شهدت الشوراع الإسرائيلية احتفالات عديدة، فانطلقت الألعاب النارية، وأقيمت الحفلات الموسيقية، واستعرضت 300 طائرة حربية في السماء وشكلت الرموز الإسرائيلية المحببة، كالعلم القومي. وفي مشهد تمثيلي لفترة المحرقة، ارتدى بعض الأطفال ملابس وضع عليها نجمة صفراء يمشون مع جنود نازيين.
وحضر نتنياهو الاستعراضات رغم وجود اعتراضات على هذا، حيث أن وجوده يتناقض مع طبيعة الحدث غير السياسية. وأوضح أن هذه اليوم، يوم الأربعاء الماضي – وهو الذكرى السنوية السبعين لاستقلال إسرائيل، وفقًا للتقويم العبري- يمثل ظهور إسرائيل كقوة عالمية. وأكمل أن إسرائيل مدت يد الصداقة للجميع، وأنه لا شك أن إسرائيل وُجِدت لتبقى. “وبعد سبعين سنة أخرى سوف تكون هذه البلد أقوى سبعين مرة، لأن ما فعلناه حتى اليوم لم يكن سوى البداية. وما كان جوهر استقلال إسرائيل حتى اليوم إلا قدرتها على حماية نفسها”.
إسرائيل واجهت العديد من الأزمات منذ عام 1948، بما في ذلك حرب 67 و73، والصراع مع لبنان، والمواجهة التي لا تنتهي مع الفلسطينيين، والذين يطلقون على يوم الاستقلال “يوم النكبة”، الذي فقد فيه 700 ألف فلسطينيًا وطنهم.
ولكن وفقًا للخبراء الإسرائيليين والإقليميين، فإن العاصفة التي تتجمع على حدود إسرائيل الآن هي الأشد في تاريخ إسرائيل القصير كله؛ عاصفة تسمى إيران.
ويراقب القادة الإسرائيليون بقلق متزايد سوريا فيما وراء مرتفعات الجولان، ولبنان من الشمال، وغزة إلى الجنوب، والعراق، وربما حتى الأردن إلى الشرق، مع انتشار الوجود المادي والأيديولوجي الإيراني.
فالنظام الإسلامي الشيعي الإيراني قد أقسم على تدمير دولة إسرائيل -وهو هدف يقول الإسرائيليون إنه لا يمكن اعتباره مجرد خطابات. ويوم بعد يوم تقترب إيران أكثر من إسرائيل، فالقوة العسكرية المتزايدة للحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس التابع لهم والميليشيات الشيعية المرتبطة بهم في سوريا، هي محور الاهتمام الإسرائيلي.
وقال الجنرال المتقاعد ياكوف أميدرور، مستشار الأمن القومي لنتنياهو من 2011 إلى 2013، لصحيفة وول ستريت جورنال: “لقد نجحوا في حربهم من أجل بقاء الأسد. والآن تغيرت أولويتهم وأصبحت إسرائيل الهدف، وبالنسبة لنا، من الضروري إيقاف إيران، ولهذا نحن مستعدون للمجازفة بدخول حربٍ لفعل هذا”.
وحذر أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي المتشدد، من أن السماح لطهران بتعزيز وجودها العسكري في سوريا سيكون أشبه “بالموافقة على أن يضيق الإيرانيون الخناق حول رقابنا. ونحن لن نسمح بترسيخ إيران لوجودها في سوريا. لن نسمح بأي قيود عندما يتعلق الأمر بمصالح إسرائيل الأمنية … نحن نواجه واقعًا جديدًا – الجيش اللبناني، بالتعاون مع حزب الله [الميليشيا اللبنانية القوية الموالية لإيران]، والجيش السوري، والميليشيات الشيعية في سوريا، وكلهم أصبحوا جبهة واحدة ضد دولة إسرائيل”.
وقال مارك سوفير، سفير إسرائيل لدى أستراليا، رأيه بصراحة: “لا يمكن لإيران البقاء في سوريا. هذا أمر منتهي. نحن لن نتركها على حدودنا … موقفنا واضح، عليهم الخروج والعودة إلى ديارهم”.
وقال دوف زاخيم ، وكيل وزارة الدفاع الأمريكية السابق، في قوله في مجلة فورين بوليسي، أن الإسرائيليين يخشون من الوجود الإيراني والتدخل الروسي في عملياتهم. “فإلى جانب قوة حزب الله المتزايدة، والاحتجاجات الأسبوعية التي تقودها حماس في غزة، تواجه إسرائيل شبح حرب من ثلاث جبهات للمرة الأولى منذ عام 1967”. وحذر زاخيم كذلك من احتمال حدوث تمرد مستقبلي في الأردن مشابه لما حدث في إيران، ومشابه لما كانت تحاول إيران فعله في البحرين –كما قال.
وتبقى نوايا إيران مبهمة. فعلى الرغم أن السياسيين والمسؤولين ووسائل الإعلام الرسمية تهدد بإبادة إسرائيل بشكل دائم. إلا أنها تصر على أن موقفها دفاعي. والكل يعرف جيدًا أن طهران تمدد من بسط سيطرتها الإقليمية في لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان واليمن حيث تدعم إيران القوى المعارضة للسعودية.
وفي خطاب ألقاه في فبراير الماضي، احتفالًا بثورة 1979 التي أطاحت بالشاه، دعا حسن روحاني، الرئيس الإيراني، إلى الوحدة في وجه ما أسماه “المؤامرات الإسرائيلية”. وردد مئات الآلاف من المؤيدين في ميدان آزادى في طهران بعض الشعارات التي صارت معتادة هناك “الموت للولايات المتحدة” و “الموت لإسرائيل”.
