The Atlantic
وجه الرئيس ترامب سؤالًا إلى روسيا وإيران مساء الجمعة بعد شن غارات جوية ضد النظام السوري: «ما طبيعة تلك الدول التي تريد أن تكون على صلة بالقتل الجماعي للرجال والنساء والأطفال الأبرياء؟ فكل دولة يُحكم عليها من خلال أصدقائها التي تتمسك بهم».
على مدار السبع سنوات الماضية، لم تقدم أي دولة دعمًا لنظام بشار الأسد ومجازره ضد الشعب السوري، ماليًا وعسكريًا، كما فعلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، دولة الحكم الديني، والتي تتدعي أنها تحكم بأعلى المعايير الأخلاقية. في الوقت الذي كانت تعاني إيران من صعوبات اقتصادية كبيرة، قدمت طهران مليارات الدولارات لتسليح وتدريب ودفع عشرات الآلاف من المقاتلين العرب والأفغان والباكستانيين الشيعة لمساعدة الأسد على سحق المتمردين السُنة. طهران، التي كانت قبل ثلاثة عقود ضحية هجمات أسلحة كيماوية شنيعة قام بها صدام حسين، تتيح الآن الأسلحة نفسها للأسد، وفي الوقت نفسه، تنكر أنه يستخدمها. السؤال هنا: لماذا؟
الدعم الإيراني المستمر للأسد، ليس مدفوعًا بالمصالح الجيوسياسية والمالية للدولة الإيرانية، ولا بالمعتقدات الدينية لها، وإنما بسبب كراهيتها الشديدة الظاهرة لإسرائيل. وكما قال كبار المسؤولين الإيرانيين كعلي أكبر ولايتي، المستشار المقرب من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، أن سلسلة مقاومة إسرائيل، من إيران وسوريا وحزب الله والحكومة العراقية الجديدة وحماس تمر كلها عبر سوريا… سوريا هي الحلقة الذهبية لهذه السلسلة”. وطالما بقي خامنئي في السلطة، فإن هذه الكراهية سوف تبرر التزام طهران المستمر بدعم استخدام الأسد لأي وسيلة ضرورية كانت- بما في ذلك الأسلحة الكيميائية – للحفاظ على حكمه.
على الرغم من أن إسرائيل ليس لديها أي تأثير مباشر على الحياة اليومية للإيرانيين، إلا أن معارضة الدولة اليهودية كانت واحدة من أكثر دعائم إيديولوجية الثورة الإيرانية. فسواء كان خامنئي يلقي خطابًا حول الزراعة أو التعليم، فإنه يعود دائمًا إلى شرور الصهيونية. ففي خطاب لخامنئي عام 2012 قال: “إن النظام الصهيوني هو ورم سرطاني حقيقي في هذه المنطقة يجب استئصاله. وسندعم ونساعد أي دولة، وأي جماعات ستقاتل ضد النظام الصهيوني في جميع أنحاء العالم”. وبالنظر إلى التفوق العسكري لإسرائيل، فإن استراتيجية خامنئي المعلنة ليست في إبادة قصيرة الأجل لإسرائيل، وإنما في إنهاء وجودها. وعادةً ما قال خامئني:”لو أن المسلمين والفلسطينيين قاتلوا معًا، لكان انتهى النظام الصهيوني منذ 25 عامًا”. لكن النظام الإيراني الذي يبدو ظاهريًا وكأنه يحاول الانتقام من نظام ظالم، إلا أنه ساعد الأسد في ارتكاب ما هو أفظع بكثير. منذ 2011، بلغت عدد القتلى السوريين ما يقرب من النصف مليون –على الرغم من توقف الأمم المتحدة عن إحصاء القتلى-، وهو خمسة أضعاف القتلى الفلسطينيين منذ بدأ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ سبعين سنة. كما شُرد ما زاد عن الاثنا عشر مليون سوريًا، وهو ضعف عدد الفلسطينيين المشرديين. وقال قاسم عيد، وهو واحد من حوالي نصف مليون لاجئ فلسطيني نشأ في سوريا، وضحية واحدة من هجمات الأسد بالأسلحة الكيماوية: “إذا كانت طريقتهم لإعادة الفلسطينيين إلى ديارهم هي تشريد ملايين السوريين، فأنا لا أريد العودة إلى فلسطين”.
وتحالف الأسد وإيران ملئ بالمتناقضات. ففي حين يتم قمع مؤيدي العلمانية الإيرانيين بشراسة، يقول الأسد دائمًا: “الأهم، أن تكون سوريا علمانية”. والنساء الإيرانيات اللواتي يرفضن الحجاب الإلزامي يتعرضن للعنف والسجن، بينما يحتفل مقاتلو حزب الله بالانتصارات العسكرية في النوادي الليلية في دمشق إلى جانب مرافقات شبه عاريات. وبينما يغطى الأوروبيون تماثيل عصر النهضة، حتى لا ينزعج المسؤولون الإيرانيون الزائرون، فإن قوات الأسد استخدمت الاغتصاب عن عمد كأداة للقمع ضد المعارضين. وبينما يناشد خامنئي رعاياه لشراء المنتجات الإيرانية لتعزيز الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، فإن أموال طهران ساعدت أسماء زوجة الأسد –غير المحبوبة والمهووسة بالموضة- وحافظ على شغفها الأساسي: التسوق في لندن.
