لكل حكاية روايتان قد يتشابهان في مشهد النهاية لكن بعض التفاصيل الصغيرة حين نستمع لها من مؤيدي كل رواية تجعل نظرتنا تختلف بشكل كلي وجزئي لتلك الحكاية وأبطالها أو فاعلي الأحداث بها إن صح التعبير، فوفقًا لرواية أخرى قد يكون بطل الأحداث ليس إلا شخص تصادف وجوده وقت حدوثها ولم يكن المحرك الاساسي لها وهذا ما سيجول في خاطرك وأنت تشاهد رحلة علم الولايات المتحدة الأمريكية المحمول على أيدي الجيش الامريكي من فيتنام إلى العراق ضمن أحداث فيلم «Last Flag Flying» أو «أخر علم طائر» بلغتنا العربية.
الفيلم الذي أخرجه وشارك في كتابته ريتشارد لينكليتر ومثل أدواره الرئيسية ستيف كاريل و وبراين كرانستون ولورنس فيشبورن تدور أحداثه حول رحلة أحد مسعفين الجيش الأمريكي وقت الحرب على فيتنام الذي يلجأ إلى صديقيه القدامى بالجيش حين يعلم بأمر استشهاد نجله الجندي بالجيش الأمريكي خلال الحرب على العراق من أجل أن يساعداه في دفن جثمانه بالشكل والطريقة التي تناسب تكريم نجله.
وبعد التعريف بشخصيات الفيلم الرئيسية في افتتاحيته ومنذ المشهد الاول تدرك أن رواية استشهاد نجل المسعف السابق بالجيش الامريكي تحمل الكثير من التفاصيل التي لا يعلمها حتى والداه والحكاية المنقولة له من مسؤولي الجيش غير دقيقة ولها جانب أخر فيبدأ في البحث عن رفيقيه القدامى بالجيش الرجل الأول الذي لطالما علم أنه ليس له ملجأ او هدف في تلك الحياة سوى خدمة جيش بلاده في حروبه حتى يجد نفسه مجبرًا على التسريح منه بعد تعرضه لإصابة والأخر الذي لطالما فعل كل ما هو خطأ وفوضوي أثناء تواجده بالجيش وحين سرح منه تحول إلى واعظ يجوب الكنائس لحث الاخرين على الفضيلة والابتعاد عن الافعال الشهوانية والفوضوية.
وبالتزامن مع انكشاف تفاصيل استشهاد نجل المسعف شيئًا فشيئًا يقدم الفيلم رسالته الأساسية والتي تتمحور على أن كل الحروب التي أقمحت أمريكا نفسها فيها على مدار التاريخ وبالأخص التي لها علاقة بأبطال الفيلم حرب فيتنام والعراق لم يكن لها أية جدوى ولم تكن لتخدم مصالح الإنسانية بل كانت تخدم لمصالح السلطة والأطماع الاستعمارية.
ولا يلجأ صناع الفيلم إلى الرمزيات أو نقل تلك الرسالة بشكل ضمني بل بشكل صريح للغاية ودون أية عمليات لمكيجة الحديث، لدرجة أن أحد أبطال الفيلم يقولها صراحة في إحدى المشاهد نحن نرى أنفسنا أبطالًا ولكن الجميع حول العالم لا يرونا سوى أكبر محتلون استعماريون.
الفيلم الحاصل على تقييم 6.9 من 10 على موقع IMDB العالمي والذي لم ينجح في تحقيق إيرادات مرتفعة لكنه في المقابل قوبل ببعض الاستحسان من المهتمين بكل ما تنتجه هوليوود، يقدم جميع أحداثه بشكل بسيط ودون أية ارتفاع لوتيرة تلك الأحداث حتى حينما يعلم بطل الحكاية حقيقة كيف لقى نجله مصرعه في العراق الرواية التي تختلف تماما عما قُصى له من مسؤولي الجيش الأمريكي في محاولة من مخرجه لإيصال لمشاهدي الفيلم أن نهاية الحكاية بمقتل الجندي أهم بكثير من تفاصيل الروايتين، لكن هذا لا يمنع أنه حان الوقت لتوقف أمريكا عن إقحام نفسها بتلك الحروب واللجوء إلى حل سلمي في مواجهة هذه الأزمات لأنه في هذه الحالة فقط لن يكون هناك جنود أبطال مستشهودن كما يلقبهم الجيش الأمريكي أو جنود ضحايا قتلوا في مقتبل عمرهم دون أن ينعموا بحياتهم الجميلة والسعيدة التي تنتظرهم فقط لهمجية ومطامع مسؤول أرسلهم إلى ساحة الحرب كما يرونهم أصحاب الرواية الأخرى أهالي هؤلاء الجنود.