في الخامس عشر من آذار / مارس الجاري، اعتبرت البحرية الأمريكية، أن التحركات والتصرفات الإيرانية في مياه الخليج تغيرت بصورةٍ إيجابية خلال الأشهر الماضية مقارنةً بما قد حدث قبل سابق من حوادث متعددة بين زوارق وطائراتٍ إيرانيّة من جهة، وبين طائراتٍ وسُفن حربية أمريكيّة من جهةٍ أُخرى.
كيف قيّمت البحرية الأمريكية موقفها؟
قد يكون السؤال الدائر في عقول الكثيرين حول كيفية وجود مدحٍ أمريكيّ في سلوكياتٍ إيرانيّة، فضلًا عن ماهية تقييم البحرية الأمريكية لموقفها وإصداره وعلى أي أساس أصدرت البحرية الأمريكية حُكمها بإيجابية السُلوك الإيراني في مياه الخليج العربي؟.
قال بيل أوربان، المتحدث باسم الأسطول الخامس الأمريكي، والمرابِط عند دولة البحرين، إنه “لم تقع أي حوادث غير آمنة أو غير مهنية منذ 14 أب/ أغسطس 2017، حينما حلقت طائرة إيرانية من دون طيار على مسافةٍ قريبةٍ من مقاتلةٍ أمريكية”.
مضيفًا: “أنها مدةٌ زمنيةٌ مهمة، وهذا أمرٌ عظيم بنظرنا”.
وتابع أوربان في حديثه للصحافيين في المنامة، عاصمة البحرين، قائلًا أن الزوارق الإيرانية لم تعد تقترب من السفن الأمريكية بشكلٍ كبير، معتبرًا أن طهران قد غيرت من سلوكها، ومن الواضح إنه أمرٌ ينفذونه بوعيٍّ تام.
تاريخ من المناوشات العسكرية في مياه الخليج
- في كانون الأول / ديسمبر لعام 2015، أطلقت الزوارق الإيرانية السريعة التابعة للحرس الثوري الإيراني مجموعة صواريخ بالقربمن السفن الحربية، وحركة الملاحة التجارية، لاسيما حاملة الطائرات الأمريكية “هاري ترومان”، وقد وصّفت القيادة المركزية الأمريكية هذا الفعل بأنه استفزازي، لاسيما أن القوة البحرية التابهة للحرس كانت تُجري مناورات بالذخيرة الحية.
- شهدت الحادثة الأبرز، في 13 كانون الثاني / يناير لعام 2016، قيام البحرية الإيرانية باحتجاز زورقين تابعين للبحرية الأمريكية على إثر دخولهما للمياه الإقليمية الإيرانية عبر مياه الخليج، واحتجزت البحارة العشرة الذين كانوا على متنهما، وأطلقت سراحهم في نفس اليوم، بعد تأكدها من دخولهم المياه عن دون قصد. وقد تم تصوير مقطع أثناء قيام القوات الإيرانية بــــــ”تركيع” البحارة الأمريكان عند إيقاف الزورقين، الأمر الذي وُصِّف بـــ”المُذِل”.
- في كانون الثاني / يناير لعام 2016، حلّقت طائرة بدون طيار إيرانية غير مُسلّحة فوق حاملة الطائرات الأمريكية “هاري ترومان”، ذكر التليفزيون الإيراني حينها أن الطائرة استطاعت التقاط صورًا دقيقة.
- نيسان/ أبريل 2016، أعلنت البحرية الأمريكية أنها قامت بمصادرة سفينة أسلحة تكون لدى الولايات المتحدة الأمريكية اعتقاد بأنها مُرسَلة من إيران إلى المتمردين الحوثيين في اليمن.
- في أغسطس / آب لعام 2016، أطلقت سفينة تابعة للبحرية الأميركية ثلاث طلقات تحذيرية عقب اقتراب زورق هجومي إيراني -بعد أن كانوا ثلاثة زوارق- بمسافة تُقدّر بـــ193 متر، من سفينتين حربيتين أميركيتين في شمال الخليج العربي.
