يبدو أن خامنئي بات يواجه صيحةً جديدة من صيحات وأشكال المواجهة الواقعة ضده، وحيال أسلوب إدارته وحكمه للجمهورية التي لم تصبح الأحوال والأوضاع الداخلية فيها على نفس الشنآن الذي كانت عليه قُبيل تظاهرات يناير / كانون الثاني الماضي من هذا العام.
وأصبح من الجليّ الظاهر أن الثوب السياسي الذي نسجه خامنئي على طول البلاد وعرضها، باتت تبرُز فيه الثُقُوب وأصبح الفتق يتسع فيه، وتعددت مرات الخروج عن النص، حتى من صُفوف المحافظين الأُصوليين الراديكاليين أنفسهم.
وخامنئي من وراء قصد معاونيه ومُناوِئيه على حدٍّ سواء، يُرقِع ويَخيط دؤوبًا ساعيًا ألا ينهار الصرح الشمولي الذي شيّده هو والخُميني الذي سبقه، ولكن يبدو أن الترصُد والتحيُن هو فعل كل من يكمنون لخامنئي ينتظرون لحظة الخلخلة لتوجيه ضربات مُثخِنة تنل منه، فكيف حدث هذا؟.
عنترية نجاد
نجاد الذي لا يتوقف الحديث عنه، ولا المشهد العام أصبح مُجافيًا له؛ إذ إنه أضحى لا يُفوّت فرصة ولا لحظة دون إطلاق غارة على النظام الإيراني بإجماله غير مُستثنىٍ هذا.
ففي مطاع آذار / مارس المنصرم، هاجم الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، النظام الإيراني بشدةٍ، واصفًا السلطة بـ”الحلقة المغلقة التي وصلت إلى مراحلها الأخيرة وستسقط قريبًا”.
لقد كانت رسالة مُدوَّنة على موقع دولت بهار، التابع لتيار نجاد، كانت تنضح بالعنترية والجرأة والتي عُهِد بها نجاد حديثًا ولم تكن قرينة به قط سلفًا، حتى أنه قال: “وعلى الرغم من أن هذه الحلقات المغلقة تتكون من عناصر متجزئة عن بعضها ومتنافسة فيما بينها، إلا أنها في الواقع تشكل فئة واحدة ومتسلطة على مراكز الحكم والثروة في البلاد، وتتمتع بامتيازاتٍ خاصة تميزهم عن عامة الناس”.
ثم شن غارةً أُخرى، فرمى النظام بالشمولية والديكتاتورية إذ نوه نجاد إلى أن النظام الحاكم في إيران لا يسمح لأي تيار وأي شخص مستقل لا تتوافق أهدافه ومشاريعه مع مشاريع النظام من الوصول للسلطة، وأنه يتم استخدام صلاحيات فوق القانون، للاستفادة من موارد الشعب.
كما أكّد أنه لا عدالة ولا حُقوق إنسان في إيران وسيستمر الفقر والفساد طالما ظل هذا النظام الحاكم وفكره في سُدة الحكم.
انتقل نجاد للنقطة الأشد إثارةً وخطورة، حينما دعا الشعب الإيراني بإسقاط ما سماه “حلقة الحكم المغلقة”، وأنه لا بُد من تعطيلها وكسرها؛ إنقاذًا للسيادة الوطنية والشعبية من العواقب الوخيمة.
ثم استتبع هجومه بصراحةٍ مفرطة، حينما لفت إلى أن الإصلاحيين والمحافظين متنافسون ظاهريًا، ولكنهم حلفاء بالعمل ضد الشعب، وأنهما يحافظان على الوضع الراهن لحماية النظام الذي يمنحهم فرصة استثنائية وغير محدودة للاستفادة من السلطة والثروة في الجمهورية.
لم يكُن ليقف هجوم نجاد، لأنه وطأ بقدمه في خطابه منطقةٍ ملغومةٍ ومشتعلة قد تُعجِل بحتفه السياسي أكثر من أي وقتٍ آخر، عندما خاطب ولأول مرة المجتمع الدولي، واتهمه بدعم النظام الإيراني والحفاظ عليه، وأن نظام الهيمنة والاستعمار على العالم، في هذا الصراع القائم بين الشعب والنظام يقف بوضوح إلى جانب الطبقة القوية والمؤلفة من التيارات التقليدية المُمثَّلة في المحافظين والإصلاحيين في البلاد.
