نستعرض في هذا التقرير قراءةً تلخيصية للوقوف على أبرز نتائج واستنباطات ظِلال النار.
إذ جنحنا إلى إسرائيل، سسنجد أنها لديها مخاوف ومحاذير مما قد وصلت إليه إيران في الأراضي السُورية، وقد ضاقت ذرغًا من التسويف الرُوسي بأنها سوف تردع إيران وتمدُّدها في سُوريا، وضاقت أيضًا من عدم البتّ الأمريكي في الأمر، وهي التي لطالما قد طالبت الولايات المتحدة مِرارًا وتِكرارًا بالتدخُل الفوري بصدد هذا الأمر ولا غيره.
فاضطرت إسرائيل إلى الرّد الفوري -مع الأخذ أنه قد قامت إسرائيل بهذه الفِعلة كثيرًا لكن دون علانيةً-. وهذه المرة كانت إسرائيل تُواجِه ليس جيش النظام السُوري، بل كانت تواجه ميلشياتٍ إيرانية لديها ميكامزمات واستراتيچياتٍ عسكريةٍ جديدة، وهذا هو الأمر الفصل في تحوُل المجابهة هذه المرة إلى صِراعٍ أو نزاعٍ مؤقَّت أخذ صفة الجهرية.
موقع The Daily Beast وضع يده على نقطتين هامتين أو كما عبّر تقرير الموقع نفسه “وهمين” حاولت إسرائيل أن تُشيدهما لفترةٍ طويلة، كان الأول هو أنَّ إسرائيل ستكون -على المدى البعيد- قادرةً على أن تظل دون مساسٍ من الحرب القائمة في سُورية، وألا تنزلق إلى هذا المستنقع الذي صنعته الأُمم المتحدة ولا تستطع أن تُعالِجه أو ترفع يدها عنه، فرتعت في سُوريةٍ تنظيماتٍ وجبهاتٍ وحركاتٍ ودُوُلٍ لا حصّر لها، وخِيضت معارك وحُرُوب في قُطرٍ تمزق أهله، وتمزقت جغرافيته بين هذه الأطراف، وأخذت إسرائيل تُراقِب الوضع عن كثب لئلا تطال نيران هذه المعارك الأراضي التي احتلتها في سُورية وهي الجولان، وكذلك تُراقِب للفائدة فقد تقع في يديها أيةّ فائدة تتحقق من هذا الصراع الدائر منذ عام 2011. ولكن انهارت آلية تنسيق الأعمال العسكرية، والتخطيط السابق لأي تدخُل أو تصرُف، ودخلت إسرائيل إلى المعترك السوري تحت وطأة الخوف من النُفُوذ الإيراني الذي أصبح ليس له حدّ.
كان وضع إسرائيل بين جحيمين، الجحيم الأول هذا الامتداد الچيوسياسي لدولةٍ تُحاددها وترفع شعارات تحرير القُدس والمسجد الأقصى وتنظر إليها على أنهم عدوٌ عقدي لا بُد من التخلُص منه، وأيضًا قوافل التدريب والأسلحة والتنظيم والاستراتيچيات والإمدادات والدعم اللوچستي الذي تتلقاه تنظيمات على حدود إسرائيل مثل حزب الله اللُبناني، وكتائب عز الدين القسام الفلسطينية، واللتان تُمثِّلان صُداعًا مستديمًا لها.
وتعمل منذ سنين عددًا على إضعافهما، ومثّلت الحرب السُورية متُنفَسًا واستقواءً لهما، والجحيم الآخر هو جحيم عدم قُدرتها على الوُلُوج إلى سُورية دون الحصول على إذنٍ روسيٍّ سابق لئلا يُشعِل هذا نزاعًا دبلوماسيًّا لا تُريده إسرائيل البتة مع قُوة عُظمى في المجتمع الدولي القائم حاليًا مثل روسيا؛ وقد اختارت إسرائيل أن تُمسِك العصا من منتصفها، فتدرأ الجحيم الأول بسُرعةٍ وقوة، وتستطيع عبر خطابٍ دبلوماسيٍّ معسولٍ أن تُوضِح لروسيا مقصودها من الضربة وبُغيتها منها فتُسكِّن الجحيم الثاني.
