من المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة مظاهرات في إقليم الأحواز، التي يسكنه أغلبية عرب إيران، في ذكرى سيطرة الإيرانيين على الحكم فيه وانتهاء حكمهم الذاتي منذ قرابة المئة عام. فبعد مرور أسابيع فقط على اعتقال ما لا يقل عن 200 ناشط أثناء احتجاجات واسعة النطاق في الإقليم الحدودي في جنوب غرب إيران، يقول المحللون أن الأقليم المتوتر يتجه نحو انفجار كبير.
وتصاعدت حدة التوترات في الإقليم والذي كان يعرف باسم عربستان قبل أن يقوم الشاه رضا بهلوي عام 1925 بالإطاحة بشيخه خزعل الكعبي مستوليًا عليه لعقود. ويشكل عرب الأحواز أقلية في إيران، ويعتقدون أنهم يحرمون بشكل منظم من مستويات المعيشة اللائقة، وكذلك من حقوقها المدنية، إلى جانب تهجيرهم بالقوة لصالح غير العرب. الإقليم الذي يعد الأغني بالنفط في إيران، هو واحد من أقل المناطق تطوراً، وكذلك فإن استخراج النفط وإنتاج قصب السكر قد لوثا الهواء والماء بشدة في المنطقة.
لكن الاضطرابات الأخيرة في الإقليم -التي بدأت في مارس واستمرت لمدة أسبوعين تقريباً، وتبعتها احتجاجات واسعة النطاق في أنحاء إيران في ديسمبر- أظهرت أن خوف الأحواز من التعبير عن غضبهم علانية يقل بشكل كبير، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الصراع مع الحكومة.
وقالت ميسام بهروفش، المحللة إيرانية وزميلة أبحاث في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة لوند السويدية: “الحكومة عادةً ما ترى في الإقليم الغني بالنفط موقعًا حساسًا للأمن القومي؛ لذلك تتعامل الحكومة الإيرانية سريعًا مع الاحتجاجات هناك، وعادةً ما تنسبها إلى منافسين إقليمين، خاصة المملكة السعودية، التي تتهمها إيران بمحاولة إثارة المشاكل فيها”.
وقال سيمون مابون وهو محاضر في العلاقات الدولية في جامعة لانكستر: “من المهم معرفة كيف ستتعامل طهران، سواء أكان بطريقة إيجابية ذات توجه إصلاحي، أو ما إذا كانت ستسخدم القوة”.
“بدمائنا”
بدأت الاحتجاجات الأخيرة في مدينة الأحواز، عاصمة خوزستان، في 27 مارس، بعد أن بثت محطة تلفزيونية تابعة الدولة عرضًا أهان عرب إيران. وأثناء العرض، وصف المشتركون ملابس العرب بـ “القذرة”، ودعوهم بغريبي الأطوار، بينما كانوا ينبحون كتقليد لهم.
وطبقًا لفيديو تم عرضه على وسائل التواصل الاجتماعي بواسطة المحتجين، فقد تعاملت الشرطة مع الاحتجاجات بالقنابل المسيلة للدموع، والرصاص المطاطي، ولكن هذا لم يوقف المتظاهرين. وبعدين يومين قامت الشرطة الإيرانية بإلقاء القبض على عدة متظاهرين من بينهم خمس نساء. ولاحقًا، انتشرت المظاهرات لمدن أخرى غالبيتها من العرب، من ضمنها عابدان وشيبان والحميدية.
“وحتى وقت قريب، كانت الاحتجاجات الشعبية المعادية لحكومة إيران مقتصرة على بعض المدن في خوزستان” قال أحد المتظاهرين في الأحواز، الذي رفض ذكر اسمه لأسباب تتعلق بسلامته.
وسار المحتجون بلافتات تقول “أنا عربي” مع دعوات للتدخل الغربي. وغطى معظمهم وجوههم وهم يرددون شعارات باللغة العربية مثل “بدمنا وروحنا، سنضحي من أجل الأحواز!”.
في مساء الثاني من إبريل، تجمع المتظاهرين بعد ليلة من المظاهرات في أحد المقاهي في حي الثورة الشعبي في الأحواز، واشتعلت النيران في المكان، مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص.
في أعقاب الحريق، اتهم المتظاهرون أجهزة المخابرات بإشعال النار، ووصفوا من ماتوا بـ “الشهداء”. أما الشرطة المحلية، فقد ألقت باللوم على شاب لقيامه بإشعال النار.
