قبل عقود من الزمن امتلئت مدن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالحمامات العامة التي تُقصد من علية القوم وعامته اغنياء الشعب وفقراءه على السواء، فقد كانت المكان الأمثل للاهتمام بالنظافة الشخصية والاستراخاء واستعادة الحيوية والنشاط من جديد، وتدريجيا بدءت تصبح منصة التواصل الاجتماعي الاولى امام شعب دولة الملالي للتعبير عن ارائهم وتبادل اطراف الحديث سويا بالأخص قبل الثورة الإسلامية 1979.
وبالنظرة على تاريخ الجمهورية الإسلامية يخبرنا أن تلك الحمامات بشكلها وعمارتها التي نجى بعضها من عوامل الزمن فيما هدمت قسوة متغيراته بعضها الاخر، نجد أن تلك الحمامات وجدت كأثر من المد العثماني الذي طال بلاد فارس وقتها كأحد مزايا المزج الثقافي والحضاري الذي حدث وقتها بين الامبراطورية الفارسية ونظيرتها العثمانية التي كانت تهدف إلى احتلال البلاد وهو ما يفسر تشابه الحماامات الإيرانية من ناحية الشكل مع ما يوجد في تركيا الان من حمامات عامة.
وبداية النشأة جاءت مع رواج التجارة وعمليات البيع والشراء ورحلات السفر الطويلة برا وبححرا التي كاناو يخوضها التجار لتسويق بضائعهم فقد كاناو في احتياج كبير لحمامات تقدم لهم خدمات صحية تمكنهم من التخلص من عناء تلك الرحلات الطويلة.
ومع تطور الامر شيئا فشيئا اصبح زبائن تلك الحمامات غير مقتصر على التجار، فقد اصبحت الملاذ الاول وتقريبا الوحيد امام جميع الباحثين عن مثل تلك الخدمات، وبالتبعية اصبحت مشروع ربحي فهم الكيرون على بنائه وهم اخرون على الانضمام إلى العاملة المشتغلة بهذة الحمامات.
وروعي في ذلك أن تتشابه جميعها مع الطراز العثماني فهي تضم غرفا مرتفعة عن الطبقة الارضية في جوانبها الدائرية ومفتوحة على البهو الواسع المتوسط للحمام وتعلواها جدران منحنيه وقباب خفيفية ومساطب يتخذها المدلكون مجالس لزبائنهم، وتترامي في بهوها اخواض مخصصة للاستحمام الذاتي تتدفق فيها المياهة الساخنة ويلف وسطالحمام ما يشبه القناطر الضغيرة المرتسمة للجلوس الجماعي والاستحمام فوقها.
واذا كانت تشابهت الحمامت الايارنية مع الحمامات التركية من حيث الشكل والعمارة، فقد كان لها طابعها الخاص الذي ميزها في فترة انتشرها بالاخص، فقد تحولت شيئا فشيئا من مجرد حمامات إلى منصات اجتماعية حقيقة تخرج منها بصداقات معارف ويناقش فيها كلا ما كان يدور في البلاد وقتها.
وهو ما ساعد عليه أن اغلبية العاملون بالحمامات الإيرانية كانوا لا يتبادلون الحديث مع زبائنهم الذين استعوضوا ذلك بالحديث سويا في شتى الامور لدرجة أن نفس الزبائن تلك اطلقوا على الحمام مسمى “الطبيب الابكم”.
ورغم انتشار تلك الحمامات على مستوى اغلبية محافظات ومدن الجمهورية الإسلامية إلا أن اغلبية المتواجد منها الان يتمركز في مدينة تبريز عاصمة محافظة اذربيجان الشرقية شمال غرب هضبة إيران وكذلك مدينة بستك احدى مدن محافظة هرمزغان جنوب إيران والتي تحوي الحمام الاشهر إيرانيا حمام “سيبه”.
وبمرور الزمن قلت اهمية تلك الحمامات ليس على مستوى لاشعب الايرايى فقط ولكن على مستوى جميع الدول التي انتشرت فيها في فترة ما كـتركيا ومصر والعراق واليونان، ولكن لم تنعدم زيارتها فمازالت بعض تلك الحمامات المواجودة في إيران وبالاخص المتواجدة بالاحياء الشعبية مازالت تعمل وتستقبل زبائن حتى الان.
ولكن في المقابل اغلبيتها لم يعد في الحسبان حتى السلطات الإيرانية اهملت تلك الثروة المعمارية في فترة ما وتسبب ذلك في هدم الكثير منها واستغلال مساحات الاراضي المبنية عليها لتشييد بناءات اخرى طمعا في تحقيق ربح مادي.
ومؤخرا بدءت السلطات الإيرانية تعديل نظرتها لتلك الابنية التاريخية بالاخص مع ملاحظة اهتمام الكثيرون من الإيرانين وغير الإيرانين في زيارة تلك الاماكن والتعرف على قصصها وهو ما دفع اعلان منظمة التراث الثقافي الإيراني عام 2016 عن تصنيف 1200 حمام ضمن الاثار التاريخية للبلاد، فيما قامت بتحويل عدد أخر من تلك الحمامات إلى متاحف وقاعات لممارسة الرياضة الإيرانية التقليدية “روز خانة”.