا هو الطريق إلى الجنون، والأقوياء الذين يسيطرون على مصائرنا هم مجانين خطرين وأنانيين، ويملأهم غرورهم وفخرهم بالسلطة حتى أنهم مستعدون لنشر الموت والدمار في جميع أنحاء العالم بدلاً من تخليهم عن آراء بسيطة والتفكير والتصرف الصحيح”.
ولعقود كانت “مثالية نهرو” هذه هي المرشد في سياسة الهند الخارجية. ولكن الآن، يجلب مودي “براغماتيته الغوجاراتية” –نسبة إلى ولاية كجرات الهندية مسقط رأس مودي- إلى دبلوماسية نيودلهي: النفط من إيران والسعودية، طائرات بدون طيار وصواريخ من إسرائيل. طائرات مقاتلة من فرنسا وروسيا، علاقات وثيقة مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، والتجارة مع أي شخص والجميع في جميع أنحاء العالم.
في دبلوماسية مودي، تقوم المفاوضات على الأخذ والعطاء، وفقًا لقاعدة بسيطة: عدو عدوي هو صديقي، ويكملها بقاعدة أخرى: عدو صديقي هو أيضا صديقي -طالما أنهم جميعًا يخدمون غرضه.
وسيتعين على مودي الانتظار ومعرفة ما إذا كان بإمكانه الحفاظ على تلك البراغماتية بعد إعادة تشكيل العلاقات الدولية المحتملة بعد الموعد النهائي الخاص بالإتفاقية الإيرانية في الثاني عشر من مايو. وإذا كان بإمكان تعددية علاقاته الزئبقية أن تنجو وسط نظام دولي سيصبح أكثر شراسة في استقطابه”.