- في نهاية أبريل / نيسان 2017، اضطرت المدمرة “ماهان” الأمريكية لتغيير مسارها في مياه الخليج العربي عقب تقاربٍ خطير مع زورق إيرانيّ، وهذا ما أفادته قناة “فوكس نيوز” الأمريكية آنذاك، وقد أشار مسؤولون أمريكيون، أن المدمرة غيرت مسارها لتفادي اصطدام بزورق تابع لقوات الحرس الثوري الإيراني، والذي اقترب من السفينة الأمريكية لمسافة أقل من ألف ياردة -900 متر-، وقد أطلقت المدمرة إشاراتٍ تحذيرية، وتم وضع طاقمها في حالة تأهُب.
- في تموز / يوليو لعام 2017، قامت مروحيات تابعة للمارينز برصد زوارق تابعة للحرس الثوري الإيراني تقترب بسُرعةٍ عالية تقترب من القوات البحرية الأمريكية، وقد استخدمت المروحيات قنابل كاشفة لإيقاف الزوارق التي لم تستجب للاتصال.
- في آب / أغسطس لعام 2017، اقتربت طائرة إيرانية بدون طيار حتى مسافة 300 متر من حاملة الطائرات الأمريكية “يو اس اس نيمتز”، والتي كانت تُجرِي عمليات في المياه الدولية بالخليج، حتى وُصِّف اقترابها بأنه تم بصورةٍ غير آمنة وغير احترافية.
هذه الحوادث والمناوشات تُعد غيضٌ من فيضٍ كما يُقاَل، إذ أنه من النادر أن تنتظم العلاقة في مياه الخليج بين الجانبين الأميركي والإيراني، على سبيل المثال سنجد أن البحرية الأمريكية قد سجّلت ما يقرُب من 35 حادثة ومواجهة بينها وبين القوات الإيرانية في عام 2016 مقارنة بــــــ 23 حادثة سُجِّلت في عام 2015.
وقد تعددت واختلفت الصُور الاستفزازية وغير المهنية بين الجانبين كما تم توصيفها، كإطلاق الطلقات التحذيرية، والقنابل الكاشفة، تحليق الطائرات بدون طيار على مسافاتٍ منخفضة من السفن، واقتراب الزوارق السريعة بمسافاتٍ ضئيلة.
حتى أن البحرية الأمريكية في يونيو من عام 2017، أعلنت أن سفينة إيرانية وجّهت شعاع ليزر باتجاه مروحيةٍ عسكرية وسفينتين حربيتين أثناء تحليق وإبحار هذه القطع العسكرية الأمريكية الثلاث في الخليج، وهو سلوك جديد قالت إنه خطر وغير مهنيّ، إذ أن شعاع الليزر قد يُربِك الطيارين الذين يستخدمون نظارات الرؤية الليلية، وقد كان هذا تصعيدًا جديدًا لم يكُن في الحسبان أن يتم التوصل إليه من قِبل إيران.
هذه الأحداث كانت تُعيِد إلى الذاكرة تاريخًا يقطُر دمارًا ودمًا بين الطرفين منذ زمنٍ قريب بعيد في مياه الخليج، مثلما حدث في عام 1988 عندما اصطدمت السفينة الحربية الأمريكية “يو إس إس صامويل بي روبيرتس” بحقل ألغام زرعته إيران في مياه الخليج ما أدى إلى غرقها، وقد أدى هذا إلى اندلاع قتالٍ بحريّ لمدة يومٍ كامل بين الطرفين، هاجمت فيه القوات الأمريكية منصات نفط وأغرقت ودمرت ستة قوارب إيرانية.
في نفس العام، وبالأخص في الثالث من تموز / يوليو، أطلقت سفينة “يو اس اس فينسنس” الأمريكية بالخطأ صاروخين كانا قد ذهبا صوب طائرة ركاب إيرانية مدنية من طراز “إيرباص ايه 300 بي 2” كانت تحلق فوق مضيق هرمز، وقد أُصيِبت إصابةً مباشرة أدى إلى تدميرها تمامًا ومقتل جميع ركابها وطاقمها البالغ عددهم 290 شخصًا.
