washington post
يتزايد هدير الصراع بين إسرائيل وإيران في سوريا بشكل كبير، بعدما شن الرئيس ترامب هجومًا صاروخيًا على النظام السوري، في أعقاب هجوم في التاسع من أبريل على منشأة إيرانية في قاعدة جوية سورية، مشتبه في كونه إسرائيلي، والذي أثار استنكار أنصار النظام في موسكو و طهران.
ورغم أن إسرائيل لم تعترف بالمسؤولية عن الهجوم، إلا أنها يشابه نمطها مألوفًا. فمنذ عام 2012، يُعتقد أن الإسرائيليين شنوا أكثر من 100 غارة على مواقع يشتبه أنها تابعة للإيرانيين في سوريا. يقول المسؤولون الإسرائيليون بشكل سري أن هذه الإجراءات ضرورية لمنع التهديد الإيراني على حدودهم، وإعاقة تدفق الأسلحة إلى حزب الله اللبناني الموالي لإيران.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان لإذاعة إسرائيل في نهاية الأسبوع: “بغض النظر عن الثمن الذي سندفعه، فنحن لن نسمح لهم بوضع حبل المشنقة حول رقابنا”. لكنه توخى الحذر في حديثه بشأن أي عمل عسكري صريح. فعندما سئل عما إذا كانت الحرب وشيكة أم لا أجاب: “لا أتمنى ذلك. أعتقد أن دورنا الأساسي هو منع الحرب، وهذا يتطلب ردعًا ملموسًا وحقيقيًا بالإضافة إلى الاستعداد للتنفيذ”.
ودعى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أيضًا بالهدوء في مقابلة أجراها يوم الأحد مع شبكة سي بي إس نيوز، رغم أنه اتهم الإسرائيليين بتصعيد التوتر عن طريق خرق المجال الجوي السوري.
وقال: “لا أعتقد أننا نتجه نحو حرب إقليمية. لكنني أعتقد أن إسرائيل واصلت، لسوء الحظ، انتهاكاتها للقانون الدولي، على أمل أن تتمكن من الإفلات من العقاب، بسبب الدعم الأمريكي لها ومحاولة العثور على أي ستار لتحتجب وراءه”.
ومع ذلك، حذر ظريف من أن إسرائيل تلعب لعبة خطرة. وقال: “يجب أن يتوقعوا أنهم إذا استمروا في انتهاك سلامة أراضي الدول الأخرى، ستكون هناك عواقب. إن أسهل حل هو التوقف -التوقف عن هذه الأعمال العدوانية، وهذه الغارات”.
لكن الإسرائيليين أوضحوا أن الوجود الإيراني القوى في سوريا يمثل خطًا أحمرًا جديدًا. مشيرين إلى التهديد الجديد للطائرات الإيرانية بدون طيار، التي يحتمل أن تكون محملة بالمتفجرات، ويمكنها أن تدخل المجال الجوي الإسرائيلي، فضلًا عن التهديد القديم بالصواريخ التي تنطلق من جنوب لبنان. وكان هجوم التاسع من أبريل، وفقًا لأحد الروايات، هو أول هجوم مباشر لإسرائيل على معدات وموظفين إيرانيين، والذي أسفر عن مقتل أحد كبار قادة الطائرات بدون طيار الإيرانية.
في الأسبوع الماضي، سرب الجيش الإسرائيلي تفاصيل وصور من الأقمار الصناعية لأماكن تواجد “سلاح الجو” الإيراني في سوريا، بما في ذلك الطائرات المدنية التي زعموا أنها تنقل شحنات الأسلحة، ومن المفترض أن يرسل هذا التسرب رسالة إلى الحرس الثوري الإيراني، المنظمة العسكرية القوية التي تهيمن على قرارات السياسة الخارجية الإيرانية، بأن إسرائيل لديها أهداف جديدة واضحة لهم، إذا ما هاجمتها إيران أو وكلاءها.