لكن مثل إسرائيل، فإن إيران منقسمة سياسياً. فكما يبدو أن كلًا من روحاني وقائد الحرس الثوري الإيراني سليماني لديهما أجندات متضادة.
ومرة أخرى، لا تختلف إيران عن إسرائيل. فإيران تشعر أنها محاصرة، فتُظهر لخرائط الشرق الأوسط وكأنه بلد واحد حاصرته قواعد عسكرية أمريكية من تركيا إلى البحرين إلى أفغانستان. ومرة أخرى، لا يمكن القول أن خصم إيران الرئيسي هو إسرائيل على الإطلاق، بل المملكة العربية السعودية الموالية للولايات المتحدة، التي عينت نفسه قائدة للعالم العربي المسلم.
ويعتقد بعض المحللين أن دعم إيران لللأسد، هو ضمان ألا تنزلق سوريا هي الأخرى إلى سلسلة البلاد الموالية للغرب، وليس إعادة إنشاء الإمبراطورية الفارسية أو دفع إسرائيل إلى هلاكها.
ولكن على أرض الواقع ، فقد اثبتت الأحداث الأخيرة عكس هذا. ففي الأسابيع الأخيرة، تبادلت إسرائيل وإيران هجمات عسكرية مباشرة للمرة الأولى. بدأت في فبراير عندما أسقط الإسرائيليون ما قالوا إنه طائرة إيرانية بدون طيار مسلحة دخلت أراضيهم من سوريا.
ومنذ ذلك الحين ، كانت هناك غارتين جويتين إسرائيليتين على الأقل على القاعدة الجوية تي 4 في وسط سوريا، التي هي معقل لقوات الحرس الثوري الإيراني، ولمجموعة صواريخ أرض-جو وطائرات بدون طيار. والغارة الثانية، التي اعترفت بها إسرائيل رسميًا، قتلت عدة إيرانيين، وقد تعهدت طهران بالانتقام.
وتحسبًا لأي هجوم إيراني انتقامي، ألغت إسرائيل مشاركتها في مناورات القوات الجوية مع الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، واتخذت خطوة غير معتادة بنشر صور التقطتها الأقمار الصناعية الاستخبارية لخمسة منشآت إيرانية في سوريا.
ونقلًا عن مسؤولين عسكريين، ذكر توماس فريدمان، محلل في نيويورك تايمز، أن إسرائيل “قد تستخدم هذه الفرصة (التي سيوفرها أي استفزاز إيراني آخر) للقيام بهجوم مضاد هائل على البنية التحتية العسكرية الإيرانية بأكملها في سوريا”. ويمكن أن تشمل الأهداف القواعد الجوية، والمصانع التي تديرها إيران، والتي تصنع الصواريخ الموجهة بنظام GPS والقادرة على ضرب إسرائيل، والتي تعتزم إيران تزويد حزب الله بها، حسبما أخبر المسؤولون فريدمان.
باختصار، كانت الرسالة من تل أبيب إلى طهران واضحة: إذا جئتم من أجلنا، فنحن مستعدون، ويمكننا مهاجمتكم بقوة.
وبالرجوع إلى ماضي إسرائيل، فإنها كانت تلجأ لأمريكا حين الحاجة كما حدث في 1973، وبالتأكيد سيفعل نتنياهو هذا الآن، حين الضرورة. ولكن ترامب، رغم عهود الصداقة بين البلدين، وقيامه بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس في قرار مساند لإسرائيل، إلا أن ترامب حليف متقلب ولا يمكن الاعتماد عليه. ومنذ أن تولى ترامب منصبه العام الماضي، تخلت الولايات المتحدة عن جهودها الجادة لإحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. ونتج عن هذا تجدد المشاكل على الحدود مع غزة، التي اندلعت مرة أخرى في الشهر الماضي.
وفي هذه الأثناء ، يواصل البيت الأبيض إصراره، متجاهلًا التواجد الإيراني، على سحب القوات الأمريكية في أقرب وقت ممكن من سوريا، حتى لو كان هدف وجودها الأول هناك، وهو قتال الدولة الإسلامية، لم يُحقق بالكامل بعد.
وكما كانت في الماضي، من الممكن أن تجد إسرائيل نفسها مرة أخرى وحيدة ومعزولة. والعواقب واضحة –بناءً على تصريحات ترامب، وستجد إسرائيل نفسها وحيدة في القيام باحتواء الوجود الإيراني في بلاد الشام.
ومثل ترامب، يرغب بوتين، الحليف الأقوى للأسد، في تخفيض تكاليفه في سوريا، والعودة بجنوده إلى الوطن. لذا فإن دخول روسيا في صراع أوسع هناك أمر غير منطقي. ورغبة بوتين هذه ليست بالتأكيد من أجل إيران، فروسيا تنسق مع إسرائيل لتجنب الاشتباكات العسكرية حتى الآن. لكن هذا التنسيق قد يتداعى تحت ضغط الأحداث.
في الوقت الحالي، تتفق الغالبية على أن إسرائيل وإيران تتصارعان على حافة الهاوية. فأي خطوة متهورة قد تكون كارثية لأحدهما أو كلاهما. ومع ذلك، فإن النضال هو أكبر بكثير من عداوة هذين الخصمين. فهناك مجموعة أكبر من القضايا الدولية المستعصية والمهملة والقابلة للاشتعال، تتجمع في وقت واحد، وكلها في مكان واحد. والنتيجة، بعد مرور 70 سنةً، يمكن أن تكون نكبة جديدة مروعة حقًا.