يبدو أن المهندس والرئيس المحافظ السابق، أحمدي نجاد، لا يريد أن يُوقِف قصفه على خامنئي ونظامه، كما أنه لا يود أن يدفع ثمنًا باهظًا ذا ضريبةٍ بكُلفةٍ لا يُستطاَعُ تحمُلها، مثل من سبقوه، أمثال مير موسوي، ومهدي كروبي، وآخرهم محمد خاتمي، الذين أصبحوا الآن حُبساء ديارهم لا صوتَ لهم، ولا رأي.
يشُن المحافظ سابقًا، والمعارِض الحداثي حاليًّا، غاراتٍ لا تتوقف، لاسيما في الشهرين الأخيرين، واللذين شهدا الانتفاضة الجماهيرية ضد نظام الثورة وتبعاتها، ليس فقط على روحاني وحكومته وحزبه والقابعين من التابعين له في مؤسسات الجمهورية، بل امتد الأمر إلى رأس نظام الثورة، وأعلى مناصبها على الإطلاق، وأكثر من تحوز السُلطات في راحتي يديها، منصب الإرشاد، الذي يقُم بمهامه حاليًّا، مرشد الثورة، علي خامنئي.
وكان قد نفى كُلٌ مِن علي رضا نجاد، نجل نجاد، وعلي رضا متاجي، أحد المقربين من تيار نجاد، ومحاميّه الخاص، عادل حيدري، خبر اعتقال أحمدي نجاد، وأنها غير مُطابقةٍ للواقع.
أحداثٌ متتابعة
في مطلع يناير هذا العام، هاجم أحمدي نجاد، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام ورئيس الهيئة العليا لحل الخلاف وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث، سيد محمود شاهرودي؛ بسبب سفره للعلاج في ألمانيا. وقال في تغريدةٍ له على حسابه على موقع تويتر: “الكثير من أبناء وطني ليس لديهم تكلفة العلاج في المستشفيات داخل إيران، بينما هناك من يتعالج بأموال هؤلاء الناس، الذين لا يمتلكون العلاج في المستشفيات داخل إيران، في المستشفيات الأوروبية”.
في منتصف شهر فبراير هذا العام، وقف نجاد من أمام محكمة الاستئناف في العاصمة طهران منتقدًا مرشد الثورة علي خامنئي، مباشرةً، قائلا إنه لا يستطيع أن يستمع لشكاوى ومطالب الناس، مثله مثل أي مؤسسة في البلاد. وأنه كيف يُعيِّن بنفسه رئيس السلطة القضائية ويُصبح غير مسؤول عن عملها كمؤسسة، وانتقد القضاء الإيراني أيضًا، لمنعه من حُضور جلسة محاكمة نائبه الأول، حميد بقائي، ووصفه بأنه تجاوز أعين الرقابة والمحاسبة في البلاد.
وشنّ أثناء هجومه غارةً على السلطات الأمنية، واتهمهم قتل المعارضين قائلًا: “من حق الناس أن يتكلموا بحرية عن حقوقهم، ودور النظام ومؤسساته هو الدفاع عن حقوق الشعب، ولكننا نشاهد اليوم أن أصغر اعتراض من الناس يُواجَه ويُرَّد عليه بقوة، وعندما يخرج صوت أحد هؤلاء الناس الغاضبين يتم اعتقاله ويُزَّج به في السجون، ثم يُسلَّم إلى أهله جثةٌ ميتة، ويقولون لأهله أنه مدمن أو أنه انتحر”.
وانتقد هيمنة فئة قليلة، على مؤسسات الحكم في البلاد، وأوضح أن الثورة الإيرانية قامت من أجل العدالة وإعطاء الحقوق لأصحابها، غير أن أصحاب السلطة حقّروا الشعب وأذّلوا الإيرانيين، وهاجم الطبقية وصراع الفئات المجتمعية في الداخل الإيراني حتى أنه قال، أن هنالك من ستنفجر بطونهم لكثرة ما أكلوا، واستفادوا من كونهم في السلطة.
لم يتوقف نجاد عند كل هذا، بل تمادى في النقد، حتى أنه بشّر الإيرانيين بأن “التغيير قادم”، وأن إرادة الأمة الإيرانية ستُغيِّر الوضع، ولن يكون هُنالك اضطهاد بعد ذلك.
