The New York Times
منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، قاتلت إيران وإسرائيل بعضهما بعضاً في الخفاء –سواء كان هذا من خلال وكلاء، أو فرق اغتيال، أو هجمات القرصنة الإلكترونية، لكن ليس عن طريق التقاء جيشيهما في ميدان المعركة.
و قد يكون هذا على وشك التغيير. لكن إن حدث، فسيكون للأمر تداعيات كبيرة على سوريا ولبنان والشرق الأوسط بأسره.
أنا متأكد من أن كلا الجانبين لا يريدان الحرب. فالحرب قد تدمر اقتصاد إسرائيل المزدهر حاليًا، واقتصاد إيران المنهار بالفعل. ولكن يبدو أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني مصمم على محاولاته لتحويل سوريا إلى قاعدة عسكرية للضغط على إسرائيل، ويبدو أن إسرائيل مصممة على منع ذلك أيضًا.
في الأسابيع القليلة الماضية – للمرة الأولى على الإطلاق – بدأت إسرائيل وإيران بتوجيه الضربات لبعضهما بشكل مباشر في سوريا. وحتى الآن، خاضوا بالفعل جولتين، والجولة الثالثة التي من الممكن أن تحدث في أي وقت، يمكنها أن تتسبب في كارثة كبرى في سوريا.
حدثت الجولة الأولى في العاشر من فبراير الماضي، حين وجهت طائرة هليكوبتر إسرائيلية من نوع آباتشي صاروخًا باتجاه طائرة بدون طيار تابعة لفيلق القدس والتي أقلعت من القاعدة العسكرية T4، بعدما اخترقت المجال الجوي لشمال إسرائيل. قالت التقارير الأولية أن الطائرة الإيرانية كانت في مهمة استطلاع فقط، لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الجنرال رونين مانليس، قال أن تحليل الطائرة ومسارها يشير إلى أنها ” كانت تحمل متفجرات” وأن مهمتها هي “عمل تخريبي في الأراضي الإسرائيلية”.
وقال مصدر عسكري إسرائيلي كبير: “هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها إيران تفعل شيئًا ضد إسرائيل بشكل مباشر، وهذا يفتح بابًا لعهد جديد”.
وهذا ما حدث، لأنه في التاسع من أبريل، بدأ العهد الثاني فعلًا، حين وجهت الطائرات الإسرائيلية ضربة صاروخية على قاعدة T4، القاعدة الرئيسية للطائرات الإيرانية، مُستهدفة بذلك لأول مرة، وبشكل مباشر، منشأة إيرانية وموظفين إيرانيين في سوريا. مما أسفر عن مقتل سبعة من أفراد فيلق القدس. وفي حين رفض المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي تأكيد أو نفي صلة إسرائيل بالغارة، سلطت الحكومة الإيرانية الضوء على الغارة بشكل غير عادي –وخاصة خسائرها- وتعهدت بالانتقام، حيث قال بهرام قاسمي المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية: “الكيان الصهيوني سيتلقى عاجلا أو آجلا الرد الحتمي وسيأسف على أخطائه”.
والآن الكل يحبس أنفاسه : هل ستكون هناك جولة ثالثة؟ مسؤولو وزارة الدفاع الإسرائيلية جعلوا من المعروف للجميع بأنه في حالة رد الإيرانيون على ما حدث، فإسرائيل قد تستغل الفرصة لشن هجوم مضاد كبير على البنية التحتية العسكرية الإيرانية بالكامل في سوريا. ويقول مسؤولو الدفاع الإسرائيليون أن هناك فرصة ضئيلة لأن ترتكب إسرائيل نفس الخطأ الذي ارتكبته في لبنان – عندما تركت حزب الله يأسس ما شكل تهديدًا صاروخيًا كبيرًا هناك-، وإسرائيل لن تترك إيران تفعل ذلك في سوريا.
يوم الثلاثاء الماضي، قامت الحكومة الإسرائيلية بتوزيع خرائط لمنظمات إخبارية إسرائيلية تُظهر خمس قواعد تسيطر عليها إيران في سوريا. كل ما كان ينقصهم أن يعلنوا بالضبط أين ستلقي إسرائيل قنابلها إذا نفذ الإيرانيون تهديداتهم. هذه رسالة موجهة إلى قوة القدس: “احترسوا؛ نحن نعرف بالضبط أين يمكن العثور عليكم”.
