يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مثل أي زعيم عالمي، قد طور نوعًا من الوئام مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب.
لكن هل ستؤتي هذه العلاقة ثمارها، بما أن العواصم الأوروبية تكافح لإنقاذ الاتفاقية النووية الإيرانية من تهور ترامب؟ وليس الأمر بعيدًا لمعرفة الناتج، فمن المقرر أن يزور الزعيم الفرنسي الشاب واشنطن يوم الاثنين.
ومن المقرر أيضًا أن يقرر ترامب بحلول الثاني عشر من مايو ما إذا كانت المحادثات مع باريس وبرلين ولندن بشأن إجراءات أكثر صرامة ضد إيران، قد نجحت أم لا. فترامب شعر أن “العيوب” في اتفاقية 2015 لم يتم إصلاحها بشكل كافي، ولهذا قرر سحب الولايات المتحدة منها، مما يفتح الطريق أمام فرض عقوبات أمريكية جديدة قد تؤدي إلى إفشال الاتفاقية بأكملها.
وترى أوروبا أن هذا الفشل سيكون كارثة، سواء من حيث الاتفاقية نفسها – التي تعتبر ركيزة أساسية في إستراتيجيتها لمنع انتشار الأسلحة النووية- أو فيما يتعلق بالعلاقات مع واشنطن.
وإذا كان بإمكان أي شخص إقناع ترامب، فقد يكون ماكرون، الذي لديه علاقات مع البيت الأبيض أفضل من نظيرتيه البريطانية والألمانية تيريزا ماي وأنجيلا ميركل. فباريس كانت أول حليف أوروبي اقترح اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد برامج الصواريخ البالستية الإيرانية، كإضافة إلى الاتفاقية النووية.
لكن هل هذا يفي بالغرض؟
ترامب يريد إصلاح الاتفاقية نفسها، لإنهاء ما يسمى بـ “بنود الغروب” التي سوف تسمح لإيران بإعادة تشغيل أجزاء من برنامجها النووي تدريجيًا بعد عام 2025.
أما إيران فقالت إن الاتفاقية نهائية، وحذرت من أنها مستعدة لإعادة إطلاق برنامجها النووي – الذي يزعم الغرب أنه يهدف إلى إنتاج قنبلة ذرية – إذا فشلت. فوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف قال للصحفيين في نيويورك يوم السبت أن إيران لا تسعى للحصول على قنبلة نووية، لكن سيكون ردها “المحتمل” على انسحاب أمريكا هو استئناف إنتاج اليورانيوم المخصب -العنصر الرئيسي لصنع القنبلة .
بالإضافة إلى ذلك، فقد كان الإتفاق ثمرة شهور من الجهود الدبلوماسية المكثفة بين بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة – تحت رعاية الاتحاد الأوروبي.
وتذمر أحد المبعوثين الأوروبيين واصفًا الوضع: “إنه حوار بين صُمٍ”. وأقر دبلوماسي أميركي بأن الجزء الأكثر “تعقيدًا” من المشكلة سيكون جعل ترامب يتقبل الفكرة. وكان الممثلون البريطانيون والفرنسيون والألمان في محادثات عميقة مع بريان هوك، رئيس قسم السياسة الخارجية في وزارة الخارجية الأمريكية، حول ما يبدو أنه اتفاقية إضافية.
لكن اشتكى هؤلاء الممثلون بشكل خاص من أنه، على الرغم من التقدم مع نظرائهم الأمريكيين، إلا أنهم ليس لديهم أدنى فكرة عما إذا كانوا قريبين من اتفاق يقبله الرئيس المتقلب.
ولاسترضاء ترامب، تعمل العواصم الأوروبية على وثيقة لمنع إيران من العودة إلى المسار النووي بعد انتهاء صلاحية اتفاقية 2015. ويمكن للأوروبيين أن يسموا مثل هذا العرض بـ “اتفاقية” جديدة، إذا أقنعت الرئيس الأمريكي بالالتزام بشروط الاتفاقية الأصلية و”الحقيقية”.
وهنا تكمن السخرية؛ “فترامب يكره الاتفاقية” كما أقر دبلوماسي أوروبي آخر.
وكل ما يستطيع هوك قوله أنه بمجرد أن يتفق مع شركائه الأوروبيين، سيكون الأمر متروكًا لترامب، بالتشاور مع مستشاره للأمن القومي الجديد جون بولتون، لاتخاذ القرار. فقد قال هوك: “إذا تمكنا من التوصل إلى اتفاقية، فسيتم تقديم ذلك إلى الرئيس من قبل وزارة الخارجية ووكالة الأمن القومي، ثم سيتخذ قرارًا بشأن ما إذا كان يريد البقاء في الاتفاقية أم سيعيد فرض العقوبات”.
وقد أثار تعيين بولتون، الذي لا يخفي على أحد عدائيته ضد إيران، تشاؤم أوروبا، وكذلك فعل ترشيح مدير وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو كوزير الخارجية الأمريكي القادم.
لكن “بومبيو”، الذي تكلم دومًا بعدائية ضد إيران، قلل من أهمية المهلة التي حُددت في الثاني عشر من مايو في جلسة التصديق الخاصة به في مجلس الشيوخ. وأمام المشرعين الأمريكيين المتخوفين من أنه قد يدفع بأمريكا تجاه حربٍ: “أريد أن أصلح هذه الاتفاقية، هذا هو الهدف. وإن لم تكن هناك فرصة لإصلاحها، فسأوصي الرئيس بأن نبذل قصارى جهدنا للعمل مع حلفائنا لتحقيق نتيجة واتفاقية أفضل. وحتى بعد الثاني عشر من مايو، لا يزال هناك الكثير من العمل الدبلوماسي الذي يتعين القيام به”.
ومع اقتراب الموعد النهائي، بدأ بعض خبراء واشنطن الأكثر تشددًا -ومنتقدو الصفقة عندما تم التوقيع عليها- باقتراح أن يتم تأجيل إعادة فرض العقوبات الأميركية المتعلقة بالطاقة النووية إلى حتى يتم تحديد موعد جديد.
لكن إذا فشلت كل المحادثات، واتبع ترامب ميوله الواضحة لتمزيق “الاتفاقية السيئة”، فيبدو أنه لا توجد خطة ثانية، على الأقل من ناحية أوروبا.
وفي تغريدة غاضبة للسفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة جيرار أراو: “أي شخص يريد أن يُلغي الاتفاقية الإيرانية، عليه أولًا أن يخبرنا بما سيفعل إذا استأنفت إيران برنامجها لتخصيب اليورانيوم”.
وبعد زيارة ماكرون، ستقوم ميركل بزيارة لواشنطن -العلاقات بين ميركل وترامب ليست جيدة أبدًا. وبعدها، فإن القرار سيكون بين يدي ترامب.