NY Times
تبنت حكومة ترامب يوم الثلاثاء مزاعم إسرائيل بأن إيران دخلت الاتفاقية النووية بأسس زائفة، وهو اختلاف صارخ عن موقف حلفائها الأوروبيين، الذي قالوا أن ما كشفته إسرائيل لا يفتح أبوابًا جديدة، وأنه يقوي حجة الاتفاقية النووية لا يضعفها.
ويشير تأييد إدارة ترامب مزاعم نتنياهو التي قدمهها يوم الإثنين، إلى أنه قد نسقها مع البيت الأبيض من أجل تمهيد الطريق لقرار الرئيس ترامب بخصوص الاتفاقية النووية التي تفاوض عليها أوباما.
وقد هدد ترامب بإلغاء الاتفاقية في 12 مايو، إذا لم توافق بريطانيا وفرنسا وألمانيا على كل التغييرات التي طالب بها. واستشهد البيت الأبيض بما قدمه نتنياهو –وهي دلائل تستند إلى وثائق أُخذت من مستودع إيراني في مداهمة ليلية في يناير- كدليل إضافي على عيوب الاتفاقية.
وقالت المتحدثة الإعلامية للبيت الأبيض، سارة هاكابي ساندرز، في تقريرها الموجز اليومي: “قامت الاتفاقية على حجج باطلة تمامًا. فإيران قد كذبت منذ البداية. كانوا أطرافًا غير شريفة. لذلك فقد تم التوصل إلى الاتفاقية بناءً على معطيات غير دقيقة، ولدينا مشكلة كبيرة في ذلك”.
وقالت ساندرز أن البيت الأبيض قد ناقش الإعلان عن المعلومات الجديدة مع الإسرائيليين مقدمًا. وقال مسؤول إسرائيلي كبير أن يوسي كوهين رئيس وكالة المخابرات الإسرائيلية (الموساد) قد أبلغ ترامب عن العملية في يناير الماضي خلال زيارته في واشنطن. وأطلع نتنياهو وزير الخارجية مايك بومبيو على التفاصيل في تل أبيب يوم الأحد.
وبينما كانت وكالات الاستخبارات الأمريكية والخبراء الخارجيون يراجعون خمس وخمسين ألف صفحة و183 قرص مضغوط من الملفات الإيرانية، فإن ردود الفعل المتضاربة جدًا على عرض نتنياهو بين أوروبا وأمريكا، تشير إلى الطريقة التي يدار بها النقاش حول الاتفاقية في حالة انسحب منها ترامب وأعاد فرض العقوبات.
ولم يؤكد البيت الأبيض أن الملفات أظهرت أن إيران انتهكت اتفاقية عام 2015. لكن السيدة ساندرز جادلت بأن هذه الملفات سلّطت الضوء على الكذب الإيراني – وهذا الأمر أدى إلى مزيد من الضعف في موقف أوباما لإبرامه تلك الاتفاقية من الأساس.
وفي علامة على اتخاذ الإدارة موقفًا متشددًا تجاه إيران، تجاهلت ساندرز خطأً مطبعيًا خطيرًا في بيانها الأول مساء يوم الإثنين حول ما كشفته إسرائيل، حيث قال البيان: “لدى إيران برنامج أسلحة نووية سري ونشط، فشلت في أن تخفيه عن العالم وعن شعبها”.
ولاحقًا قال مسؤولو البيت الأبيض أنه كان خطًا مطبعيًا حين قيل “لدى إيران”، وأنه كان ينبغي أن يُقال: “كان لدى إيران برنامج نشط”. لكن ساندرز قالت: “نعتقد أن الخطأ الأكبر الذي ارتكب كان دخول إدارة أوباما في الاتفاقية في المقام الأول”.
وإسرائيل لم تنته بعد من حملة التأثيرات هذه. فقد قال مسؤولون هناك أنهم يعتزمون مشاركة الكثير من البيانات التي حصلوا عليها من الأرشيف السري الإيراني، مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك بيانات عن بعض المواقع النووية التي لم تكن معروفة من قبل في إيران.
ويبدو أن نية إسرائيل هي إجبار المنظمة التابعة للأمم المتحدة، على مطالبة الإيرانيين بالسماح بتفتيش تلك المواقع، رغم أنه ربما قد تم إغلاق بعضها أو تفكيكه منذ سنوات. وبما أن إيران تعتبر العديد من هذه المواقع العسكرية، فإن الإسرائيليين وبعض المسئولين الأمريكيين يتوقعون أن يرفض الإيرانيون المطلب -محرضين بذلك على أزمة أخرى بشأن الاتفاقية.
لكن لم تكن هناك أي إشارات على أن عرض نتنياهو يوم الإثنين قد أثر على الزعماء الأوروبيين الثلاثة –الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي- الذين مارسوا ضغطًا على ترامب كي لا ينسحب من الاتفاقية.
وقال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في بيان: “العرض الذي قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي حول أبحاث إيران السابقة في تكنولوجيا الأسلحة النووية، يؤكد أهمية إبقاء قيود الإتفاقية النووية مفروضة على طموحات طهران النووية، والاتفاقية النووية ليست مبنية على فرضيات الثقة وحسن النية، بل هي مبنية على آليات تحقق صارمة للوقائع”.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية أن نظام التفتيش بموجب الاتفاقية “هو أحد أكثر الأنظمة دقةً وقوةً في تاريخ منع انتشار الأسلحة النووية”. لكنه أضاف: “المعلومات الجديدة التي قدمتها إسرائيل يمكن أن تؤكد أيضًا الحاجة إلى ضمانات أطول أجلاً على البرنامج الإيراني، كما اقترح الرئيس الفرنسي”.
