يبدو أن روحاني لا يُريد أن يكون دوره اعتباطيًا مثله مثل من سبقوه من إخوانه الإصلاحيين الذين تسيدوا الحُكم وقبعوا في السُلطة كظِلال لا يُؤبَه لهم، ويقومون بالاضطلاع بأچندة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، مع الأخذ أننا قد نكون تيارات متفاوتة لدينا آراء ومناهج شتى في كيفية الحكم والإدارة ولكن هذا لا يعني الاستقلالية أو التفرُد أو أي صُورة من صور التجرُد بل الكل يدور ويسبح في فلك المرشد وينفذون سياساته ولا يميلون بكثيرٍ من الميل مع أهوائهم أو مخيلاتهم بأن يكونوا حُكامًا سادة.
ولكن روحاني منذ أن وصل لسُدة حكم الجمهورية وهو يحمل صُورةً أو انطباعًا مختلفًا عمن سبقوه ولو بصُورةٍ ضئيلة محددة، فسعيه الحثيث صوب تغيير الوضع سالف الذكر جعله ينتهج شكلًا جديدًا لم يكن ذا صيتٍ أو ذُيوع من قبل، وقرع روحاني طبول الحرب مع أجهزة وأذرُع المرشد ولم يدخله معه هو كشخصٍ أو صفةٍ في نزاعات بل مال على أذرعه وكأن يريد بترها، وظلّ الذراع الأقوى والأكثر بطشًا وفتكًا هو الحرس الثوري الإسلامي، ذلك الجهاز الذي يحوي سُلُطاتٍ ومصالحٍ وقوة لا يمتلكها أي جهاز أمني في البلاد، فضلًا عن أن يمتلكها رئيس جمهورية البلاد نفسه.
حديث قدوسي
أثار جواد كريمي قدوسي، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، والنائب عن مدينة مشهد في البرلمان، وواحد من مُتشددي تيار المحافظين، والمُقرَّب من قوات الحرس الثوري، موضوعًا وقضيةً شديدة الأهمية مؤخرًا، عندما كشف عن وجود خلافاتٍ حادة بين الرئيس الإيراني حسن روحاني من جهة، وقوات الحرس الثوري الإيراني من جهةٍ أُخرى.
وكان قد نشر الموقع الرسمي للنائب الإيراني مقطع فيديو له أثار فيه منزع الخلاف ومَرده، وجاء فيه أن “روحاني رفض دفع رواتب قوات الحرس الثوري الإيراني”.
وقال قدوسي: “اللواء باقري، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، بعث برسالةٍ إلى روحاني طالب من خلالها مناقشة ميزانية الحرس الثوري الإيراني”.
وأضاف قدوسي أن “رد الرئيس الإيراني كان صادمًا”، وقال روحاني ردًّا على رسالة باقري: “إن ميزانية القوات المسلحة يجب أن يتم تفصيلها عن التبذير الغريب للجماعات الثقافية والإعلامية التابعة، وجزء كبير من ميزانية القوات المسلحة، بدلًا من أن تُصرَف في الدفاع عن البلاد، يتم استخدامها لتخريب الحكومة، وهذا العمل قانونيًا وشرعيًا حرام”.
لقد كان ردًّا عنتريًا شديد الجرأة من روحاني، لم يضع فيه حُسبان لقوة الحرس ولا لهيبتهم أو مكانتهم التي أكسبوها لأنفسهم داخل المجتمع الإيراني، وكان روحاني يقصد الحرس الثوري الإيراني من كلامه، والذي يقوم بتمويل تياراتٍ ومنظماتٍ وصحفٍ ومواقع ومؤسسات تعمل على هدم عمل الحكومة الإيرانية وتشويه صورتها من خلال ترويج الدعاية السلبية ضدها وضد الرئيس روحاني.
كما أثار قدوسي نقطةً جديدة، فذكر رفض روحاني تخصيص ميزانية لرواتب قوات الحرس الثوري قائلًا: “روحاني يقول إنه لا يستطيع دفع رواتب لقوتين عسكريتين في البلاد، سواء الجيش الإيراني أو الحرس الثوري”.
وقد اتهم قدوسي، الرئيس روحاني بتنفيذ أوامر الأوروبيين، والنزول على رغبتهم، بحل قوات الحرس الثوري الإيراني قائلًا: “الأوروبيون هم من قالوا لنا بأن علينا حذف إحدى القوتين العسكرتين، وعلى إيران أن تختار إما أن يكون لديها جيشًا أو حرسًا ثوريًا”.