في مطلع فبراير، ونقلًا عن موقع “أنصاف نيوز” الإيراني، قام نائب نجاد الأول ومساعده السابق، حميد بقائي، بالكشف عن وجود مخطط ومشروع تحت عنوان “شورى القيادة” بدلًا من حكم القائد الواحد “المرشد ” في إيران، يدور هذا المشروع ويجول في عقل المسؤولين القائمين على السلطة في إيران.
وقد طلب بقائي من السلطة القضائية متابعة قضية شورى القيادة، والتي يريد النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، تطبيقها، قائلًا: “هل شورى القيادة مذكورة في الدستور الإيراني؟ لماذا السلطة القضائية لا تتابع هذا الملف؟”. حتى أنه تساءل قائلًا: “هل يحمل إسحاق جهانغيري النائب الأول للرئيس الإيراني، حسن روحاني، مشروع شورى القيادة في رأسه؟”.
وتوجه صوب اختصاصات ما نستطيع أن نُسمّيها “خامنئية” بحتة، حينما قال أن “النقطة المثيرة هي في إصدار قرار حل صندوق الشهداء، ونقل أُصُول الصندوق إلى المرشد أو شورى القيادة التي تكون بديلًا عن القائد الواحد في البلاد”.
في الأسبوع الأخير من شهر فبراير، صعّد نجاد من هجومه على خامنئي، فبعث إليه برسالةٍ شديدة اللهجة، حول الأحداث الراهنة التي تمر بها البلاد، طالبه فيها بتنفيذ مطالب عدة بشكلٍ عاجل. كانت الرسالة مُدجَّجة بالمطالب التي تنل من سلطات مرشد الثورة.
دعا نجاد إلى ضرورة تغيير الدستور الإيراني؛ لتنفيذ الإصلاحات داخل السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية، والإصلاحات داخل مكتب بيت المرشد. ودعا أيضًا إلى الحرية، والاعتراف بحق الشعب في حق تقرير مصيره. بالإضافة إلى دعوته لإجراء انتخاباتٍ رئاسيةٍ وبرلمانيةٍ حرةٍ عاجلة، دون “هندستها أو تكييفها” عن طريق مجلس صيانة الدستور وإشراك المؤسسات العسكرية والأمنية في هذه الانتخابات، والسماح للشعب الإيراني بالانتخاب بحرية.
كما طالب بتغييرٍ فوريّ لرئيس السلطة القضائية، علي صادق لاريجاني، وتنصيب شخص آخر عِوضًا عنه تتوافر لديه الخصائص والشروط المنصوص عليها في الدستور الإيراني، وإنشاء سلطةٍ مستقلة لاستقبال شكاوى الناس التي تُرفَع ضد السلطة القضائية.
لم يتوقف نجاد عند هذا الحد بل طالب بإصدار أمرٍ يقضي بإطلاق سراح جميع المعتقلين والموقوفين، مشتملًا ذلك على معتقلي الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة، وإطلاق سراح المعتقلين المتهمين بانتقاد خامنئي نفسه، والمتهمين بالعمالة والعمل ضد النظام، بل أنه طالب بإدراج النشطاء السياسيين ومواطني الشعب في تنفيذ الإصلاحات في البلاد.
واختتم نجاد رسالته إلى خامنئي، والتي نُشِرت على موقع “دولت بهار”، وتُرجِمت من قِبل موقع “عربي 21” قائلًا: “آمل أن تستمر عملية المطالبة بتنفيذ الإصلاحات الأساسية في البلاد، وأن تتحقق طموحات الشعب الإيراني ومطالبهم ورضاهم لأنهم هم المالكون الرئيسيون للثورة والبلاد، والتنفيذ الصحيح لهذه المطالب سيكون مؤثرًا وفاعلًا في استعادة ثقة الجمهور بالنظام الإيراني”.
حليف الشيطان
مُراسِلة صحيفة “فايننشيال تايمز”، في العاصمة الإيرانية طهران، نجمة بوزورغمهر، نشرت تقريرًا حول أحمدي نجاد، ذكرت فيه أن الرئيس الثوري السابق، محمود أحمدي نجاد،أصبح “حليف الشيطان” بعد أن كان يومًا ما “معجزة الألفية الثالثة”، كما كان يُسمّى من ذي قبل، من قِبل الفصائل المتشددة، وبما أصيح يُسمّى حاليًّا.
