قدمت صحيفة الغارديان البريطانية مراجعة لأولى التجارب الاخراجية للمخرجة البريطانية من أصل إيراني ميترا تابريزيان فيلم “غلام” والذي تتناول خلاله قصة صراع نفسي داخلي لإيراني اجبر على الرحيل من وطنه واصبح عالقا بين عالمه االقديم المملوء بذكرياته وعالمه الجديد المنفي به والمجبر على التكيف مع من حوله.
وتحت عنوان مراجعة “غلام” شهاب حسيني يفتن كمنفي إيراني في لندن، تناول الناقد الفني الانجليزي مارك كيرمود تفاصيل الفيلم الفنية مشيدا بصناعه وبطله الممثل الإيراني شهاب حسيني، قائلا “انه مع الظهور الاول لبطل الفيلم تبدء مخرجته في كشف ابعاد شخصيته فهو يتواجد وسط الجالية الإيرانية بلندن في عام 2011 الذي شهد ثورات الربيع العربي، ومن الوهلة الاولى تستطيع كمشاهد ان تحتس كم الصراعات الداخلية النازحة الى قلب بطل الفيلم”.
يتميز شهاب حسيني بتقديم اداء فني مذهل يتسرب الى قلبك وينقل لك معانة بطل الفيلم دون اي كلمات فقط باستخدام تعابير وجهه هكذا تحدث الناقد الفني على اداء الممثل الإيراني الذي اثنى على ادائه ايضا بفيلم “البائع” للمخرج أصغر فارهادي الحائز على جائزة الاوسكار، مشيرا إلى ان الممثل الإيراني برع في نقل الصراعات العاطفية الضعيفة التي يعاني منها باستخدامه الجيد لايمائته الجسدية واصفا وجها باللطيف والمالون الذي يمكن ان ينقل الكثير من المعاني دون استخدام كلمة واحدة، مشبها ادائه الفني باداء الممثل العالمي روبرت دينيرو”.
ويقدم “حسيني” بالفيلم الإيراني البريطاني قصة إيراني منفي يعيش بالعاصمة الانجليزية لندن يعمل في الصباح في ورشة عمه لاصلاح السيارات المعطلة وليلا سائقا لسيارته التي يستخدمها لنقل الركاب مقابل المال والذين عادة ما يفشلون في كسر حالة الصمت المسيطرة عليه دائما، وهناك ابن عمه الشاب “أرش” الذي جسد شخصية الممثل ارمين كريمة، مغني راب في مطلع بدء حياته المهنية ويقوم بتأليف الاغاني التي تتمحور معانيها حول استعداده للموت من اجل وطنه وشعبه رغم انه يعيش بعيدا عن مناطق الصراعات والنزاعات في الشرق الأوسط، في الوقت الذي عاش فيه غلام ويلات تلك الصراعات بطريقة مباشرة حيث كان احد ابطال الحرب الإيرانية العراقية فيما مضى، كما تكشف مخرجة الفيلم خلال احداثه.
وبعيدا عن الصراعات النفسية التي يقدمها الفيلم عن بطل الحكاية، يبدء صراعه الحقيقي مع تزايد المحاولات الشريرة لاشراكة في مهمة غير محددة قج تعيده إلى طهران حيث مازالت والداتته تعيش هناك ومتلهفة بشكل كبير لروؤة بانها من جديد، لكن كل تلك المحاولات تقابل من غلام برفض شديد واذن صماء فليس هناك بداخله اية رغبة للعودة إلى وطنه من جديد ومعارك الماضي وليس لديه اية امال حول الحلول السياسية التي يتحدث عنها المسئولون بين الحين والاخر، ولكن ظهور امرآة (تجسد دورها الممثلة كورين سكينز كارتر) في حياته ولجؤها اليه خوفا من بعض البلطجية في الحي الذي تعيش به تدفعه إلى عمل غير متوقع بعدما تؤدي إلى اذكاء شرارة ضائعة في ذاكرته.
فيلم المخرجة تبريزيان بشكل عام يقدم مجموعة من صور المنفيين من إيران والذين سافروا إلى المملكة المتحدة واثروا بشكل ما في حياة غلام وبالاخص احدهم الذي كان بمثابة مصدر الهام له، فغلام ذلك الرجل الممزق بين ذكرياته القديمة والتزاماته الحالية مع ضياع رؤية واضحة للمستقبل، هو بساطة لغز شخص اختفى دون آثر وبطريقة ما اصبح يعيش حياة شبحية محصورة بين عوالم متباينة.
الفيلم من تاليف مشترك بين مخرجته وسيروس مسعودي، واللذان حاولا استخدام الحوار المتناثر والحركات الخفيفة المزوجة بالموسيقى التصويرية بشكل مكثف لخدمة الجو العام للفيلم في حين تجنبا الموسيقى العرضية لخدمة ولصالح الصمت الصاخب والضوضاء المحيطة البسيطة.
اما مدير تصوير الفيلم داولد أوكيما فحاول ان يستخدم زجاء السيارة الامامي اكثر من مرة لنقل تعابير وجه غلام بحيث لا يظهر وجه السائق إلا في انعكاس المرآة الخلفية للتأكيد على عزلته وصمته في مراقبة العالم من خلال هذا الزجاج.
في نهاية مراجعة الفيلم اشاد كاتبها بمخرجته وباقي فريق عمل الفيلم بصورة عامة واصفا مشاهده بلوحات الفنية ومعجبا باداء مخرجته وتمكنها من احتضان رؤية الفيلم ونقلها بثقة ووضوح رغم الموارد الانتاجية المحدودة وهو ما يجعلنا نتوقع اعمال فنية عظيمة منها مستقبلا.