ترجمة: نداء الحلوجي
دونالد ترامب، محب الدراما والتوترات الناجمة عن الإنذارات الأخيرة، التي تتماشي مع “مدير الحلبة” داخله، نجم عروض الواقع المباشرة السابق، يستمتع بالعالم الذي يحبس أنفاسه في انتظار تصريحه القادم.
وليس من المتوقع أن تكون أي من إنذارات ترامب المتتالية في الفترة الأخيرة أكثر أهمية من هذا القادم في الثاني عشر من مايو.
ففي هذا اليوم على ترامب إما أن يوقع تنازلًا رئاسيًا عن العقوبات المفروضة على إيران، أو أن ينتهك اتفاقية متعددة الأطراف تتعلق بمستقبل إيران النووي الموقعة سابقًا في 2015، بين الحلفاء الأوروبيين؛ بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وروسيا والصين وإيران نفسها. وقد هدد ترامب أنه سيُبقِي قلم توقيعه في جيبه.
هذا التوتر الدرامي حول ما سوف يقرره ترامب يتناقص سريعًا، فالقدر الأكبر من الشك الآن يدور حول مدى سرعة تأثير الأمر على الشرق الأوسط ودخوله في صراع جديد.
وقد أشار ترامب مرارًا إلى عدائه ضد الاتفاقية النووية، وخطة العمل المشتركة الشاملة، مقدمًا طلبات مستحيلة لتغيير الاتفاقية، وعين اثنين في منصبين رفيعي المستوى الشهر الماضي، اثنان قد خصصا الكثير من حياتهما المهنية للحط من قدر الاتفاقية. مايك بومبيو كوزيرًا للخارجية وجون بولتون مستشارًا للأمن القومي. بولتون خصم قاسي، يقف ضد كل أوجه الدبلوماسية متعددة الأطراف، ويعدها علامة على الضعف، ويخص بهذا خطة العمل الشاملة المشتركة.
ففي أغسطس العام المنصرم، كتب بولتون: “يستطيع ترامب –وعليه- أن يحرر أمريكا من هذه الاتفاقية الملعونة في أقرب فرصة”. وكان قد كتبها في الوقت الذي حاول فيه “جون كيلي” كبير موظفي البيت الأبيض، منع بولتون من دخول البيت الأبيض خوفًا من تأثيره العدواني على ترامب، ولكنه الآن في الداخل، قادرًا على إبقاء الأصوات الأكثر اعتدالًا خارج مكتب الرئيس.
وقالت كيلسي دافنبورت، مديرة سياسة حظر الانتشار في رابطة الحد من الأسلحة: “أعتقد أن تعيين بولتون هو مسمار آخر يدق في نعش إتفاقية إيران”.
وفي الآونة الأخيرة التقى الموقعون الأوروبيون على خطة العمل الشاملة المشتركة، بمسؤول كبير في وزارة الخارجية في برلين، في محاولة للتوصل إلى صيغة تتعامل مع الاعتراضين الرئيسيين لترامب في الاتفاقية – الاعتراض غير المعلن هو أن الاتفاقية وُقعت من قِبل إدارة أوباما.
ويبدو أنهم على مقربة من التوصل إلى اتفاق حول التعامل مع شكاوى ترامب التي تخص انتهاء صلاحية بعض القيود حول الأنشطة النووية الإيرانية بعد عدة سنوات، وغياب القيود حول برامج صواريخها.
الأوروبيون سوف يوافقون على الإلتزام باتفاقية لاحقة، عندما تبدأ عناصر خطة العمل الشاملة المشتركة في الانتهاء، وسيضغطون من أجل تطبيق عقوبات على إيران لتطويرها الصواريخ طويلة المدى. ولكن في الوقت ذاته، لن يكون هناك تغيير في خطة العمل. وبريطانيا وفرنسا وألمانيا يوافقون على أن الاتفاقية غير قابلة للتفاوض، وأنها تمثل إلزامًا على المجتمع الدولي كله. لكن ترامب يصمم على وجوب إصلاحها، وإلا فإنه سوف يدمرها.
