The New Yorker
الاتفاقية النووية الإيرانية هي أهم اتفاقيات عدم انتشار الأسلحة النووية في الربع قرن الأخير، سواء أعجبتك شروطها أم لا. لكنها الآن على حافة الهاوية، فبحلول يوم 12 مايو، سيقرر الرئيس ترامب ما إذا كان سيدفع بها من على حافة هذه الهاوية أم لا. ولا يخفى على أحد أنه يكره هذه الاتفاقية، فقد قال لـ “فوكس نيوز” عام 2017: “أسوأ اتفاقية رأيتها في حياتي. لم يتوجب التفاوض بشأنها أبدًا”.
وكانت أطراف الاتفاقية هي القوى الكبرى في العالم – بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا – وكذلك الولايات المتحدة. وأيد مجلس الأمن الدولي بالإجماع على الاتفاقية، وكذلك فعلت دول الاتحاد الأوروبي الثمانية والعشرين. لكن الولايات المتحدة كانت الصوت الفاصل خلال عامين من المناقشات الدبلوماسية وحتى توقيع الاتفاقية عام 2015، كما سيكون صوتها فاصلًا في تحديد مصيرها الآن.
ويمكن لترامب أن يقضي على الاتفاقية من خلال عدم التزام الولايات المتحدة بالتخلي عن العقوبات، التي وعدت برفعها في مقابل قيام إيران بالحد من برنامجها النووي المثير للجدل. يمكن للرئيس أيضا الابتعاد عن الاتفاقية تمامًا، على الرغم من أن القوى الخمس الأخرى لا تزال متشبثة بها. ويبدو أن إدارته تعتقد أن إيران ستلتزم بالشروط، مهما فعلت واشنطن. لكن وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، صرح بعكس ذلك. فقد قال: “إذا أرادوا إنهاء الاتفاقية، فهذا حقهم، لكن عليهم مواجهة العواقب”. وأضاف: “من الخطير أن تكون متغطرسًا، خطيرًا جدًا”. وأكمل: “طوال خمسة عشر شهرًا، حاول ترامب بالفعل تخريب الاتفاقية عن طريق الإخلال بحركة العمل مع إيران”.
لدى طهران ثلاثة خيارات واسعة إذا اختار ترامب الانسحاب، حسب ما صرح به ظريف. أولهم، تستطيع إيران الانسحاب من الاتفاقية وإنهاء الالتزام واستئناف- أو حتى زيادة- تخصيب اليورانيوم، الذي ينتج الوقود الذي يمكن استخدامه إما في برنامجها للطاقة النووية أو صنع السلاح الأكثر فتكًا في العالم.
وعلى الرغم من احتياطيات النفط الهائلة، فإن إيران حريصة على تسخير الطاقة النووية، التي ستنوع من مصادر الطاقة لسكانها، والحفاظ على الموارد لتصديرها، والتسريع بالتنمية الحديثة. وقال ظريف “لا ينبغي على أميركا أن تخشى من أن تنتج إيران قنبلة نووية. لكننا سنتابع وبقوة تخصيبنا لليورانيوم”. وكانت إيران فيما مضى تخصب اليورانيوم بنسبة 20%، وهو ما يفوق بكثير الاحتياجات الأساسية لبرنامج الطاقة. وجعلت الاتفاقية الحد المسموح به لإيران من التخصيب يصل إلى نسبة 3.7% تقريباً. (وناقشت الولايات المتحدة، إلى جانب القوى الخمس الكبرى الأخرى، بأن إيران لم تكن بحاجة إلى نسبة أعلى، إذا كانت -كما ادعت- تريد فقط تخصيب اليورانيوم لإنتاج الطاقة النووية). وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة مرارًا، بعد واحدة من أصعب عمليات التفتيش التي تم فرضها على أي دولة، على التزام إيران الكامل.
أما الخيار الثاني أمام إيران فهو آلية تسوية المنازعات في الاتفاقية، والتي تسمح لأي طرف بتقديم شكوى رسمية إلى لجنة أنشئت للفصل في الانتهاكات. وقد قدمت إيران إحدى عشر شكوى، مشيرة فيها إلى انتهاكات الولايات المتحدة في ثلاث تهم مختلفة، حسب ظريف. وقال ظريف: “الهدف من هذه العملية هو حمل الولايات المتحدة على الامتثال”.
وكانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهي القوى الأوروبية الثلاث المشاركة في الاتفاقية، تحاول بالفعل تحقيق هذا الهدف. ومنذ يناير، رتبت الدول الثلاث لمفاوضات هادئة من خلال وزارات الخارجية، لمعالجة ما يعترض عليه ترامب، مع إنقاذ الاتفاقية. وهذه الاعتراضات، المدعومة من قبل الكثيرين في الكونجرس، تنطوي على مخاوف بشأن عمليات التفتيش، والتجارب المستقبلية للصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وما يسمى ببنود “الغروب”، والتي ستسمح في النهاية لإيران باستئناف أنشطتها الحساسة.
ووصلت الجهود الأوروبية إلى مراحلها النهائية، مع الاتفاق على معظم القضايا باستثناء بنود “الغروب”. وكجزء من هذا الجهد، يحاول الأوروبيون أيضاً الحصول على ضمانة من البيت الأبيض بأنه لن يعرقل عمل إيران الدولي -وهو أمر يصعب إقناعه به، وفقًا لمسؤولين أوروبيين.
وقال دبلوماسيون إنه من المتوقع أن يقوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالضغط على ترامب خلال زيارة الدولة التي تستمر ثلاثة أيام، والتي تبدأ يوم الاثنين. وسوف تحذو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حذوه، والتي من المقرر أن تزور الولايات المتحدة يوم الجمعة. وستقوم رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، بمناقشة القضية هاتفيًا.
لكن ظريف قال إن أي حل وسط يضيف شروطًا جديدة محكوم عليه بالفشل. وقال: “نحن لا نتنازل عن الاتفاقية، لكننا لا نعتقد أن محاولات تحسين الاتفاقية ستكون مفيدة أو مثمرة أو مساعدة. والكل يعرف أن هذا هو موقفنا. والسيناريو الوحيد الذي يمكننا التعامل معه هو أن يتحدث الأوروبيون مع إدارة ترامب للبدء، وبشكل نهائي، في الالتزام بالاتفاقية”.
أما خيار إيران الثالث فهو الأكثر قسوة؛ حيث يمكن أن تقرر البلاد الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التاريخية التي وقعتها حتى الآن مائة وتسعة وتسعين دولة. وتسعى المعاهدة، التي تم إقرارها في عام 1970، إلى وقف انتشار الأسلحة النووية وتعزيز الاستخدام السلمي للطاقة النووية. وفي 2003 بدأت الأزمة المتعلقة ببرنامج إيران النووي، خاصةً عندما أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن عدم إلتزام طهران باتفاقية عدم الانتشار، وتحديدًا في إعلان برنامجها لتخصيب اليورانيوم.
وفي سؤال لظريف إذا كان هناك احتمالًا، إذا أُلغيت الاتفاقية، بأن تتفاوض إيران مرة أخرى مع الولايات المتحدة، أجاب: “المساعي الدبلوماسية لا تتوقف أبداً. وهذا لا يعني أنه لا يوجد سوى سبيل واحد لتحقيقها، وهو الولايات المتحدة”.
وأكمل: أستطيع القول أنه مهما كان قرار إيران النهائي، فلن يكون الأمر مُرضيًا أبدًا بالنسبة للولايات المتحدة. وهو أمر متفق عليه من الجميع.