Al-monitor
في الثامن من مارس، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قَبِلَ دعوة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون لإجراء محادثات، مما أثار ردود فعل دولية مختلفة. ورحب كثيرون بذلك كخطوة أولى نحو الحيلولة دون نشوب حرب نووية بين واشنطن وبيونغ يانغ. ومع ذلك، كان البعض أكثر تشككًا ويتساءلون عما سيحدث إذا انتهى هذا الاجتماع دون نتائج ملموسة. وعلى الأرجح، فإن إيران من بين الدول التي لا تشعر بالسعادة مع هذا الخبر، حيث أن أي اتفاقية محتملة بين ترامب وكيم قد يكون لها عواقب سلبية على طهران.
إيران أولاً وأخيرًا تشعر بالقلق بشأن مستقبل خطة العمل المشتركة الشاملة، فحتى لو استمرت الاتفاقية النووية بعد الموعد النهائي المحدد في 12 مايو المقبل لتوقيع ترامب على استمرار تخفيف العقوبات، فإن المحادثات الناجحة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية يمكنها أن تهدد خطة العمل المشتركة. ولنفترض هنا أن المحادثات قد نجحت، فإن ترامب على الأرجح سيتباهى بأنه مفاوض أفضل من سابقه باراك أوباما، وبالتالي سيتجه إلى تمزيق الاتفاقية النووية الإيرانية التي وقعها أوباما، وبدلاً عن ذلك سيدافع عن اتفاقه الممكن مع كوريا الشمالية.
لكن هذا ليس مصدر قلق طهران الوحيد. ففي خطاب شائن في 29 يناير 2002، وصف الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش إيران وكوريا الشمالية والعراق بأنهم “محاور الشر”. وبالمثل، في حين أن المجتمع الدولي قد ينظر إلى كوريا الشمالية على أنها أكثر دول العالم تهديدًا نظرًا لحيازتها للأسلحة النووية، فقد وصف ترامب إيران بأنها تهديدٌ مقلق للسلام الدولي، مثلما فعلت إدارة بوش. لذلك، تشعر طهران بالقلق من أي تطور أميركي محتمل في العلاقات مع كوريا الشمالية قد يؤدي إلى تحويل تركيز الولايات المتحدة إلى إيران أكثر من أي وقت مضى.
وقال عزيز الله حاتم زاده، وهو كاتب إيراني وخبير في السياسة الخارجية: “إيران لا تؤيد التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية لسببين: فإنهما إن توصلا إلى اتفاق، فستصبح إيران الملف الرئيسي ذا الأولوية لإدارة ترامب. فكلما تطورت العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، كلما زاد تأثيرها على علاقات طهران وتعاونها مع بيونغ يانغ. إذا أرادت كوريا الشمالية التحرك نحو نزع الأسلحة النووية، فإن طبيعة معركتها ستتغير، ولن تصبح محاربة الولايات المتحدة في خططها، كما الأمر مع إيران. وبالتالي، ستواصل إيران وحدها هذا الطريق”.
وخلال هذا، لم يصدر أي رد فعل عن المسؤولين الإيرانيين على المحادثات المحتملة بين واشنطن وبيونغ يانغ. ويمكن تقييم هذا من منظورين. فمن الممكن أنهم لا يرون أي سبب للتعليق على الموقف ويتبعون الحذر. أو ببساطة قد لا يكونوا متفائلين بشأن نتائجه.
وقال الدبلوماسي الإيراني الكبير نصرة الله طاجيك : “بالنظر إلى سياسات ترامب والشعارات أحادية الجانب، و”أمريكا أولاً”، فمن غير المحتمل أن تصل هذه الدولة خلال حقبة ترامب إلى أي اتفاقيات حيوية مع المنظمات الدولية أو مع الدول الأخرى، ناهيك عن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق الهام، مع قضية حساسة واستراتيجية مثل هذه، مع واحدة من أكثر الدول تعقيدًا في العالم [كوريا الشمالية]”.
ومن ناحية أخرى، لا ينبغي أن ننسى أن قضية كوريا الشمالية أصبحت أزمة عالمية معقدة يتطلب حلها، إذا أمكن، طريقًا طويلًا. ويجب أيضًا أخذ دور اللاعبين الإقليميين في الاعتبار عند البحث عن حل، مثل الصين. لذلك، فإن إرادة الطرفين وحدها لا تكفي للوصول إلى اتفاق. وقد طرح طاجيك نقطة جيدة، وهي الوقت الذي ستتطلبه للمحادثات المحتملة مع كوريا الشمالية للوصول إلى نتيجة.
في غضون ذلك، يوم 12 مايو يقترب، ويتعين على ترامب تحديد ما إذا كان سيوقع تمديدًا لتخفيف العقوبات والبقاء على الاتفاقية النووية أم لا، ولا يرى الرأي العام في طهران أن هذا سيحدث. ولكن لو حدث، فإن كل التوقعات حول التأثير السلبي المحتمل لمحادثات الولايات المتحدة وكوريا الشمالية على خطة العمل المشتركة ستنتهي على الأرجح. وبدلاً من ذلك، قد يحدث العكس تماماً، أي أن انسحاب واشنطن من خطة العمل المشتركة قد يؤثر سلباً على المحادثات مع كوريا الشمالية. بعبارة أخرى، قد تصبح كوريا الشمالية عندئذ أقل ثقة في الولايات المتحدة، حيث سترى خروجها من الاتفاقية الإيرانية على أنه عدم التزام منها بالاتفاقات.
وفي هذا السياق، قال طاجيك : “إن بقاء ترامب في خطة العمل المشتركة الحالية ليس له فائدة كبيرة لإيران. فإن سيف أمريكا المسلط باستمرار على اقتصاد إيران لن يكون مفيدًا لنا. لكن في الوقت نفسه، من الواضح أن حل القضايا العالقة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية سيترك الباب مفتوحًا أمام الإجراءات المستقبلية ضد إيران من جانب ترامب”.
لكن ليس كل الإيرانيين لديهم نفس الرأي. فقال المحلل الاقتصادي والسياسي البارز سعيد ليلاز: “في رأيي، إيران ليست أولوية في إدارة ترامب. فقد جعل الصين من أولوياته. ويتماشي حل الموقف مع كوريا الشمالية مع تلك الأولوية، لفرض المزيد من الضغط على بكين. بطبيعة الحال، تحاول مجموعة من الناس حول ترامب جعل إيران في الواجهة. ومع ذلك، علينا أن نتذكر أن أساس آراء ترامب هو الاقتصاد؛ فهو لا يؤمن بالسياسة الخارجية ولا يفهمها”.
وفي حين لا توجد أخبار حول ميعاد لقاء ترامب وكيم، فإن التقارير تشير إلى أن الاستعدادات التمهيدية جارية. على هذا النحو، لا يمكن للمرء إلا الانتظار ومعرفة ما إذا كان هذا الحوار سيحدث، وإن حدث، فما تأثيره على النظام الإقليمي، بل وحتى الدولي.