ومنذ بدء الانتفاضة السورية عام 2011، سعى كل من الأسد وإيران بدأب إلى سحق المعارضة المعتدلة، وإغراء الإسلاميين المتطرفين، من أجل وضع خيارين لا ثالث لهما أمام الغرب: الأسد أو الجهاديون. غير أن طهران حاولت رسم دورها في سوريا باعتباره معركة وجوديّة لإيران، ضد قوى التطرف السني. وقال مهدي طيب، رئيس جناح الاستخبارات في الحرس الثوري والمستشار المقرب للزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي: “سوريا هي الولاية الخامسة والثلاثين في إيران. ولو سقطت، فنحن لن نستطيع الاحتفاظ بطهران”. وفي حين أن انهيار الأسد سيكون وبلا شك ضربة استراتيجية للجمهورية الإسلامية، إلا أن إيران كانت دولة قومية منذ قرابة 2500 عام، دون منفعة من تبعية سوريا.
واليوم أصبح حلف طهران ودمشق مشابهاً لعلاقة حب متبادلة الاستغلال: فإيران تحب سوريا لجسدها (الذي يقع على الحدود مع إسرائيل، ويصلح كمحطة لطهران إلى حزب الله)، وسوريا تحب إيران لأموالها. وفي مقابل السخاء الإيراني، تخلى الأسد عن سيادته. وكما قال رئيس الوزراء السوري السابق رياض حجاب: “سوريا محتلة من قبل النظام الإيراني، الشخص الذي يديرها ليس بشار الأسد بل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني”. وأصبحت نفقات طهران الضخمة في سوريا -التي تقدر بعدة مليارات من الدولارات سنوياً- سببًا يزيد الاستياء الشعبي وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية في إيران. ففي أثناء الاحتجاجات المناهضة للحكومة في يناير الماضي في إيران، هتف سكان مدينة مشهد: “اتركوا سوريا وحدها، وفكروا فينا”.
ووقع عبء الدفاع عن الدور الإيراني في سوريا أمام الغرب على عاتق وزير خارجية إيران المتعلم في أمريكا “جواد ظريف”. جواد، الذي من بين مواهبه الكثيرة القدرة ، والاستعداد لإخبار الأكاذيب الوقحة بإقناع هائل. فعلى سبيل المثال، بعد فترة قصيرة من إصرار ظريف أنه لا قوات لإيران في سوريا، أعلن الحرس الثوري عن إصابة ألف جندي إيراني. وعقب كل هجوم كيماوي قام به الأسد، خرج ظريف ليعفيه من المسؤولية بشكل ممنهج متبعًا نفس السيناريو: فأولًا يُذكِر الجميع بأن صدام حسين قد استخدم الأسلحة الكيماوية ضد إيران في حربهما، أو بمعنى آخر “أطفال سوريا ليسوا ضحايا، إيران ما زالت هي الضحية”. ثانيًا يدين استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل أي شخص، مما يدفع حلفائه الغربيين للاعتراف بإنسانيته، رغم أنه عندما تم الضغط على ظريف، ادعى أن الأسلحة تم استخدامها بالفعل لكن المعارضة –المدعومة من أمريكا وإسرائيل- هي من استخدمتها، وليس الأسد.
وبعد سبع سنوات، وبتكلفة تقدر بمليارات الدولارات، وحليف روسي قوي، ورئيس أمريكي يرغب في الانسحاب من المنطقة، تشعر طهران بحقها في سوريا. ويُزعم أنه يتم بناء قواعد عسكرية خارج دمشق، مع وجود طائرات مسلحة بدون طيار قادرة على الوصول إلى إسرائيل. ومن غير المحتمل أن تؤدي الغارات العسكرية الأمريكية الدورية على مستودعات أسلحة الأسد إلى تغيير هذه الحسابات. والآمال التي عُقدت على اضطرار طهران لإعادة تقييم موقفها من الأسد بعد عمليات القمع الجماعية واستخدامه للأسلحة الكيماوية قد ثبت خطأها. وكما يذكّر الإيرانيون اليوم كيف استخدام صدام الأسلحة الكيماوية ضد إيران منذ أكثر من ثلاثة عقود، فسيكون لدى السوريين ذكريات مماثلة عن تورط إيران في الجريمة ذاتها.
وبينما أظهرت الغارة الصاروخية الأمريكية ليلة الجمعة التفاوت الواضح في القوة بين واشنطن وطهران، فإن السنوات السبع الأخيرة أظهرت أيضًا التفاوت بين البلدين في سوريا. فعلى عكس دونالد ترامب -الذي لم يهتم بأمر سوريا الأسبوع الماضي، ومن المحتمل ألا يهتم بسوريا الأسبوع المقبل- فإن مناهضة آية الله خامنئي لإسرائيل لم تضطرب منذ أربعة عقود، كذلك التزامه تجاه سوريا.
هناك فيلم أمريكي يسمى ” American History X ” يناقش حياة شاب أمريكي متطرف من داخل حركة النازيين الجدد في أمريكا –الشبيه الأمريكي للحركة الإسلامية-، يدخل السجن لارتكابه جريمة عنصرية، ويتغير كل شيء حين يقول معلمه القديم في زيارته له: ” اسأل نفسك عن شيء واحد . . هل أي شيء فعلته جعل حياتك أفضل؟”. ووسط كل المذبحة والدمار في سوريا، يمكن طرح سؤال مماثل على خامنئي: “هل حقق أي شيء قامت به إيران في سوريا، أو أي مكان آخر، هدفها في تدمير إسرائيل وتحرير فلسطين؟”.
ويبدو أن خامنئي قد بدأ في التفكير في هذا السؤال في الآونة الأخيرة. وقال: “اليوم جسد العالم الإسلامي مصاب بشدة. لقد نجح أعداء الإسلام في العبث بالعالم الإسلامي من خلال شن الحروب والنزاعات، مما أعطى العدو مزيدًا من الأمن في المنطقة. فالنظام الصهيوني في غرب آسيا ينعم بملاذ آمن، بينما يقف المسلمون ضد بعضهم بعضًا”.