مضيفًا: “الدول الغربية كان أحد شروطها في المفاوضات مع إيران، هو حل قوات الحرس الثوري الإيراني”.
كما تابع قدوسي قائلًا: “الأوروبيون يعتقدون أن الأوضاع الداخلية الإيرانية تسمح لهم بالضغط على إيران، وكسب بعض الامتيازات من إيران، من خلال المفاوضات الجارية الآن، وبعض الشروط التي أيضًا طُرِحت على إيران هو تخلي إيران عن ملف “محور المقاومة”، وأيضًا ملف الصواريخ الإيرانية”.
كما كشف قدوسي عن خيبة أمل وزير الخارجية، جواد ظريف، من الملف السوري، وأنه يريد سحب يد إيران من الملف السوري قائلًا: “ظريف يروج الآن لدعاية أن الذين لديهم دور في ملف المقاومة وندعمهم، لن تستفيد إيران منهم شيئًا، ويريد أن نُخرِج من سوريا والبحرين واليمن والعراق”.
كما وصف قدوسي أوضاع المنطقة كالمائدة الممدودة قائلًا: “هناك مائدة ممدودة في المنطقة، وأقصد مائدة المقاومة والدفاع عن الشعب السوري واليمني والبحريني والعراقي، ولكن يريدوننا أن نترك هذه المائدة ويريدوننا أن نتنازل عن بشار الأسد، ونوافق على المرحلة الانتقالية بسوريا”.
وقد اعتبر قدوسي سلسلة الزيارات، كزيارة ابن سلمان إلى القاهرة، وزيارة وزير خارجية فرنسا إلى طهران، وزيارة نتنياهو إلى واشنطن تحمل هدفًا واحدًا، وهو استسلام محور المقاومة.
وشنّ قدوسي آخر غاراته على روحاني، عندما انتقده بعنف قائلًا: “في ظل الأوضاع التي تشهدها إيران كالفقر والتضخم، روحاني يقول إن مطالب الناس هي تغيير نمط حياتهم، ولا يريدون أن يكون على الطريقة الإسلامية”.
روحاني المُطبِّع
صحيفة “سياست روز”، التابعة للتيار المحافظ في إيران، ذكرت إن الرئيس، حسن روحاني، وفريقه، جمهرة من الإصلاحيين يقودون مشروعًا لتطبيع العلاقات بين واشنطن وطهران.
موضحةً أن الإصلاحيين ومن قبل وصولهم إلى السلطة في إيران وهم يخططون لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة ويرون أن العالم يقتصر على أمريكا وعدد من الدول الأوروبية، أو الموسومة بــ”الدول المتقدمة”، ويرون إعادة علاقات إيران مع تلك الدول لكي يكونوا قادرين على الوصول إلى السلطة.
مشيرةً أن حكومة روحاني تحاول تحقيق نفس الرغبات والطموحات التي فشل فيها الرئيس الإصلاحي، محمد خاتمي، في تطبيع العلاقات مع الدول الغربية، واستخدام ما يسمى بـ”نظرية حوار الحضارات”.
وأشارت الصحيفة أن الإصلاحيين يعملون على إيجاد قنوات تواصل غربية داعمة لهم في طهران، والاتفاق النووي كان بمثابة “عربون وبوابة” الحصول على دعم أميركا، كما اتهمت التيار الإصلاحي بتقديمه لتنازلاتٍ سياسيّة للولايات المتحدة والأوروبيين للمحافظة على الاتفاق النووي بأي ثمن ممكن.
وهو ما أكدته الصحيفة، عبر عباس عبدي، المنظر الرئيسي لتيار الاصلاحيين في إيران، الذي طرح الدخول في محادثات تخص القضايا الإقليمية مع الولايات المتحدة الامريكية، لإظهار التزام إيران بالاتفاق النووي”.
الصحيفة ترى أن سياسة الإصلاحيين في التطبيع مع واشنطن، ستكون بمثابة قاطرة تنحدر من ربوةٍ مرتفَعٍ متجهةً إلى السفح، فهذا ما سيجعل إيران مستعدةً للدخول في مفاوضات معها حول قضايا إقليمية، ثم يتبع ذلك مفاوضات على برنامج الصواريخ البالستية، ثم ملف حقوق الإنسان، وهلُم جرا، وهو بالمحصلة تنازل وإضعاف لدور طهران بالمنطقة وفق وصفها.
