واشنطن بوست
مع تعيين جون بولتون كمستشار للأمن القومي، فإن احتمالات انسحاب ترامب من الاتفاقية النووية التي وقعها سلفه مع إيران قد تزايدت بشكل ملحوظ. ولكن لا داعي للهرع، فلو أن ترامب انسحب من الاتفاقية، فليس من المرجح أن تهتاج الجمهورية الإسلامية، فتكثف برنامجها النووي، وتقتل الجنود الأمريكان في الشرق الأوسط مثلًا.
بجانب أن الاحتياطات الحذرة التي يتبعها على أكبر صالحي رئيس وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، هي التي ستسود. فأسلوب تعامله مع سعي بلاده النووي، الذي يمكننا أن نسميه بأسلوب–السلحفاة تهزم الأرنب البري-، سوف يعززه الرجل الذي لا يمكن التنبؤ بأفعاله، الرجل الذي بالتأكيد يخيف الملالي –رجال الدين المحليين – أكثر من غيره: “ترامب”.
ولو تحدثنا عن تاريخ صالحي، فهو فيزيائي نووي تدرب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو شخص مقرب من المرشد الأعلى علي خامنئي. صالحي، الذي أزعجه تكديس الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد السريع لأجهزة الطرد المركزي البدائية1 IR-، والتي لم تمهد لطهران مسارًا فعالًا في مجال الطاقة النووية، أو آخرًا ذكيًا في مجال الأسلحة النووية. فتلك الأجهزة الضخمة كانت تتعطل بسهولة، وكان هناك حاجة إلى آلاف عديدة منها لإنتاج اليورانيوم المخصب، مما يجعل من المستحيل إخفاء أثرها. وكان صالحي راغبًا في القفز إلى أجهزة أكثر تطورًا وسرعة، كأجهزة IR-6 و IR-8.
ومع انتخابات حسن روحاني الرئاسية في عام 2013، مضى صالحي قدمًا في خطته الطموحة لتحديث البنية التحتية الذرية، مشكلته الرئيسية كانت أن الأمر سيستغرق من طهران على الأقل ثمان سنوات لتطوير جيل جديد من هذه الأجهزة. وكان النظام الديني الحاكم وقتها في حاجة إلى اتفاقية الحد من الأسلحة التي لن تسمح فقط برفع العقوبات بل ستتساهل بدرجة كافية وتسمح بتطوير تلك الآلات. وكما شرح صالحي: نحن لا نتعامل معها–قيود الصفقة النووية الإيرانية- كتقييد لنا. لذا أود أن أتحدث عن البحث والتطوير، وأن القيود الواضحة التي قبلناها، ووافقنا عليها، ليست بقيد حقيقي”.
وعلى عكس سيناريوهات كابوس وزير الخارجية الأسبق جون كيري، فمن غير المحتمل أن تهرع إيران إلى صناعة قنبلة، باستخدام أحد مرافقها المراقبة، وآلاف من أجهزة IR-1 التي تتطلبها مثل هذه المهمة.
وسيستغرق الأمر بعض الوقت لإعادة تركيب أجهزة 1000-IR-1m ذي الإنتاجية العالية تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الوقت الحالي. فمثل هذه الأفعال سوف تكتشف، ومن المحتمل أن تكون سببًا في ضربات عسكرية أمريكية.
وتكمن ميزة هذه الأجهزة المتطورة في أن عدد قليل منها قادر على تخصيب اليورانيوم بسرعة أعلى لصناعة الأسلحة. ويمكن إخفاء أثرها بسهولة في أي من المستودعات، مما يجعل من الصعب تعقبها. تلك الأجهزة مفتاح لواقع نووي حقيقي.
لكن الشأن السياسي يزيد من تفاقم هذه المشاكل التقنية، فترامب يقلق الحكم في طهران بصورة واضحة. والنظام هناك مثله مثل الإعلام الغربي، فكثير من الأوروبيين وكثير من الصحافة الأمريكية، خاصةً مسؤولو أوباما السابقين، خائفون بشكل كبير من عدوانية ترامب المتوقعة، وضخم تعيين بولتون من هذا الخوف. ويلخص عنوان نُشِر في أحد إصدارات الحرس الثوري الأمر: “لقد وصل ثور ترامب الهائج”.
