Haaretz
في حركة بائسة الأسبوع الماضي، قامت إيران بمنع بيع الدولار واليورو. وقبلها قامت الحكومة بتوحيد ثمن صرف الدولار بـ 42 ألف ريال إيراني –أي أقل بـ 20 ألف ريال من السوق السوداء. ويُذكر أن العملة فقدت 35% من قيمتها منذ تولى روحاني الحكم، وهو ليس بالأمر الجيد للرئيس الإيراني.
ولم يعد من الواضح من هم أشد منتقديه الآن: المحافظون الذين يطمحون في سقوطه، أم أنصاره الإصلاحيين، الذين أصيبوا بخيبة أمل وإحباط بعد خمس سنوات في منصبه، أم العامة، التي لم يتحقق لها أي من وعوده بمستوى معيشة أعلى؛ أو ملايين العاطلين الذين يعتمدون على هيئة الشؤون الاجتماعية.
المظاهرات التي بدأت في ديسمبر الماضي في كل مدن إيران لا يزال صداها يتردد. وما زال عشرات المتظاهرين الذين قُبض عليهم في ذلك الوقت ينتظرون المحاكمة، وقد صدرت أحكام قاسية بحق آخرين.
وفي الشهر نفسه، أضرب العمال في مصنع “هفت تيبه” للسكر في مقاطعة خوزستان -حيث يعمل حوالي قرابة الخمس آلاف شخص-بسبب عدم تلقيهم أجورًا منذ شهور. حتى أن بعضهم انتحر لأنهم لم يستطيعوا سداد ديونهم.
لم تكن هذه حالة منفردة، فقد وقعت إضرابات أخرى في عشرات المصانع، خاصة تلك التي تم خصخصتها وبيعها لرجال الأعمال. حيث أن نتائج الخصخصة لم تكن مشجعة.
وفي نهاية العام الماضي، توقع البنك الدولي أن ينمو اقتصاد إيران بنسبة 4% في 2018 و 2019. ورغم أن النمو الصناعي بلغ 18% خلال النصف الثاني من عام 2017 ، إلا أنه لم يتجاوز 4% حتى الآن هذا العام، فالإنتاج قد انهار، والإصلاحات الاقتصادية التي وعد روحاني بتضمنيها في الميزانية العامة لهذا العام، قد اختفت بالكامل تقريبًا، بجانب الاحتجاجات على الزيادة المخططة في الأسعار وتخفيضات الدعم.
وفي مارس، بدأ المزارعون يتظاهرون في مقاطعة أصفهان بسبب نقص المياه الناجم عن سوء إدارة اقتصاد المياه. حتى السماء تبدو وكأنها تحارب روحاني: فقد كان الجفاف هذا العام هو الأسوأ منذ نصف قرن، مما أدى إلى انخفاض تدفق المياه في السدود الإيرانية، التي يتوقع أن تُخفض إنتاج الكهرباء بأكثر من 40%.
إن مشاكل النظام لا تقتصر على روحاني فقط، فالمتظاهرون قد لعنوا المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، وتمنوا له الموت، وتساءلوا أيضاً لماذا تواصل إيران تمويل الحروب في سوريا واليمن، وقد وصلت هذه الشكاوى إلى مكاتب محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري الإيراني، وقاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس.
وفي المنافذ الإعلامية التي تدعم النظام، يمكن للمرء قراءة ردود الموالين، فقد رحبوا بفكرة وضع رجل عسكري كرئيس بدلاً من رئيس مدني. ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت نيتهم هي ترشيح عسكريٍ في الانتخابات الرئاسية المقبلة – التي من المقرر إجراؤها في 2021 – أو محاولة طرد روحاني خلال فترة ولايته الحالية.
ودومًا ما سمحت التقاليد السياسية الإيرانية للرؤساء بالحكم للفترتين المسموح بهما بموجب الدستور. ولكن إذا خرجت الاحتجاجات المدنية عن السيطرة، فستكون أولوية تغيير هذا التقليد حلاً ممكناً لتهدئتها.
تحت حماية روسيا:
تنتظر إيران بقلق يوم 12 مايو -وهو التاريخ الذي سيقرر فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما إذا كانت بلاده ستنسحب من الاتفاق النووي مع طهران أم لا. وبالنسبة لإيران، فهذا القرار حاسم. فقد كان لفترة الانتظار أثر ملموس بالفعل، فالاستثمار الأجنبي قد قل بشكل كبير؛ وتم تجميد المشروعات المتفق عليها مع عدة بلدان مختلفة، بجانب الضغط الشديد لتقليل الإنفاق الحكومي.
وقال روحاني رسميًا أن إيران ستواصل الالتزام بالاتفاقية حتى لو انسحبت الولايات المتحدة. وقد أجرى محادثات مع زعماء أوروبيين، فضلاً عن قادة تركيا وروسيا والصين – وأفادت تقارير بأن معظمهم قد اتفقوا على الدفاع عن الاتفاقية.
وحاولت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا دون جدوى إقناع الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات إضافية على إيران – حتى لو كانت رمزية فقط- من أجل إقناع ترامب بالالتزام بالاتفاقية. لكن المحادثات التي عقدت في بروكسل الأسبوع الماضي انتهت بالفشل. وإذا لم يتمكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من التوصل إلى اتفاق بحلول 12 مايو، فإن انسحاب أميركا من الاتفاقية من شأنه أن يضر ليس فقط بإيران بل أيضًا بشركائها التجاريين.