أما من وجهة النظر الإيرانية، فإن وجودهم في سوريا هو دفاع شرعي عن حليفهم المحاصر، الرئيس السوري بشار الأسد. وكذلك، فإنهم يرون قدرتهم على تهديد إسرائيل من موقعهم في سوريا، ردعًا محتملًا ضد عدو إقليمي قديم.
وكتب بن هوبارد وديفيد هالبفينجر من صحيفة نيويورك تايمز: “كثيراً ما يهدد القادة الإسرائيليون بقصف إيران، لذا فإن وجود وكلاء عسكريين أقوياء بالقرب من حدود إسرائيل يمنح إيران بعض الحماية. وإذا هاجمت إسرائيل إيران، فإنها تدرك أن عليها توقع رد مؤلم من حزب الله في لبنان، وربما من ميليشيات أخرى تعمل الآن في سوريا”.
تأتي التوترات المتفاقمة في وقت يزداد فيه الاستياء داخل الجمهورية الإسلامية. لقد أدّى الاقتصاد المتعثر إلى رفع الغطاء عن الإحباط الشعبي من النظام، بل ودفع الرئيس حسن روحاني، إلى الشكوى من المجهود الحربي المكلّف في سوريا. لكن احتمال مواجهة أوسع مع إسرائيل -والدراما المرتقبة المحتملة بشأن اتفاقية إيران النووية مع القوى العالمية – قد تقنع المتشددين في النظام بأن هذا هو الوقت المناسب لترتيب الأمور لحماية أنفسهم.
كتب أنشل فيفر من صحيفة “التايمز” بلندن: “لقد خرجت الحرب الخفية بينهما للنور بعد قرار القيادة الإيرانية بالمضي قدمًا في خطط الحرس الثوري الإيراني لإنشاء قواعد دائمة في سوريا، ولم يكن هذا قراراً بالإجماع، ففي طهران، يؤيد فصيل بقيادة رئيس البلاد، حسن روحاني، الاستثمار في الاقتصاد الإيراني المحلي بالمبالغ الضخمة التي ستتكلفها هذه القواعد. لكن الحرس الثوري الإيراني الذي يحظى بثقة المرشد الأعلى للبلاد، علي خامنئي، حريص على الاستفادة من الاستثمار الذي قام به في دعم نظام الأسد خلال السنوات السبع الماضية”.
وقال عاموس يادلين، قائد المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق: “الطريق إلى الأمام وعر، فإيران مصممة على ترسيخ قدميها في سوريا، وإسرائيل مصممة على منعها”.
واقترح أن روسيا، التي تساعد قواتها في دعم دفاعات النظام الجوية، والتي يعتبر دبلوماسييها محاورين رئيسيين لكل من الإيرانيين والإسرائيليين، سوف تلعب دورًا حاسمًا. وقال يادلين: “الصراع أمر لا مفر منه، ما لم يتدخل بوتين لمنعه. لكن الأحداث الأخيرة تشير إلى أن الروس لديهم تأثير محدود على إيران وأنهم أكثر اهتمامًا بتعزيز النظام السوري”.
في الوقت نفسه، يبدو أن بعض شخصيات السياسة الخارجية في واشنطن حريصين على السماح لإسرائيل بمواصلة حملتها السرية ضد الإيرانيين. إنهم يرون أن الضربات الإسرائيلية ضرورية في هذا الوقت، حيث يريد الرئيس ترامب الانسحاب من الصراع السوري، والاستعانة بخصوم إيران من العرب السُنة، للحفاظ على استقرار البلاد”.
لكن خبراء آخرين يؤكدون أن هذا لا يرقى إلى مستوى استراتيجية حقيقية. وكتبت سوزان مالوني من معهد بروكينغز: “هناك طريق لاحتواء ايران وردعها في سوريا … لكن ذلك يتطلب أكثر من تحفز إسرائيل الشديد، والتشجيع من جانب الأنظمة الاستبدادية العربية”.
وفي فبراير، أصدرت “مجموعة الأزمات الدولية” تقريراً يحذر من أن أجواء التوتر الحالية جعلت الحسابات الخاطئة محتملة في سوريا. ومنذ ذلك الحين، ومخاطر التصعيد تزداد حدة فقط.