يأخذنا التقرير نحو وضع رؤيةٍ تفسيريةٍ لأفعال أحمدي نجاد الثورية والتي لا تتسم بأي حالٍ من الأحوال مع ما كان عليه سابقًا، فنجاد، يعتبر كثيرٌ من الإيرانيين أن فترة رئاسته هي الأكثر كارثيةً في تاريخ الجمهورية، والتي شابها قائمةً مُطوَّلة من التهم الخاصة بالفساد والقمع والعقوبات كما تصف نجمة، فغاصت البلد في رُكودٍ اقتصاديٍّ عميق، وعُزِلت إيران عن جُزءٍ كبير من العالم.
وصف التقرير نجاد بأنه “أصبح قوةً تخريبيةً بشكلٍ متزايد” ،وأنه بات يُحرِج المحافظين وتيارهم السياسي، نجاد أجّج غضب النظام، وأزاد من جُرعة الانتقام المُوجّهة لزعمائه، واتهمهم بعدم الفاعلية، لاسيما في توقيتٍ، كما تصفه نجمة، شديد الحساسية إذ يُواجِه نظام الجمهورية الإسلامية سُخطًا اجتماعيًا عامًا، وضغوطًا من أمريكا، بخصوص دورها في الصراعات الإقليمية، وبرنامج صواريخها الباليستية. فوجّه سيل هجماته نحو الأخوين المحافظين المتشددين لاريجاني، صادق وعلي، واللذين يتسيدان مناصب القضاء والبرلمان على الترتيب في إيران،
لماذا ينتقم نجاد من الأساس من نظامه وأبناء تياره ومرعاه الأول؟
نحن نستطيع أن نُؤوِل ما أبرزته نجمة في تقريرها على لروايتين أو جانبين وهُما:
الرواية الأولى تدور حول ما نقلته الصحيفة عن سياسيٍّ إصلاحيّ، قوله: “رسالة نجاد للنظام هي، إن لم تأخذوا وجودي بشكلٍ جاد فسأُخرِّب لكم اللعبة، وبطاقة القوة الوحيدة التي يملكها هي قوله (أنا موجود) وأن يستفز الناس”. فيرى نجاد أنه إذا كان غالبية الناس ضد المرشد الأعلى، فلأكُن معهم، ولذلك يريد أن يكون صوته أعلى من صوت الإصلاحيين.
الرواية الثانية مفادها، أن ما يفعله نجاد هو رد فعل استباقي ردعي كما نستطيع أن نُسمِّيه، إذ تُورِد الصحيفة نقلًا عن القضاء، قوله بأن لديه ملفات ومستندات على أحمدي نجاد، ترتبط بقضايا وتُهم فساد حدثت إبان رئاسته من عام 2005 إلى 2013، وقال مُدعِّي الحكومة، فايز الشجاعي، العام الماضي إن: “الخسائر التي تسببت بها قرارات أحمدي نجاد كثيرة جدًا، ولا يمكن متابعة جميعها”، مضيفًا أن هناك سبع قضايا ضد نجاد خاصة بـانتهاكاتٍ مالية، خمس قضايا منها تتعلق بقطاع النفط.
ويبدو أن هذا هو الاعتقاد السائد بين الإيرانيين، إذ أن التقرير يُنوِّه إلى أن بعض الإيرانيين يعتقدون أن هجمات أحمدي نجاد هي محاولة لصد أي احتمال لمحاكمته في قضايا ضده، مشيرًا إلى أن الرئيس السابق يُنكِر ارتكاب أي خطأ، ويقول إن حكومته كانت “الأنظف”.
كما نقلت الكاتبة، نجمة بوزورغمهر، عن أحد المُطلِّعين في النظام، قوله: “نيّة أحمدي نجاد هي إنقاذ نفسه من التهم ضده، حتى لو كان الثمن تدمير سلطة المرشد الأعلى، إنه يريد القول إنه وقع في المشكلات بعد مهاجمته للمرشد الأعلى، ويزيد من تكلفة محاكمته بتهم الفساد”.