مواطنو درجة ثانية
الاحتجاجات ليست بالأمر الجديد على المنطقة التي شهدت اضطرابات منذ تولي الشاه الحكم عام 1925. وأحد العوامل كان الحرمان الاقتصادي،وكذلك الاختلافات العرقية. وحسب يوسف السرحكي، وهو شاعر وناشط أحوازي يعيش في هولندا، أنه على الرغم من حقيقة أن أغلبية عرب خوزستان هم من الشيعة، إلا أنهم يشعرون منذ فترة طويلة أنهم منفصلين عن الدولة الإيرانية بسبب عروبتهم. وقال السرحكي :”العرب في إيران يعتبرون أنفسهم امتدادًا للعالم العربي. وينعكس ذلك في أشياء صغيرة مثل الأدب والموسيقى الأحوازية. وبلا شك، هناك تفاعل بارز بين الأحواز والعالم العربي على المستوى الفكري والسياسي والاجتماعي”.
العلاقات السيئة بين طهران والأحوازيين كان لها عواقب وخيمة على مر السنين. فخلال الحرب العراقية الإيرانية، تم غزو خوزستان من قبل قوات صدام حسين، الذين اعتقدوا أن القبائل الأحوازية سوف تثور ضد نظام الخميني وترحب بالعراقيين كمحررين. لكن العرب الأحوازيين لم يثوروا، وأصبحت المنطقة موقعًا لقتال كبير بين إيران والعراق، مما أدى تقريبًا إلى تدمير مدن مثل عبادان وخرمشهر. ووفقًا لمايكل أكسوورثي المحاضر في الشأن الإيراني في جامعة إكزتر، أن حقيقة أن الأحواز رفضت دعم الغزو العراقي لا يعني بالضرورة أنهم يدعمون الجانب الإيراني. فالأمر له علاقة أكبر بسمعة حكومة صدام السيئة.
في 30 أبريل 1980، احتلت قضية الأحواز العربية عناوين الصحف الدولية، بعد أن قام عدة أشخاص منفيين باقتحام السفارة الإيرانية في لندن، واحتجاز عدة رهائن، مطالبين بالإفراج عن الانفصاليين الأحوازيين المحتجزين في السجون الإيرانية. لكن بعد مقتل أحد الرهائن، داهمت القوات الجوية الخاصة البريطانية المبنى وأطلقت سراح المحتجزين.
وفي أبريل 2005، مرة أخرى تينفجر غضب الإقليم حين اندلعت أعمال الشغب في جميع أنحاء منطقة خوزستان بعد رسالة مزورة قيل أنها كُتِبَت من قبل مستشار رئيس إيران وقتها محمد خاتمي، تقترح تقليص السكان العرب في خوزستان. وقتلت قوات الأمن الحكومية 50 شخصًا على الأقل، وفقًا لهيومن رايتس ووتش. وفي نفس الوقت تقريباً، قصف الجناح المسلح لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز، وهي مجموعة قومية تطالب بالاستقلال عن إيران، المباني الحكومية وخطوط الأنابيب في المنطقة في هجمات قتلت مدنيين.
وراقب المنفيون من الأحواز التطورات في المنطقة عن كثب. فقالت حوراء نيسي، الناشطة في هولندا وابنة أحمد مولى نيسي موسس حركة النضال العربي لتحرير الأحواز: “شيء كهذا يخيف الناس بالطبع، لكن الأحوازيين لا يستسلمون بسرعة”. وقد قتل أحمد نيسي بالرصاص أمام منزله في لاهاي الذي انتقل إليها عام 2007. وتعتقد حوراء وعائلتها أن المخابرات الإيرانية هي من قامت باغتياله، وهو الأمر الذي نفته الحكومة الإيرانية.
وقالت: “خلال 93 عاماً من الاحتلال الإيراني، عانى الأحواز من العنصرية والتمييز، مما جعلهم مواطنين من الدرجة الثانية في بلدهم”. ويمكن القول أن الاحتجاجات الحالية هي “نتيجة منطقية للسياسات التمييزية لنظام استبدادي يستخدم الدين وأيديولوجيات متخلفة من أجل مصالحه الخاصة”.
المزيد من الاضطرابات؟
ومع ذلك فإن المشاكل بين خوزستان وطهران ليست حالة نادرة من نوعها داخل البلاد، كما يقول مابون، الأستاذ بجامعة لانكستر: “أعتقد أن هذه الاضطرابات الأخيرة ناتجة عن حالة مكررة من الإحباط العام، فقضية كسوء إدارة الموارد تؤثر سلبًا على العرب في خوزستان”. وتلقى الأحوازيين الدعم من خصوم آخرين للحكومة الإيرانية، سواء من داخل البلاد أو خارجها. وفي وقت سابق من هذا الشهر، كتبت مريم رجوي من المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وهي جماعة معارضة مقرها في فرنسا، تغريدة لتحث الإيرانيين على الانضمام إلى المحتجين العرب، و”اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان الإفراج الفوري عن المعتقلين”.
ويبقى السؤال: هل الاحتجاجات الحالية وأي أخرى ستأتي لاحقًا، في تاريخ طويل من الاضطرابات، ستكون دون أي نتائج، أم سيكون هناك تغيير ملموس في خوزستان؟