سي إن بي سي
انخفضت العملة الإيرانية، الريال، إلى أدنى مستوياتها وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي المتزايد، مما تسبب في تزاحم على البنوك، حيث يحاول الإيرانيون يائسين الحصول على الدولار الأمريكي، مما اضطرهم لإغلاق أبوابهم لتجنب الطوابير الطويلة الفوضوية.
بجانب تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، فإن لم تحل هذه الأزمة، فيمكنها أن تؤدي إلى عدم استقرار شديد في الجمهورية الإسلامية. وقد خسر الريال ثلث قيمته هذا العام وحده. فدولار واحد يساوي 60 ألف ريال؛ بينما كان الدولار يساوي 36 ألف ريال عندما تسلم الرئيس الإيراني حسن روحاني السلطة عام 2013. وكان انخفاض قيمة العملة مستمراً بشكل أساسي منذ الثورة الإسلامية عام 1979، حيث كان الدولار الواحد يساوي وقتها 70 ريالاً.
وللحد من الذعر المتصاعد، أعلنت طهران هذا الأسبوع أنها ستحدد سعر الصرف لـ 42 ألف ريال للدولار، وهددت بعقوبات قاسية، بما في ذلك السجن، لأي شخص يحاول صرف العملة بسعر مختلف.
وقال الإيراني هنري روما الباحث ضمن مجموعة Eurasia: “ينبغي أن تُبقي هذه الخطوة الأمور تحت السيطرة في الوقت الراهن”.
وقال في مذكرة بحثية: “من المرجح أن ينجح تغيير السياسة، المقترن بقيود جديدة على الأرصدة النقدية الأجنبية، في وقف انهيار الريال على المدى القريب”. وأضاف أن الحكومة لديها احتياطي أجنبي كافي للنجاح في هذا. ومع ذلك، فسوف يستمر الأمر في إلحاق الضرر بأعمال الاستيراد والتصدير الإيرانية، التي تعاني بالفعل من صعوبة في الوصول إلى العملة بسبب الحكومة،فتعتمد أكثر على السوق السوداء.
ومشاكل إيران ليست بسبب اختلال التوازن التجاري، فقيمة الصادرات غير النفطية في عام 2017 بلغت نحو 47 مليار دولار، وبلغت مبيعات النفط 55 مليار دولار، تاركةً بذلك فائضًا في العملة بلغ 17 مليار دولار. في الواقع، الأزمة في الوصول إلى الأوراق النقدية، والتي تقدر بنسبة 5% فقط من جميع العملات الأجنبية في إيران، في حين أن الباقي متاح في شكل ائتمانات تجارية.
فالفساد، والمواجهات السياسية، والخوف من فرض عقوبات جديدة، كلها عوامل ساعدت على سقوط الريال. وتعاني الأموال التي حققتها الصادرات في العودة إلى إيران، حيث لا تزال البنوك الدولية غير مستعدة لدخول البلاد خوفًا من تعارضها مع العقوبات الأمريكية.
الانهيار المحتمل للاتفاق النووي الإيراني
كان توقيع الاتفاقية النووية الإيرانية في عام 2015، الذي رفع العديد من العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران في مقابل فرض قيود على برنامجها النووي، بمثابة حبل النجاة لإنعاش اقتصاد البلاد المتعثر. لكنها لم تجذب الاستثمار بالمعدل الذي أملته الحكومة الإيرانية، ووسط معارضة صريحة للاتفاقية من الرئيس دونالد ترامب، فإن فرص بقاءها بعد مايو تبدو ضئيلة.
ويقول روما، أن إعادة فرض القيود ستكون الضربة الأكبر للاقتصاد، وستُضاعِف بشكل خطير من النقص الحالي للدولار في إيران.
وقال: “عودة العقوبات الثانوية من المرجح أن تضع ضغوطًا شديدة على الاقتصاد الإيراني وتتسبب في ارتفاع الطلب على الدولار. ومن غير المرجح أن تحافظ الحكومة على سعر 42 ألف ريال له في ظل هذه الظروف”.
كما أن للأمر تداعيات سياسية أخرى على البلد البالغ تعداده 80 مليون نسمة، وينذر بتحطيم بعض التقدم الذي شهدناه منذ توقيع الاتفاق الإيراني. فمنذ ذلك الوقت، تم انتخاب المزيد من “المعتدلين” في الحكومة، وهو أمر دعمته آمال العديد من الإيرانيين لصنع تقارب أكبر مع الغرب وبالتالي ظروف اقتصادية أفضل.
فرصة للمتشددين؟
وقال ريتشارد نافيو: “بالنسبة للمتشددين، هذه فرصة لتقييد إمكانية الوصول إلى البلاد، وتقييد إمكانية الناس في البلاد من الوصول إلى العالم الخارجي”. وريتشارد يعمل كأستاذ مساعد في جامعة كولومبيا، وكان في السابق يعمل في وزارة الخارجية الأمريكية كخبير أساسي بشأن عقوبات إيران. وأكمل:”مفهوم المقاومة الاقتصادية جذاب للغاية بالنسبة لهم، لأنهم يرون أن الانفتاح يمكنه أن يضر ويقوض سيطرتهم”.
ويهيمن على الاقتصاد الإيراني فيلق الحرس الثوري الإيراني المحافظ والمعادي للولايات المتحدة، وهو فرع من الجيش الإيراني المكرس لحماية نظام الجمهورية الإسلامية. فأحداث مثل هذه تختبر التوترات بين روحاني –الذي يُنظر إليه على أنه معتدل نسبياً- وقوى أقصى اليمين في البلاد والتي تُعارض زيادة التعاون مع الغرب.
وقال روما: “بدا أن هذه الضربة تحذير للمتشددين للتوقف، فقد اُتِهم المتشددون بتخزين دولارات لتقويض روحاني.” ومع ذلك، فروما لا يعتقد أنه من الممكن أن يقوض المتشددون جهود روحاني التي تهدف إلى استقرار العملة في أقرب وقت، مهما طالت الفترة التي تتطلبها هذه الجهود.
وقال: “مع هذا النظام الجديد، فإن الضغط العام سيزداد على المتشدّدين كي لا يخربوا جهود روحاني الجديدة”.
فالاستياء الاقتصادي أدى إلى اندلاع العديد من الاحتجاجات في جميع أنحاء إيران مع بداية العام، وتم اعتقال الآلاف من المتظاهرين وقتل 21 شخصًا على الأقل. وتتوقع Eurasia باحتمالية 65٪ أن تُفسخ الصفقة النووية في فترة ترامب الرئاسية الأولى، وهذا بجانب المخاوف من سعر العملة التي تخاطر بدفع الاقتصاد الإيراني إلى الانهيار أكثر وأكثر.