وقال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين البارزين: “لقد تخلينا عن أملنا. هو يريد إلغاء خطة العمل، وهذا شيء آخر توعد بفعله أثناء حملته الانتخابية، وها هو يفعل”. وأضاف في هذا الصدد أن المحادثات عبر الأطلسي بمثابة “حوار للصم”.
في بروكسل، اقترحت ثلاثة من الدول الأوروبية الموقعة على خطة العمل فرض عقوبات جديدة على أعضاء الحرس الثوري وكيانات أخرى، لتطوير إيران الصواريخ البالستية ودورها في الصراع السوري. دول أوروبية أخرى تقف مترددة. وكل هذا كان سببه سياسة الدفع لحافة الهاوية التي يجبر بها ترامب أوروبا لإيجاد حل للأمر.
وقال روبرت مالي: “على الأوروبيين أن يتجنبوا اتخاذ خطوات من شأنها تعريض الخطة للخطر، من أجل استرضاء ترامب، فيدمروا الخطة بهذه الطريقة، بدلًا من محاولة إنقاذها”. وروبرت مسؤول سابق في وزارة الخارجية وساعد في التفاوض على خطة العمل، ويعمل حاليًا رئيسًا لفريق الأزمات الدولي، وأكمل: “أحد المخاطر التي يتعرضون لها هو أنهم سينتهون بالفشل في تهدئة الإدارة في حين أن الإيرانيين سيزدادون ابتعادًا”.
يرافق وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، جون بولتون لدى وصوله إلى البنتاغون
وقال الرئيس ترامب للصحافيين إنه وتيلرسون لا يتلقيان بخصوص إيران، فتيلرسون يعتقد أنه يمكن إنقاذ الاتفاقية، على عكس بديله “بومبيو” المدير الأسبق لوكالة CIA، والذي سيحضر جلسات التصديق القانوني في مجلش الشيوخ ليتولى منصب وزير الخارجية أواخر إبريل.وفي برلين، كان مدير تخطيط السياسة بوزارة الخارجية، برايان هوك، يمثل الولايات المتحدة في منتصف مارس، بعد يومين من طرد رئيسه، ريكس تيلرسون، بشكل غير رسمي من قبل ترامب.
وقال مسؤولون أوروبيون إنهم شعروا أن تيلرسون كان حريصًا على التعاون معهم من أجل التوصل إلى حل من شأنه أن يحفظ ماء وجه ترامب دون أن ينهي خطة العمل. والآن ترامب، بعد أن طرد رجل البترول التكساسي من منصبه، يشعر بوضوح أن وزارة خارجيته السابقة لم تكن تمثله، بل كانت تحاول ترويضه.
ومع سقوط تيلرسون، فإن هوك الآن يحاول إدارة العلاقات مع الأوروبيين في ظل الفراغ القيادي والسياسي. فالجلسة الصباحية في برلين، تناولت التدابير الإضافية التي كان الأوروبيون مستعدين للتفاوض بشأنها. وأما جلسة ما بعد الظهيرة، فلم تتوصل لشيء حول إصلاح الخطة، فلم يكن هناك نقطة تلاقي ما بين محاولة تعديل الاتفاقية والموقف الأوروبي بأنها غير قابلة للتفاوض.
لاحقًا، قال هوك للصحفيين:”علينا أولًا التوصل إلى اتفاق مع الأوروبيين، وإذا لم نتمكن من التوصل إلى اتفاق معهم، فسنبلغ الرئيس”. وأكمل:”إذا تمكنا من التوصل إلى اتفاق، فسيتم تقديم ذلك إلى الرئيس من قِبل وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي، ومن ثم سيتخذ قرارًا بشأن ما إذا كان يريد للاتفاق أن يستمر، أم أنه سيتوقف عن التنازل عن العقوبات”.وكلا المسؤولين الذين سيقدمون هذا العرض “بومبيو وبولتون” خصوم شديدة لخطة العمل. وليس من المرجح أنهم سيظهرون أي رؤية متهاونة لأي اقتراح أوروبي.