وعلى الرغم من أن ماكرون قد حث ترامب على البقاء في الاتفاقية، إلا أنه ترك الباب مفتوحًا أمام إمكانية إضافة ملحق أو “اتفاقية تخلف اتفاقية” للحد من أنشطة إيران النووية. ويتفاوض المسؤولون من وزارة الخارجية والحكومات الأوروبية منذ أشهر، ولكنهم فشلوا في سد الفجوات حول كيفية معالجة “بنود الغروب” الخاصة بالاتفاقية.
على مدى سنوات من الاتهامات والمفاوضات مع إيران، رفضت إدارة بوش وأوباما إصرار طهران على أن برنامجها النووي كان ذا طبيعة سلمية. وقدم كلاهما أدلة على كذب إيران، بما في ذلك بيانات المرافق الخفية. وعرضت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الدول الأعضاء أدلة على عمل إيران على تصميم أسلحة نووية تعود إلى عام 2008، بعضها هو نفس المشاريع التي عرضها نتنياهو.
وفي بيان صدر يوم الثلاثاء قالت الوكالة أنها “لم تكن لديها أدلة موثوقة عن أنشطة إيران لتطوير جهاز متفجر نووي بعد عام 2009”.
وكتب جون كيري، الذي كان وزيرًا للخارجية في حكومة أوباما أثناء التفاوض على الاتفاقية، على تويتر: “من الجدير بالذكر أن أوائل عام 2000، لم يكن العالم على دراية بعد ببرنامج إيران النووي. المزيد والمزيد من أجهزة الطرد المركزي كانت تعمل كل شهر ولم يكن العالم متحدًا كما هو الآن”.
وقال مسؤولو استخبارات سابقون وحاليون قد راقبوا برامج إيران عن كثب، أن لا شيء مما أعلنه السيد نتنياهو علنًا يدل على أن إيران لديها حالياً برنامج نشط لتصنيع سلاح نووي.
وقال نورمان تي. رولي، الذي كان حتى العام الماضي مدير بعثة الاستخبارات في إيران: “لا يوجد شيء يمكن أن يغير تقييمنا لعام 2007”. وقد توصل هذا التقييم إلى أن إيران أوقفت برنامجها النووي في أوائل عام 2004، رغم أنها استمرت في بناء منشآت أخرى -مثل مركز التخصيب تحت الأرض في فوردو- والذي عرض له نتنياهو صورًا في العرض الذي قدمه. وكشف أوباما عن وجود هذا الموقع في وقت مبكر أثناء فترة رئاسته، حيث استخدمه كأساس للعمل على فرض العقوبات.
ومع هذا، إذا رفضت إيران السماح بتفتيش المواقع التي ذُكرت من الأرشيف المسروق، فإن ذلك قد يؤدي إلى أزمة. وقد قال الإيرانيون أن المواقع العسكرية محظورة على المفتشين، لكن اتفاقية 2015 لا تعطي أي استثناء لهذه المواقع.
وإذا ما حدثت مواجهة بهذا الصدد، فهناك إجراءات مدرجة في الاتفاقية لحل النزاعات. لكن يبدو أن جوهر الاستراتيجية الإسرائيلية، بالتعاون مع الولايات المتحدة، هو إجبار الإيرانيين على ارتكاب أولى حالات الانتهاكات. وقد قال أحد المسؤولين الإسرائيليين السابقين: “إننا ندرك أن علينا أن نثبت أن الإيرانيين يحاولون الخداع الآن، وليس قبل عشر سنوات فقط”.
وقليلون في إسرائيل يتوقعون أن يفعل عرض نتنياهو الكثير ليؤثر على قرار السيد ترامب. في الواقع، قال العديد من المحللين أنهم يتوقعون أن الاكتشاف الإسرائيلي سيكون غطاءً إضافيًا أو دليلًا داعمًا يمكن أن يبرر به ترامب قراره.
وقال آموس يادلين، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية في جيش الدفاع الإسرائيلي: “علينا أن نسأل أنفسنا، من كان جمهور عرض الليلة الماضية؟ هل كان الإيرانيون، ليعرفوا أن إسرائيل قد اخترقت أسرارهم؟ هل كان الرأي العام الإيراني أم المعارضة؟ أم كان ترامب نفسه الهدف، لأن رئيس الوزراء شعر بأن الأوروبيين أقنعوه ألا ينسحب؟”
وبالرغم من رد الفعل المتشكك على ما قدمه نتنياهو في العواصم الأوروبية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أنه أكد أيضًا أن في النهاية، ربما لم يستمع للزعيم الإسرائيلي سوى واحد، وهو ترامب.
وقال دانيال شابيرو، السفير الأمريكي السابق في إسرائيل: “إنها فرصة حقيقية لنتنياهو لتحقيق أشياء لم يستطع تحقيقها في فترة أوباما. السؤال الحقيقي الآن: إلى أين سنتجه الآن؟”