على الجانب الآخر، نجد أن خامنئي يُريد أن يُظهِر عينه الحمراء لنجاد،إذ قال في خطابٍ له في ذكرى الثورة ال39 للثورة الإسلامية في إيران، أن نظامه ليس في خطر، ويجب أن يعلم الجميع أن الجمهورية الإسلامية قويةٌ، قويةٌ جدًا. أيضًا يريد روحاني والإصلاحيون من ورائه، تفويت الفرصة على نجاد، عندما ألمح إلى استعداده إجراء استفتاءاتٍ حول القضايا التي تقسم المتشددين والإصلاحيين.
وهذا يعني أن هُناك قلقًا ينتاب روحاني وخامنئي، رُغم شعبية نجاد الضئيلة، ولكنه يستطيع أن يُحرِّك ويُشجِع الجماهير على المعارضة الكُلية للنظام، بل والتنفيث عنها في صورة احتجاجات وإضراباتٍ ومظاهرات.
الجزاء
ألمح تقرير الفايننشيال إلى نقطةٍ هامة، وهي أنه وكأن خامنئي يحصد ثمرته التي غرسها منذ عهد نجاد، عندما شدّد من الفكر المحافظ ومتّنه وانبرى في تطبيقه في البلاد، ونثر “الشعبويــــــة” في أرجاء الجمهورية، وأتى بالمحافظ المتشدد، أحمدى نجاد على رأس السُلطة لفترتين متتاليتين، دفعت فيهما إيران والإيرانيون كُلفةً باهظةً، فقامت سابقةٌ لم تحدث من ذي قبل، إذ انتشرت المظاهرات ضد النظام منذ الثورة الإسلامية عام 1979، واستمرت المظاهرات لأشهر، ومات حوالي 100 في الاضطرابات، وذكر خامنئي حينها مع خروج مئات الآلاف إلى الشوارع إن وجهة نظره أقرب إلى أحمدي نجاد، وهذا كان مما أجَّج غضب المتظاهرين.
وأن هذه التظاهرات أوجدت حالةً أو نوعًا من التمرُد وعدم الانصياع وفتحت الباب أمام اللثم في جدار النظام وتهديده، وعلى سبيل المثال، أنه منذ ذلك الحين تقوم النساء بتحدي سلطة النظام، بنزعهن غطاء الرأس في الأماكن العامة، في مخالفةٍ لقوانين اللباس للنساء.
إنه خطأ خامنئي الذي يتجرعه الآن، ففي خِضم محاولات إصلاحه ترميمه و لما تُهدِم من ثقة وهيبة النظام في نُفُوس الجماهير، يخرج الذي رعاه سابقًا عليه، لكن خامنئي على استعدادٍ أن يفعل أي شيء لحماية نظامه.
فقد ختمت فايننشال تايمز تقريرها بالإشارة إلى قول شخصٍ مُطلعٍ من داخل النظام: “إلى الآن فإن سياسة النظام هي أن تقطع يديه بمحاكمة أكبر حلفائه -حميد بقائي-، لكن إن فكر يومًا في استهداف المرشد الأعلى فإنه سيُوضَع قيد الإقامة الجبرية مباشرةً”.
جدير بالذكر أن هذا الاستنتاج قد أشرنا إليه مسبقًا في تقريرنا، يمكنكم الاطلاع عليه عبر هذا الرابط، “نجاد: كيف تكون نهاية رئيس سابق تمرد؟“.
نستنتج من كل هذا أن نجاد، كما أشرنا في العُنوان، يأبى أن يُدفَن حيًّا، ويحاول التملُص بقوة من النهاية المحتومة لمن تمردوا من القادة، سواء المعارضين للنظام أو المحسوبين عليه. خاصةً أنه لم يُسمَع من قبل تقريبًا، أن مسؤولًا في إيران انتقد علنًا خامنئي أو سُلطاته. والذي يُعَد انتقاده جريمةً يُعاقب عليها القانون، ولكن لسنا نعلم هل يُدرك نجاد أو لا، حول أن أفعاله وسلوكياته تلك لا تجعله يتملص أو يتنصل من العقاب المغيب عنه، بل أن هذا يجعله يغوص أكثر نحو مصيره المحتوم ولن يكون بمفازةٍ من العقاب حينها.
المصادر