قبضةٌ إيرانية إيجابية أم تتبدل؟
إيران تُخضِع مياه الخليج بقوةٍ تحت لوائها، لا تقبل البتة حتى تسميته بغير مُسماه الذي ارتضته هيّ له، إذ تُسميه باسم “الخليج الفارسي”، ولا توافق مُطلقًا على مُسمى “الخليج العربي”، إذ أنه في تموز / يوليو لعام 2016، أوقفت إيران سفينة إماراتية في مياهها الإقليمية شمالي الخليج العربي بسبب عدم استخدام طاقم السفينة تسمية “الخليج الفارسي”، وقد وصّفت إيران هذا الفعل بأنه حفاظًا على الهُوية التاريخية للخليج الفارسي.
وفي تشرين الأول / أكتوبر لعام 2017، ردت إيران بقُوة على إثر استخدام الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في خطابٍ له لفظةً “الخليج العربي”، مما دفع الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بانتقاد ترامب موضحًا له أن عليه أن يقرأ التاريخ، والجغرافيا بشكلٍ جيد، والأدب، والأخلاق، والأعراف الدولية.
وقال محمود واعظي، رئيس مكتب رئيس الجمهورية، أن الخلیج الفارسي، سيظل إلى الأبد خلیجًا فارسيًّا.
كانت هناك دومًا تواترت من قِبل إيران على هذه الرسالة، عندما أكد قائد القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، الأميرال علي فدوي، في كانون الثاني / يناير هذا العام، أنّ قدرات إيران الصاروخية وطائراتها المسيرة تتجاوز منطقة الخليج وصولًا إلى ما بعد بحر عمان.
وأضاف أن الحرس الثوري يواصل أداء واجبه وباقتدار أكثر مما مضى، في نطاق المياه التي تقع ضمن حراسته، وهذا يدركه أغلب أعدائنا بمن فيهم عدونا الأول أمريكا.
ونستطيع التعريج بكافة الأحداث والمواجهات التي دشنتها إيران في مياه الخليج تجاه البحرية الأميركية وقواتها، أنها من قبيل النِدية والوقوف على أرضٍ مستويةٍ واحدة ناظرًا بناظر مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإثبات حوزتها وملكيتها للمياه التي طالما أرادت إثبات نسبتها لها، إذ أنها تجد أن تواجد الولايات المتحدة في هذه المنطقة هو “استفزاز” لها ولهيبتها في المنطقة وتظهر كأنها رادع لدول الخليج تجاهها.
وقد نظر بعض المحللين أن مثل هذه الحوادث كانت تُمثِل ضغطًا من قِبل المحافظين على الإدارة حسن روحاني الإصلاحية التي تحكم البلاد، إمعانًا في إحراجه عقب نجاحه في إبرام الاتفاق النووي مع القوى العظمى عام 2015، والذي لم يوافق عليه المحافظون المتشددون.
ولكن هذ السبب قد بدا في الانزياح في الفترة الماضية عقب نجاح إيران في تحقيق استتباب للأمور واستقرارٍ نسبيّ في مياه الخليج، وفي سلوكياتها تجاه البحرية الأمريكية كما قد أفاد بيان البحرية في مياه الخليج، وهذا قد يُوجَد في سياق أن إيران قد أرادت تحقيق موافقةٍ أو إذعانٍ نسبيّ لفكرة عدم سكب مزيد من الزيت على نيران العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية لئلا تُؤجَّج أميركا أكثر فأكثر ويُشكِّل هذا كمُؤثّر في قرار الولايات المتحدة نحو الاتفاق النووي المبرم معها ومع قوى 5+1، وهذا في ظل التكهنات المتزايدة بالقرار الذي سيتخذه ترامب في أيار / مايو المقبل، والذي يدور حول قيام ترامب بالانسحاب من الاتفاق بصُورةٍ نهائية لا رجعة فيها.
وعلى هذا الإثر هل ستبقى إيران على إيجابيتها في مياه الخليج والتي وسمتها البحرية الأمريكية بها، وهذا أمرٌ لو تعلمون عظيم، أم ستنتقل لحالةٍ من المناوشات والمواجهات، بصورةٍ أكثر حِدية واصطدامًا مما سبق، ومع أطرافٍ أكثر لا تتوقف عند البحرية الأمريكية فقط؟.
هذا ما سيجيبه علينا مشهد ما بعد أيار / مايو المقبل.
المصادر
1 / 2 / 3 / 4 / 5 / 6 / 7 / 8 / 9 / 10 / 11 / 12 / 13 / 14 /