الشهر الماضي قال باتريك بويان، الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال، أن شركته ملتزمة باتفاقها لتطوير حقل جنوب فارس النفطي، وأنه سيسعى للحصول على إعفاء من العقوبات الجديدة إذا تم اتخاذ قرار بفرض عقوبات أخرى. وستواصل روسيا والصين استثماراتهما هناك، وكذلك العديد من الدول الأوروبية. ولكن بدون النظام المصرفي الأمريكي (الذي يقاطع إيران)، فإن الشركات الأوروبية ستواجه مشكلة في الاستثمار في البلاد.
ويبدو أن اندلاع أي أعمال عدائية بين إيران وإسرائيل سيتعين عليه الانتظار حتى منتصف مايو على الأقل. ومن المفارقات أن المعركة بين واشنطن والعواصم الأوروبية قد ساهمت بشكل كبير في ضبط إيران لنفسها ضد الضربات الجوية المنسوبة إلى إسرائيل على سوريا. فإيران تدرك أنها لا تستطيع أن تبدأ حرب جديدة في الشرق الأوسط، لأن ذلك سيكون أداة بين يدي ترامب وإسرائيل لإيقاف أوروبا.
وقد أدى تزامن الأزمة الاقتصادية مع أزمة الاتفاقية النووي إلى حصر إيران في زاوية، فلم يمنعها هذا فقط من تطوير برنامجها النووي، بل وجعلها لا تستطيع أن تخاطر بدخولها أي حرب.
على أكثر تقدير، يمكنها أن تعود إلى الاتفاقيات المعمول بها قبل الاتفاقية النووية – مثل معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية بدون البروتوكول الإضافي، التي أوكلت رقابة أقل صرامة من الاتفاقية النووية- ويمكنها كذلك إلغاء الجدول الزمني للاتفاق النووي. ولكن إذا اتخذت إيران هذه الخطوات، فمن المحتمل أن تعوق خطوط التعاون بينها وبين أوروبا، وأن تضع روسيا في موقف صعب.
والقيود الداخلية أيضًا ستجبر إيران على اتخاذ قرارات في الميادين الأخرى، خاصة سوريا. فالتبادل الأخير للهجمات الجوية والخطابية مع إسرائيل، واحتمالية أن تزيد إسرائيل هجماتها على أهداف إيرانية في سوريا، يقتضي أن تُسرع إيران من العملية الدبلوماسية التي تقودها روسيا.
فالضربات الجوية الإسرائيلية ستؤدي في الواقع إلى تعاون أوثق بين إيران وروسيا، في محاولة للتوصل إلى اتفاق شامل يعزز نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ويحدّد مناطق نفوذ البلدين في سوريا، ويقيم مناطق وقف التصعيد، ويعيد سيطرة الأسد على البلد بأسرها، ويقيد حرية تصرف إسرائيل في سوريا.
ومن أجل تحييد خطر الضربات الإسرائيلية على قواعدها في سوريا، يمكن لإيران توظيف الاستراتيجية دمج الميليشيات التي تعمل تحت سيطرتها في الجيش السوري. فوحدات وقواعد الجيش السوري الإيراني المشتركة ستجعل من الصعب على إسرائيل أن تدعي أنها تهدف لمنع إيران من تعزيز تواجدها في سوريا، وستعتبر كل ضربة على قاعدة مشتركة عملاً عدائيًا ضد نظام الأسد.
وهناك طريقة أخرى لإيران لتعزيز مكانتها في سوريا دون عائق وهي إزالة أجزاء من الشعب السوري واستبدالها بمئات الآلاف من اللاجئين الأفغان والباكستانيين، الذين يقاتل بعضهم في سوريا بالفعل تحت رعاية إيران. وكل من رجال الأعمال ورجال الميليشيات يشترون بالفعل أراضي ومنازل في سوريا، ومن المتوقع أن يتم منحهم الجنسية السورية -مما يمنحهم حق التصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وبهذا فإن أي مصنع للصواريخ أو الأسلحة الثقيلة أقامته إيران في سوريا سيصبح أيضًا جزءًا من ترسانة الأسلحة الشرعية السورية، مما يجعل من الصعب التمييز بين الأسلحة السورية والإيرانية.
وكما هو الحال في العراق ولبنان واليمن، لن تحتاج القوات الإيرانية النظامية إلى التواجد الفعلي من أجل ضمان توطيد نفوذ طهران. فبموجب هذه الاستراتيجية، لن تحتاج إيران حتى إلى إنشاء منظمة منفصلة في سوريا موالية لها مثل حزب الله. فبدلاً من ذلك، سيقوم الجيش السوري بلعب هذا الدور، الذي سيحصل على الحماية من موسكو ضد أي هجمات خارجية.
هذه الخطوات، إذا حدثت بالفعل، يمكن أن تساعد النظام الإيراني على التعامل ليس فقط مع التهديد الإسرائيلي، ولكن أيضًا مع الضغوط الداخلية التي من المحتمل أن تواجهها إذا قررت الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاقية النووية.
صحيح أن الاحتجاجات ضد مشاركة إيران المستمرة في حربي سوريا واليمن قد تم قمعها بالقوة، إلا أنها لم تختف تمامًا.
وفي نهاية المطاف، ستحدد حاجة طهران إلى التوفيق بين توطيد نفوذها في سوريا، وتهدئة غضب شعبها من الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تسببت فيها الحرب في سوريا، كيف ستتصرف ضد إسرائيل.