وواحدة من أفضل الفرص الأخيرة لإنقاذ الاتفاق، ستكون في زيارة إيمانويل ماكرون إلى واشنطن في الرابع والعشرين من أبريل، ودعوته إلى جلسة مشتركة للكونجرس في صباح اليوم التالي. ويقول المسؤولون الفرنسيون إن خطة العمل، والجهد المبذول لإنقاذها، ستكون تقريبًا على قمة جدول الأعمال.
أما إذا فشلت كل المناشدات من أجل الوصول لحل، فلا تزال هناك أمور بسيطة يمكن أن يقوم ترامب بتنفيذها. فيمكنه أن يسعى لإلحاق موتِ بطيءِ – كأن لا يوقع تنازلًا عن العقوبات، ويخبر وزارة ماليته بتقييد تطبيق الأمر، فيكون الأمر بمثابة سحب القوس، دون إطلاق السهم حقًا.
أو بدلًا من ذلك، يمكن لترامب أن يترك السهم يطير، فلا يوقع على التنازل، ويطبق العقوبات التي كانت موقوفة كجزء من خطة العمل، ويعلن انسحاب الولايات المتحدة رسميًا من الاتفاقية. ولشرح أكثر لهذه النقطة، يمكن للولايات المتحدة أن تستأنف فرض عقوبات الأمم المتحدة، حتى في مواجهة معارضة من الأعضاء الدائمين الآخرين في مجلس الأمن، في إطار آلية “الإرتداد” المدمجة في الاتفاق.
أي تغيير في هذه الخيارات الرئاسية سيفتح صدعًا عبر الأطلسي. فالدبلوماسيون الأوروبيون يرفضون التكهن حول “الخطة ب”، وهي ما يجب فعله إذا ما أعاد ترامب فرض العقوبات، مدعيين أن جميع مصادرهم تركز على “الخطة أ”: محاولة سد الفجوة مع المكتب الرئاسي الأمريكي.
ومع ذلك ، فقد أصرت العواصم الأوروبية على أنهم سيبقون على ولائهم للاتفاق الذي وقعوه في فيينا في عام 2015. أحد الخيارات قيد النظر الفعلي، يتكون من تدابير مضادة تهدف إلى عزل الشركات الأوروبية عن العقوبات الثانوية (التي لا تستهدف إيران ولكن أي شخص يتعامل معها). وقد تم وضع مثل هذه التدابير المضادة لأزمة عقوبات سابقة على كوبا، لكنها لم تستخدم قط. ويمكن أن تشمل استخدام الحسابات الجارية باليورو لتمويل الصفقات في إيران وخارجها والتي لا يمكن أن تصل إليها وزارة المالية الأمريكية.
وقال دافنبورت: “أعتقد أنه مهم أن يحاول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، وغيرهم من الدول أيضًا التمسك بالاتفاق معًا”. وعقب: “الفشل في دعم خطة العمل المشتركة الشاملة سيكون بمثابة استسلام للموقف الأمريكي، لكنه أيضُا سيبعث برسالة خطيرة من شأنها أن تخاطر بقواعد عدم انتشار الأسلحة النووية على نطاق أوسع”.
ومع ذلك ، فهناك شكوك جدية حول ما يمكن أن تفعله أي من هذه الإجراءات، للتخفيف من الأثر المروع لخروج ترامب على الشركات التي تتجنب المخاطر، عندما تتخذ قرارات بشأن التجارة والاستثمار في إيران. فمن المتوقع أن تنسحب شركات مثل عملاق النفط الفرنسي “توتال” إذا لم يوقع ترامب على التنازل في الثاني عشر من مايو. كما من المتوقع أن تتعرض مبيعات طائرات بوينج وايرباص للخطر على نطاق واسع.
“الفوز بلعبة تبادل الاتهامات”
طهران، التي ما زالت ملتزمة حتى الآن بالحدود المنصوص عليها في الاتفاقية لتخصيب اليورانيوم والأنشطة النووية الأخرى، ستواجه معضلة ما إذا كان الأمر يستحق التمسك باتفاق لا يقدم سوى فائدة ضئيلة أو معدومة.