لذا من المنطقي، أن نفترض بأن طهران لن ترغب في تحدي ترامب وفريقه الجديد، على الأقل حتى تتاح الفرصة أمام الإيرانيين لاتخاذ احتياطاتهم. وتجدر الإشارة إلى أن أزمة الرهائن الإيرانية وصلت إلى نهايتها عندما حل رونالد ريجان، المشهور بـ”فتى الغرب المتهور” محل جيمي كارتر قليل الحظ. وكانت طهران قد جمدت برنامجها النووي مؤقتًا عندما استعد جورج دبليو بوش لغزو العراق. وقد شرح روحاني مرة أن مثل هذا القرار من الممكن تطبيقه مرة أخرى إذا انسحب ترامب من الاتفاقية النووية: “بالعودة لذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة منتشية بانتصاراتها وعزتها، ولو أننا أظهرنا وقتها سلبية أو تطرف في رأينا، لكان الأمر يشبه وضع السكين في يد ذاك المغرور العنيد جورج بوش. نحن تمكنا من إلقاء تلك المرحلة خلف ظهورنا بتعقلنا . . . نحن استطعنا عبور ذلك المنحنى الخطر بنجاح”.
ولا يستطيع صالحي فعل الكثير من أجل تسريع عملية تطوير أجهزة الطرد، ففي العادي، يتطلب الأمر على الأقل عشر سنوات لتصميم وإنشاء بجيل جديد منهم. وهذا هو السبب وراء رغبة صالحي وخامنئي وروحاني وعلماءهم النوويين في الحفاظ على الاتفاق وبالتالي الحفاظ على إنجازاتهم الناجحة.
قد يستمر النظام الديني الحاكم في مباشرة بعض أنشطته النووية، كبادرة تحد لترامب، فقد يقوم بإعادة تثبيت بعض من أجهزة الطرد المركزي الخاصة به، ويواصل تحسين أجهزة IR2m. وقد يقوم بتخزين اليورانيوم الذي كان من المقرر أن يتم شحنه للخارج. وحتى من الممكن أن يقوم بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20%.
كل تلك التحركات مثيرة للمشاكل، ومن شأنها إثارة العناوين الرئيسية اللاهثة، لكنها في الوقت نفسها بالكاد ستمثل دافعًا لصنع قنبلة. فطهران لا يمكنها امتلاك أسلحة فعلية قبل أن ينتهي صالحي من عمله على تلك الأجهزة المتطورة. وكانت فرنسا قبل إكمال الاتفاقية، قد قالت أن الغرب لديه أكثر من حل لخفض أو حتى إيقاف طموح إيران النووي. وهي لم تكن –كما قال الرئيس أوباما- طريقه أو حربه. فباريس كانت تنوي أن تتبع نهجًا أبطأ، وتقدم تنازلات أقل، وتفرض عقوبات أكثر تأثيرًا.
واشنطن الآن، وحدها، عليها أن تمتلك نية اللعب بقوة مع طهران، والإصرار على أن خياراتها العسكرية دائمًا ستتواجد، ولكن مهمتنا الأساسية يجب أن تكون في الضغط على السلطة الحاكمة هناك بلا هوادة. فلا زال بالإمكان ممارسة ضغط اقتصادي هائل على طهران. وقد كشفت المظاهرات الأخيرة المناهضة للنظام في كل إيران، أن الإحباط الاقتصادي والاشمئزاز السياسي منتشران في مناطق كان الملالي قد افترضوا أنها لا تزال مخلصة لسلطتهم الدينية.
ويجب علينا دومًا الرغبة في نظام مختلف. الجمهورية الإسلامية ما هي إلا بقايا سيئة من القرن العشرين، كلما عُجِل بسقوطها، كلما كان الشرق الأوسط في أمان أكثر.