وفي نهاية خطابه، توقع نجاد نهاية حكم الحلقة المغلقة قائلًا: “قريبًا، وبيد الشعب القوية، والتي هي يد الله، ستنهار هذه الحلقة الضيقة، والشعب الإيراني العظيم والمتوحد سينطلق على طريق التقدم والازدهار والتنمية والحرية والعدالة بوتيرةٍ أسرع”.
خطاب مجموعة الثلاثمائة
في مطلع هذا الشهر، ومنذ عدة أيامٍ قليلة تدقيقًا، نشر موقع “دولت بهار” رسالةً وجّهتها ثلاثمائة شخصية للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية انتقدوه فيها انتقادًا لاذعًا، شاملًا الوضع الداخلي في إيران.
وقد أعربت هذه الشخصيات، التي تضم مسؤولين حكوميين وأكاديميين ونشطاء من الطلبة ونُخبًا، عن قلقها إزاء الوضع الراهن الذي تعيشه البلاد، وأكدت ضرورة البدء في إصلاحاتٍ رئيسية وشاملة.
وكان خطاب المجموعة في الرسالة: “لم نخاطب معاليكم سابقًا، ولكن الوضع الحالي هو ما دفعنا إلى ذلك، فالنظام الإيراني أصبح هشًّا من الداخل، وعُرضةً للانكسار، ونظرًا إلى أن البلد بحاجةٍ إلى إجراء إصلاحاتٍ عاجلة، فإنه لا يُوجَد مسؤول في إيران يمتلك السلطة التي بيدكم شخصيًّا كمرشد للبلاد، لذلك فإن طلب المساعدة من شخصٍ آخر في النظام لا تُجدِي نفعًا”.
وأضافت المجموعة قائلةً : “خِلافًا لما يُروَّج في البلاد، فإن العدالة والحرية والديمقراطية وحتى استقلال إيران كدولة؛ هو اليوم في حالةٍ سيئة، اليوم وبعد مرور أربعة عقود من انتصار الثورة، عندما ندرس عمل المؤسسات السيادية في البلاد، فما نلاحظه ليس مجرد أخطاء أو مشاكل صغيرة أو حتى كبيرة، اليوم جميع المؤسسات الحاكمة، تقريبًا، تسير في الطريق المعاكس تمامًا، وتعمل خِلافًا لتطلعات الشعب الإيراني”.
كما أشارت أن الانتخابات الرئاسية، ما كانت إلا عملية اختيار بين السيء والأسوأ، ورأوا أن مُنتخِبي روحاني ليس لديهم أي أمل في تحسين أوضاع البلد، وتشعر الجماهير أن الحكومة لا تمثلهم، بل تقف ضدهم.
وإشارةً إلى عمل البرلمان، قالت المجموعة أن البرلمان الذي يُفترَض أن يكون “بيتًا” للشعب، وتُمثِّل أشخاصًا استثنائيين يتم انتخابهم من قبل الشعب، أصبح في وضعٍ لا يبعث على الأمل. معبرةً عن عجزه عن إصدار أي قانون قوي وطني لصالح الشعب الإيراني، كما أن آليات البرلمان الانتخابية قد صُمِّمت بشكلٍ لا يمكن أن تدخله شخصياتٍ مسؤولة تحمل هموم الناس وقضاياهم، كما أن النواب من ذوي التعليم غير الأكاديمي، وغير كفؤين، ولا يمثلون مصلحة الأمة الإيرانية، ويعملون لمصالحهم الخاصة فقط.
واستمرت المجموعة في إطلاق قذائفها، فهاجمت مجموعة الشخصيات السلطة القضائية، وذكرت أن السلطة القضائية التي من المفترَض أن تكون مسؤولة عن حماية الناس من المعتدين على حقوقهم، أصبحت مركزًا لممارسة الظلم على الناس وضياع حقوق الشعب الإيراني.