وقالت أريان طباطبائي، وهي أستاذة مساعدة في الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون: “يبدو أن طهران غيرت موقفها، فقبل بضعة أشهر قالوا إنهم مهتمون بمواصلة العملية حتى لو غادرت الولايات المتحدة. وعلى ما يبدو فهذا قد تغير الآن، بسبب الضغط من المتشددين والسخط العام على الطريقة التي تسير بها الأمور”.
وساهمت عدائية ترامب الشديدة للاتفاقية في تقليص رأس المال الغربي والشركاء التجاريين، الأمر الذي يمثل بحد ذاته انتهاكًا لخطة العمل. وحذر مسؤولون إيرانيون من أنهم سيستأنفون إنتاج 20٪ من اليورانيوم المخصب في حالة انتهاك الولايات المتحدة للاتفاقية، وهو ما سيؤدي إلى أزمة فورية. من الناحية الفنية، يعتبر هذا هو شوطًا كبيرًا في الطريق إلى المواد المستخدمة في تصنيع الأسلحة.
وقالت طباطبائي: “يبقى أن نرى ما إذا كانوا سيخوضونها بالفعل أم لا” وتكمل: “لا أعتقد أنهم بالضرورة sوف يعاودون كل الأنشطة، مثل استكمال تخصيب اليورانيوم على مستويات أعلى، فلن يكون من المنطقي تماماً طرد مفتشي الأمم المتحدةK واستئناف التخصيب بنسبة 20٪ ، بينما هم يربحون لعبة تبادل الاتهامات”.
وحتى لو كانت إيران حذرة في رد فعلها، فستكون هناك مخاطر لانتهاكات تصاعدية. وأي انتهاك من جانب إيران يمكن أن يؤدي إلى قيام الموقعين الآخرين بالإعلان عن إلغاء خطة العمل المشتركة الشاملة، وبالتالي انتهاء الاستثمارات الأجنبية، مما يؤدي إلى قيام دعوات في طهران لاتخاذ إجراء أكثر جرأة.
مايك بومبيو ونائب الرئيس مايك بنس يستمعان لدونالد ترامب.
وتحرض إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إدارة ترامب لاتخاذ نهج أكثر تصادمية. والبيت الأبيض لا يحتاج إلى الكثير من التشجيع. فقد حذر ترامب من أن تزعج السفن الإيرانية السفن البحرية الأمريكية في الخليج، وقال: “سأنسفها في الماء”.
وكتب بولتون، أحد المخططين لغزو العراق، من الدعاة الدائمين للعمل العسكري، تعليقًا على صحيفة نيويورك تايمز في عام 2015 ، وهو العام الذي تم فيه التوقيع على خطة العمل، بعنوان “لتمنعوا قنبلة إيران، اِلقوا واحدة عليها”.
ولم يختبر ترامب وبولتون أي حرب فعلية. فكلاهما تفاديا الخدمة في فيتنام: ترامب بسبب “نتوء العظم” في قدميه، أما بولتون فقد انضم إلى الحرس الوطني وخدم في الولايات المتحدة. وكان قد كتب لاحقًا: “أعترف أنني لم أمتلك الرغبة في الموت في حقل أرز في جنوب شرق آسيا” وأكمل: “لقد اعتبرت أن الحرب في فيتنام خاسرة بالفعل”.
جيمس ماتيس، وزير الدفاع ومن مشاة البحرية المخضرمين، والذي كان يعتبر من قبل متشددًا ضد إيران، بدأ يظهر بسرعة باعتباره من دعاة السلام الوحيدين في الإدارة، ويحث على الدبلوماسية على الجبهتين الإيرانية والكورية الشمالية. فإذا قام ترامب بتنفيذ تهديده في الثاني عشر من مايو القادم، فربما يكون هذا الجنرال المتقاعد، والذي لقب أحيانًا (على مضض) بـ “الكلب المجنون”، هو آخر أمل لمنع نزاع آخر في الخليج.