معركة البقاء
يبدو أن سياسة روحاني الثورية ستكون بمثابة أرضًا مُعبَّدةً بالألغام، وسيسير عليها هو وخُصومه وعلى رأسهم قوة الحرس الثوري، فيتخبطون خبط عشواء، ثم ننتظر من من الناجي.
لكننا لا نستطيع أن نُجزِم أن الآثار أو التداعيات التي ستُحيِق بروحاني يمكن أن تساوى بنفس الدرجة أو الفئة التصنيفية بنظيرتها التي ستُحيِق بالحر س الثوري. إذ أن روحاني سيلحق به ضررٌ بالغ وشديد الوطأة على إثره سيكون في صورةٍ أقل بدرجةٍ كبيرة ممن كانوا ظِلالًا على كُرسيّ الحكم، وسيتثمر المحافظون هذا العامل بقوةٍ وبأشد درجات الاستغلال وسيجعلوا من روحاني “عِبرة” لمن تُسوّل له نفسه بالانقلاب على مبادئهم وثوابتهم.
لاسيما أن ثورية روحاني على مبادئ وثوابت المحافظين في إدارة الحكم وجرأته وطبيعته الصدامية بهم، شيءٌ جديد لم يعهده المحافظون من الرؤساء السابقين للجمهورية الإيرانية من أبناء الحركة الإصلاحية.
بينما الحرس ومن وراءه المحافظين وأجهزتهم الممتدة على طول البلاد وعرضها، سيلحق بهم ضرر بالغ لاسيما الضرر السياسي والمعنوي والذي سيستنزف الكثير من وضعهم المجتمعي داخل البلاد وسيصبحون عُرضةً لهجمات الإصلاحيين ونقدهم نهارًا وليلًا، والذي لن يقف عند النقد الكلامي بأي صورة من الصور، وستُستباَحُ بيضتهم، ولكن النفوذ المالي الطاغي الذي يتمتعون به سيحد من أثر نزيفهم قليلًا، كما أيضًا كونهم ذراع المرشد الأمني والعسكري هذا ما سيقف دون الحيلولة لحدوث أضرارٍ أكبر مُتصوَرة لهم.
إذن هو الاتفاق النووي الذي يدور حوله كل هذا الصراع، والذي يُنتظَر عندما يضع أوزاره أن تُبنَى عليه الكثير من الأمور، وخاصةً موقعة تكسير العظام والبقاء بين الإصلاحيين ورئيسهم من جهة، والمحافظين بكافة أذرعهم من جهةٍ أخرى.
صحيفة “سياست زور” عبرت عما نعنيه، ّإذ أن الإصلاحيين يرون أن الاقتصاد الإيراني الذي يعاني من أزماتٍ طاحنة وبطالة وتضخم كبيرين، لا يُمكِن معالجته من وجهة نظرهم إلا من خلال رفع العقوبات بشكلٍ كامل عن إيران ولذلك يسعون للمحافظة على الاتفاق النووي باعتباره قضيةٍ مصيرية للتخفيف من العقوبات. وأن هذا الاتفاق سيسمح للإصلاحيين بالبقاء على اتصالٍ مع الغرب، وبواسطتهِ يصرون على أهمية عودة العلاقات مع واشنطن والاتحاد الأوروبي والحل لديهم لعودة العلاقات يكمن في التنازل عن المصالح الإيرانية في المنطقة.
بينما نرى أن المحافظين ينظرون لهذا الوضع على أنه “طأطأة رأس”، أو “موجات تغريب” ستتعرض لها إيران إذا ما تماهوا وتواءموا كمُحافظين مع الإصلاحيين، كما أن طبيعتهم الصدامية وكراهيتهم للغرب، أمورٌ سيوظفونها في موقعتهم مع الإصلاحيين، كما أنها تجعل من أن يتوافقوا مع الإصلاحيين أمرًا بعيد المنال.
فلمن ستُعطِي الأيام القادمة الفوز؟، ولمن ستدنو فيُحقِّق لتياره نُصرةً وبقاء طويلين، ثورية روحاني أم قوة حرس الثورة؟.