وهاجمت المجموعة أيضًا، مجلس صيانة الدستور، واتهمت إياه بأنه عِوضًا عن أن يحافظ على مصالح الشعب الإيراني من التجاذبات والصراع بين التيارات السياسية في البلاد، أصبح يعمل لصالح تياراتٍ وشخصياتٍ خاصة، ويمنع الشعب الإيراني من أن ينتخب الشخصيات التي هو يريد انتخابها.
وأبرز مثال على ذلك، أن مجلس صيانة الدستور في الانتخابات السابقة رفض ترشيحات أغلب الإصلاحيين، ورفض أيضًا ترشيحات أنصار نجاد. رُغم أن إحدى أهم وظائفه كمجلس هي الموافقة على المرشحين لرئاسة الجمهورية، ومجلس الخبراء، ومجلس الشورى.
ثم انتقل الأمر إلى مهاجمة السياسة الخارجية الإيرانية ذاتها، وقالت إنه: “بسبب السياسة الخارجية السلبية التي تنتهجها طهران، فقدت إيران مكانتها وشعبيتها بين قطاعات كبيرة من شعوب المنطقة والعالم”.
ثم كانت هناك مرحلة جديدة ظهرت في انتقاد الرسالة دور هيئة الإذاعة والتلفزيونى-وجدير بالذكر أن هيئة الإذاعة والتليفزيون هي واحدة من أهم أذرع المرشد، وهي أحد الأجهزة التي ضاق بها روحاني ذرعًا في البلاد ويرغب في تغيير سياستها-، وقد كان الانتقاد؛ “لعدم طرح الهيئة القضايا والمشاكل التي يعاني منها المواطن الإيراني، وأصبحت تعمل على هندسة الرأي العالم لصالح جماعاتٍ سياسيةٍ خاصة”.
روحاني وسهمٌ من بعيد
نقلًا عن موقع عربي 21، وفي أواخر مارس / آذار الماضي، نشر مركز الدراسات الاستراتيچية التابع للرئاسة الإيرانية، مقطع ڤيديو بعنوان “أنت ترتكب الخطأ أيها القائد”.
لقد كان مقطع ڤيديو يتحدث عن سقوط الطائرات الكارثي، وأن خطأ قائد الطائرة هو الذي يتسبب في سقوط الطائرة ويُودِي بحياة كل من على متنها؛ إذ أنه لا يستمع لنصائح مساعديه.
المقطع كان مفاده تحميل قائد الطائرة جميع الأخطار التي تتعرض لها الطائرة، مشيرًا إلى مثال القائد الذي يقوم “بصفع من يقول له: أيها القائد أنت ترتكب الخطأ”.
كان المقطع يتناول شُروحًا لقصةٍ حدثت في كوريا الجنوبية، قبل عدة عقود، حول ارتفاع نسبة سقوط الطائرات المدنية، واكتشف الخبراء من خلال المحادثات في الصندوق الأسود؛ أن هناك خللًا في ثقافة كوريا الجنوبية تسببت في سقوط الطائرات، وتتمثل في أن مساعدي قائد الطائرة يتخوفون من تنبيه القائد حين يرتكب خطأً ما، ومن ثمة تسقط الطائرات بسبب قادتها، وأسلوب إداراتهم للطائرات.
وأشار المقطع أن على القائد أن يستمع لنصائح المهندسين والمساعدين، وانتهى المقطع بالقول: “أنا أتحدث عن السقوط!، عن كل سقوط لا تتم مصارحة القائد به، والقول له: أنت مخطئ أو ترتكب خطأ أيها القائد”.
من الوهلة الأولى عند النظر لمقطع الڤيديو الذي نشره مركز الدراسات، فالاعتقاد الراسخ لدى الناظرين، وما أُقِي في أذهانهم عند قراءة العنوان، فإن هذه رسالة مُوجَّهة إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، وهذا يحمل خطابًا من روحاني إلى المرشد لتبيين خطورة الوضع الإيراني وما آلت إليه أمور البلاد ،التي تتجه نحو سقوطٍ اقتصاديٍّ وشيك، أو حتى نحو الحرب مع أمريكا وحلفائها في المنطقة، وهذا ما أشارت إليه الصحافة الإيرانية.
#نستكمل تحليل وقراءة الرسائل الثلاث في الجزء القادم.