CNN
في وزارة الدفاع الإسرائيلية، عالية الحراسة، الواقعة في منتصف تل أبيب، وقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على مسرح أمام شاشة تقزمه، ليبدأ عرضه الدرامي.
يظهر على الشاشة خلفه صورة لعلم إيراني بجانبها رمز نووي وعنوان: “الأرشيف النووي: الملفات النووية الإيرانية السرية”.
بعد لحظات، تظهر عدة مقاطع فيديو لبعض أبرز القادة الإيرانيين، ثم يظهر كلمتين على الشاشة: “إيران كذبت”.
وبدأ بقوله: “الليلة سنكشف عن دليل جديد وقاطع على برنامج الأسلحة النووية السري، والذي تخبئه إيران منذ سنوات عن المجتمع الدولي، في أرشيفها النووي السري”.
واتجه رئيس الوزراء إلى خزانتين على المسرح، وسحب من عليهما أغطية سوداء كانت تخفي محتوياتهما. وكان هذا مخبأ نتنياهو، هذا ما أراد أن يراه العالم.
حائط من الأقراص المضغوطة تحوي 55 ألف ملف يزعم أنهم من داخل الأرشيف النووي الإيراني. خزانة من ملفات مصنفة بالألوان تحتوي على 55 ألف صفحة أخرى زعم أنها من نفس الأرشيف. كل هذا وُضِع أمام العالم ليتحققوا منه.
ولكن هل هذا يعد دليلًا جديدًا أن إيران انتهكت الاتفاقية النووية والتي تُعرف بخطة العمل المشتركة الشاملة؟ لا، ليس بهذه السرعة.
يقول خبراء حظر الانتشار النووي الذين تحدثوا مع CNN أن نتنياهو لم يقدم دليلًا على أن إيران تخالف شروط الاتفاقية. ويقولون أيضًا أن ما من جديد في خطاب نتنياهو. والموقعون الآخرون على الاتفاقية النووية، مع استثناء أمريكا، يتفقون مع هذا الرأي.
وقال مارك فيتزباتريك المدير التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: “ليس هناك شيء جديد في المعطيات التي كشف عنها نتنياهو أمس. وكلها معلومات كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمتلكها وعلقت عليها بالفعل”.
وأكد خبير آخر: “كل شيء قاله نتنياهو، بدءًا من الاسم [الخطة النووية الإيرانية] إلى التفاصيل الدقيقة عنها، قد ذُكر في التقرير النهائي للوكالة الدولية للطاقة الذرية حول برنامج الأسلحة النووية الإيراني، لذا لم يكن هناك من جديد فيما يخص ذلك البرنامج”.
واتفق الخبيران على أن أكثر ما يثير الدهشة في عرض نتنياهو، هو أن إسرائيل تمكنت من الحصول على ما بدا أنه جزء كبير من أرشيف إيران النووي، فيما وصفه نتنياهو بأنه “واحد من أعظم إنجازات الاستخبارات في دولته”.
وأيد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو صحة ما تم عرضه، وقال في بيان له: “تظهر الوثائق أن إيران لديها برنامج سري للأسلحة النووية منذ سنوات. وتسعى إلى تطوير أسلحة نووية وأنظمة لإطلاق الصواريخ. وقد أخفت أرشيفًا ذريًا ضخمًا بعيدًا عن أعين العالم والوكالة الدولية للطاقة الذرية . . . حتى اليوم”.
ولكن هذا لا يعني أن المواد التي عرضها نتنياهو قد كشفت عن كنز من المعلومات الجديدة، فقد قال الخبراء أن مخبأ الوثائق الضخم هذا سيحتاج إلى وقت لتحليل محتوياته بشكل صحيح.
أما ما أبرزه نتنياهو في عرضه، فقال أحد الخبراء عنه: “كل هذه الوثائق لها طابع تاريخي، يعود إلى ما قبل عام 2003”.
وقد وافقته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الوكالة التابعة للأمم المتحدة، والمكلفة بمراقبة ورصد برنامج إيران النووي. وقال المتحدث باسم الوكالة فريدريك داهل: “قبل نهاية عام 2003 كان هناك هيكل تنظيمي في إيران ذو صلة بتنسيق الأنشطة الخاصة بتطوير جهاز متفجر نووي. على الرغم من أن بعض الأنشطة تمت بعد عام 2003، إلا أنها لم تكن جزءًا من هذا التنسيق”.
وقال: “لا توجد أدلة موثوقة على وجود أنشطة في إيران ذات صلة بتطوير جهاز متفجر نووي منذ عام 2009”. وخلص إلى أن أنشطة إيران “لم تتقدم إلى ما هو أبعد من دراسة الجدوى والدراسات العلمية، واكتساب بعض الكفاءات والقدرات التقنية ذات الصلة”.
كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على علم بمعظم -إن لم يكن بكل- الوثائق التي عرضها نتنياهو. وقد أُدرج بعضها في سلسلة من تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الممهدة إلى الاتفاقية النووية الإيرانية.
وقالت الممثلة العليا للشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني: “لم أر فيما عرضه رئيس الوزراء نتنياهو أي انتهاك من جانب إيران للاتفاقية”.
وأيدت روسيا الاتفاقية، رافضة أي ضغط لتحديث أو تغيير خطة العمل المشتركة الشاملة. وقالت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة أن عرض نتنياهو كان بالضبط محاولة لإبقاء الاتفاقية على حالها، لأنها تنص على التفتيش ومراقبة البرنامج النووي الإيراني، وإذا لزم الأمر، فرض عقوبات.
ولكن ماذا عن واحدة من الاتهامات الأساسية في عرض نتنياهو، أن إيران كذبت؟ لقد كانت غاية حديثه التي ذكرها مرارًا وتكرارًا. وهذا لم يكن مفاجأة لأي شخص، فالجميع يعلم أنهم كذبوا، ولا يوجد شيء جديد في ذلك.
وصرح خبير:”الإيرانيون لديهم برنامج للأسلحة النووية، جميعنا عرف ذلك”.
وكما أشار الخبراء، فإن نتنياهو لم يثبت إدعاءه بأن إيران انتهكت شروط الاتفاقية النووية، كما أنه لم يقدم أدلة، على الرغم من أن نتنياهو يقول أن إيران لم تتحدث عن أنشطتها النووية السابقة. وعلى الرغم من موافقة قادة العالم على أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بحاجة إلى تحليل جميع الوثائق والملفات التي تم كشفها، لم يكن هناك ما يشير إلى أن ما تم الكشف عنه حتى الآن يتطلب تجديد العقوبات ضد طهران.
وأشار نتنياهو أن امتلاك إيران للمعرفة من وقت عملها على تطوير الأسلحة النووية قبل ما يقرب من عقدين من الزمن وحتى الآن، دليل كافي على أنهم سيعودون في يوم من الأيام إلى عملهم. وحول هذه النقطة، أشار نتنياهو إلى دعوات إيران المتكررة لتدمير الولايات المتحدة وإسرائيل، فضلًا عن برنامج إيران للصواريخ البالستية، الذي لم يتم إدراجه كجزء من الاتفاقية.
وقال خبير: لقد كان واضحًا لسنوات عديدة أن إيران لديها استراتيجية احترازية نووية، وأنها طالما أرادت خيارًا لإنتاج سلاح نووي. وربما قامت إيران بتأجيل اليوم الذي يمكنها فيه متابعة هذا الخيار عندما وقعت على الاتفاقية النووية في عام 2015، لكنها لم تتخلَ عن هذا الخيار أبدًا، وهذا هو السبب في أن إسرائيل لم تحب هذه الاتفاقية نهائيًا.