هزّت قضية إسقط طائرة الــــ F16 الإسرائيلية، واختراق طائرة الدرون الإيرانية جنبات إسرائيل كاملةً، كما يذكر مُحلِّلون عسكريون إسرائيليون، فقد مثلّتا هاتان الحادثتان، ضربةً وصفعةً مركزةً لهيبة إسرائيل أيًّا كانت ومهما كانت في محيطٍ من الحركات والتنظيمات التي ما لبثت أن غبطت وازداد فرحها وأصدرت بيانات تأييدٍ ودعمٍ للضربة، لاسيما أن هذا يُوهِبها أملًا عسكريًا مفادهُ أن الطائرات الإسرائيلية ليس عصّيةً على الإسقاط، إنها الطائرة الأُولى التي تسقط لإسرائيل منذ عام 1982 ميلاديًا.
نتنياهو يعيش حاليًا فترةٍ سياسيةٍ داخلية بالغة السُوء لاسيما بعد أن أصبح تحت مقصلة القضاء مجددًا بتُهم فسادٍ ماليّ وحكومي ويخضع لتحقيقاتٍ جنائية في مزاعم استغلال منصبه، وقامت ضده تظاهراتٍ كُبرى قُدِرت بعشرات الآلاف الذين يحتجون ضده ويطالبون بعزله عن منصبه.
ويحاول نتنياهو التغطية على معضلاته الداخلية، عبر تحقيق انتصاراتٍ ومفاوز خارجية تستطيع أن تُلبِسه قليلًا من الشرعية المعنوية في بلاده، وعلى سبيل المثال وأبرز دليل على رغبة نتنياهو في هذا الأمر، ومحاولة اجتذاب عدسات الكاميرات، وهي محاولةٌ أيضًا لتأكيد أن إسرائيل انتصرت في معركة اليوم الواحد، التي قامت بينها وبين إيران على الأراضي السُورية، عندما رفع قطعةً من حُطام طائرة الدرون الإيرانية، أثناء كلمته في مؤتمر الأمن في ميونيخ، وقام قائلًا: “لديّ رسالة للطغاة في طهران، لا تختبروا عزم إسرائيل”. وأضاف: “إسرائيل ستمنع إيران من التواجد العسكري في سوريا؛ لأنها هددت السيادة الإسرائيلية من خلال إرسال طائرةٍ دون طيار، لكننا دمرناها، ودمرنا مركز قيادتها في سوريا”.
وتابع أن: “علينا التصديّ للنظام الإيراني، وعندما يسقط هذا النظام سيتحقق السلام بين الشعب الإسرائيلي والشعب الفارسي”.
وقد تم تناول سلفًا ما ذكره قائد الجبهة الشمالية حينما ذكر أنه تم استغلال ما حدث لتحقيق ضربةٍ أوسع وإلحاق أذىٍ أكبر بأهدافٍ إيرانية داخل سُورية.
الباحثان توني بدران، وجوناثان ستشانزر، في مقالهما على صحيفة “وول ستريت جورنال”، أكّدا فيما هو مفاده أن العيون أصبحت مُسلطةً على إسرائيل لتقييم تحركاتها التالية، وقد أفادا أنه قد قام ما أشبه أن يكون باختلافٍ في وجهات النظر بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية لإسرائيل، الأولى ترى في تأجيل التعامل مع إيران خطورةً دهماء، بينما الثانية تتخذ خيار التأجيل وعدم الدخول في صراعٍ عسكري والعمل على تجنيبه لأنه قد يُشعل الأمور في المنطقة أكثر مما هي عليه.
وهذا ينُم عن الاختلاف الذي يسود أروقة الداخل الإسرائيلي عن التعامل مع إيران وهو ما يُلقِي بظلالهِ على أن إسرائيل تؤمن أن أية اتفاقيات تقوم في الداخل السُوري تعني أن تمنح مزيدًا من القُوة لإيران ويُساعِدها في توطيد أقدامها في منطقةٍ لم تكُن إسرائيل تُريدُ يومًا أو تتخيل أن تصل إيران إليها، إسرائيل تُريِد أن تُنهِي الأزمة في سوريا لكي تستقر هي الأُخرى ولكنها لا تُريد بأية صٌورة أو أُخرى أن تُنهِيها عبر وُجود إيران بجوارها.
إسرائيل التي لا تريد تصعيدًا، ولكنها في الوقت ذاته لا تُحبِّذ أن تتراجع أمام إيران؛ إذ أن الخسائر من جرّاء هذا التراجع، سيُكبِّدها خسائر لا تُحصَر، فالاشتعال واقع ولكنه ينقُصهُ قليلٌ من الكيروسين.