جيروزاليم بوست
تتفاخر وسائل الإعلام الإيرانية بعد قمة ناجحة في تركيا ما بين الرئيس التركي ونظيريه الروسي والإيراني. لكن إيران لم تكن الرابح الوحيد في الاجتماع الذي عُقِدَ لمناقشة مستقبل سوريا. وتشعر كل من روسيا وتركيا أنهما تحققان أهدافهما في سوريا على حساب الولايات المتحدة. ووالتقى القادة الثلاثة، بينما واشنطن لم تكن قد عقدت عزمها بعد بشأن ما يجب القيام به في سوريا، حيث يوجد جنود وقواعد تابعة لها هناك، تعمل على هزم تنظيم الدولة الإسلامية.
التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الإيراني حسن روحاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أنقرة لاجتماعهم الثلاثي الثاني حول سوريا. الثلاث دول تعتبر نفسها “الدول الضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا”، وفقاً لما ذكرته وسائل إعلام سبوتنيك، وقد شارك الثلاث مسبقًا في محادثات أجريت في “أستانا” تتعلق بـ “مصالحة”. وقد تغيبت عن كل ذلك الولايات المتحدة، التي يستحوذ شركاؤها من بين القوى السورية الديموقراطية على حوالي ثلث سوريا. وقد أوصلت قمة أنقرة رسالة بأن الولايات المتحدة لن تلعب دورًا في سوريا في المستقبل.
وتتحدث التعليقات الواردة من قمة أنقرة عن”وقف إطلاق نار دائم” و “سلام واستقرار” بالإضافة إلى “التزام قوي ودائم بسيادة واستقلال ووحدة سوريا، وسلامتها الأقليمية،والمحافظة على طابعها الغير طائفي”. وكانت الرسالة إلى واشنطن هي أن الولايات المتحدة تضر تلك “الوحدة” و”سلامة الأراضي” بتأييدها للقوات السورية الديموقراطية، وبحربها المتواصلة ضد تنظيم داعش.
في العامين الماضيين، كان لدى روسيا العديد من الأجندات للعمل بشكل أوثق مع تركيا. فأولًا، تشعر موسكو بخيبة أمل تجاه الولايات المتحدة التي طردت عشرات الدبلوماسيين الروس، واتهمت روسيا بالتدخل في الانتخابات الأمريكية. ثانياً، تريد موسكو تشجيع الانقسام التركي-الأمريكي في سوريا، بتأييدها لتركيا ضد الأكراد، من أجل تقويض حلفاء الولايات المتحدة. كما أن موسكو تريد أن تنهار علاقة تركيا بحلف شمال الأطلسي. وهناك أيضا عنصر اقتصادي؛ فتركيا تقوم ببناء محطة للطاقة النووية مع موسكو، وقد بدأت عملية البناء هذا الأسبوع في مشروع بقيمة 20 مليار دولار.
تشعر تركيا بمزيد من الثقة بعد سلسلة الاجتماعات هذه. وقد كانت تركيا تهدد الولايات المتحدة وشركائها في سوريا خلال الأشهر الماضية. كما أنها ايضًا زادت من دورها العسكري في سوريا، مستولية على عفرين من وحدات حماية الشعب الكردي. في الرابع من أبريل، قالت وزارة الشؤون الأوروبية التركية أن تركيا لا تريد “أن يقوم أي من جنودنا بتدريب إرهابي من وحدات حماية الشعب”، وهي إشارة خفية إلى التدريب الأمريكي في سوريا. كما ذكرت أنقرة بعد الاجتماع مع الإيرانيين وروسيا أنها لن تتوقف حتى تجعل جميع المناطق الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب “آمنة”.
ونشأة الوحدة بين روسيا وإيران وتركيا أمر يتناقض بشكل صارخ مع الانقسام داخل الإدارة الأمريكية. فمنذ أن بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في التلميح إلى انسحاب الولايات المتحدة، والبنتاجون يحاول أن يصد رغبته. وذكرت شبكة سي إن إن أن فريق الأمن القومي لترامب حذر من الانسحاب و”قدم المسؤولون العسكريون رأيا شبه جماعي بأن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا سيكون خطأ”. وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دونفورد، أن روسيا وتركيا وإيران سيرغبون في النهوض بمصالحهم إذا ما انسحبت الولايات المتحدة.
المشكلة هي أن الولايات المتحدة ليس لديها خطة واضحة الآن لسوريا، في حين يبدو أن خصومها لديهم واحدة. قد يكون هذا أكثر وضوحاً على السطح مما هو عليه في الأسفل، لأن روسيا وتركيا ظاهريًا في الجانب المضاد من الحرب السورية، لكنهم في الوقت ذاته معارضين لدور الولايات المتحدة. وباستبعاد الولايات المتحدة من المحادثات حول سوريا، ترسل هذه الدول رسالة واضحة أنه لا يوجد سبب لوجود واشنطن في غرفة المحادثات، حتى عند مناقشة القضايا الرئيسية كامتلاك الولايات المتحدة قوات هناك. وقد بدأت عملية التخلص من واشنطن ودورها في سوريا، أثناء حكم أوباما، عندما وافقت روسيا وتركيا على محادثات السلام في “أستانا” في ديسمبر عام 2016، وكانت الولايات المتحدة هناك بصورة شكلية كمراقب فقط، وشركاؤها من قوات سوريا الديمقراطية لم يتم دعوتهم. وتوضح القمة الأخيرة المدى الذي وصلت إليه الأمور خلال العام ونصف المنصرمين، حيث عُزلت فيهم الولايات المتحدة بشكل تدريجي عن لعب دور في هذه المناقشات. ولا يبدو أن هناك طريقًا لعودة واشنطن، وهذا يعني أن نتائج القمة الأخيرة ستكون لها عواقب على سياسة الولايات المتحدة. وهذا يعني أيضًا أن حلفاء الولايات المتحدة، مثل السعودية وإسرائيل، قد يصبح دورهما أقل في مستقبل سوريا، حتى لو أن ما يحدث في سوريا، سيكون ذا تبعات على المنطقة بأسرها.