وكما قال أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي، أمام تجمع من الجنود الإسرائيليين يوم الاثنين: “إننا نواجه واقعًا جديدًا -الجيش اللبناني، بالتعاون مع حزب الله والجيش السوري والميليشيات الشيعية في سوريا بجانب إيران- كلهم أصبحوا جبهة واحدة ضد دولة إسرائيل”.
ومن المنطقي أن يكون لدى إيران مخاوف أمنية في الخليج. فهي تواجه عددًا من القوى السنية المعادية لها والموالية للولايات المتحدة، التي تحاول احتواء النفوذ الإيراني وتقويض نظامها الإسلامي. وهذا من وجهة نظر إيران، يشكل تهديدًا.
السؤال المطروح دومًا هو ما الذي تفعله إيران في سوريا؟
ويبدو أن بناء طهران لمصانع الصواريخ والقواعد العسكرية في سوريا، بعدما ساعدت بشار الأسد على سحق معارضيه، هو خطوة من قائد فيلق القدس اللواء “قاسم سليماني”، لبسط قبضة إيران على الأجزاء الرئيسية في الشرق الأوسط السني، وتحسين موقفه في الداخل في صراع القوة بينه وبين روحاني. الآن فيلق القدس يسيطر على أربع عواصم عربية وهي مشق وبيروت وبغداد وصنعاء.
بدون شك، أصبحت إيران اليوم أكبر قوة محتلة في العالم العربي. لكن ربما بالغ سليماني في الأمر. فحتى قبل الاشتباكات الأخيرة مع إسرائيل، كان العديد من الإيرانيين العاديين يسألون علانية: ما الذي تفعله إيران في سوريا بإنفاق مليارات الدولارات- التي كان من المفترض أن تذهب إلى الإيرانيين بعدما تم رفع العقوبات الدولية- وكذلك في لبنان واليمن؟ هذا القلق هو بالتأكيد أحد الأسباب التي جعلت إيران، رغم كل ترددها، لم تنتقم بعد.
الضربة الجوية الإسرائيلية على قاعدة T4، إلى جانب الضربة الجوية الأمريكية-البريطانية-الفرنسية على منشآت الأسلحة الكيميائية المشتبه بها في سوريا، كشفت عن نقاط الضعف الإستراتيجية لكل من روسيا وإيران في سوريا. إن قواتهم قوية جدًا ضد المتمردين هناك، لكنها ليست بالقوة الكافية في مواجهة القوات الغربية وإسرائيل. إيران، التي تعتمد إلى حد كبير على نظام الدفاع الجوي السوري، مكشوفة أمام سلاح الجو الإسرائيلي.
يمكن لسليماني أن يختار أن ينتقم من إسرائيل بسبب الغارة الجوية من خلال “الوكلاء”، سواء كان في الشرق الأوسط أو ضد أهداف إسرائيلية في أي مكان في العالم. ولكنه الآن عليه أن يفكر مرتين قبل اتخاذ خطوة كهذه، لأنه قوته في سوريا معرضة للخطر، وإيران نفسها معرضة للخطر اقتصاديًا. فموقف الريال الإيراني الذي خسر ثلث قيمته في هذا العام فقط سيئ جدًا. لذا، فأي مواجهة مع إسرائيل في الوقت الحالي ستفاقم من أزمة الريال.
وبعبارة أخرى، يبدو أن سليماني على خلاف مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني روحاني. فبوتين وروحاني يتشاركان الرغبة في تهدئة الوضع في سوريا الآن، وليس تركها لتتحول إلى ساحة حرب مباشرة مع إسرائيل كما يرغب سليماني، فتصبح بهذا عبئًا ماليًا، ومستنقعًا عسكريًا بالنسبة لهما.
لكن القيود الاقتصادية لم تمنع سليماني وفيلق القدس يومًا ولن تفعل يومًا. فطموحاتهم كبيرة لإنشاء قاعدة للضغط على إسرائيل مباشرةً، وللسيطرة على الدول العربية المحيطة بهم، وكذلك الحفاظ على شعلة الثورة الإسلامية متقدة.
الجميع الآن ينتظر الخطوة التالية لسليماني. فهل سيتراجع، أم سينتظر قليلًا حتى يصبح أقوى؟ وهل ستدعه إسرائيل يفعل هذا؟
كلها أسئلة مطروحة، ولكن بدون شك هذه أيام بالغة الأهمية لكلا البلدين. وأنا أعلم شيئًا واحدًا على وجه اليقين، الوضع الراهن غير مستدام.