لا شك أن القوة الناعمة هي إحدى الوسائل التي تلجأ إليها إيران للضغط على قوة موزاية لها في منطقة الشرق الأوسط، وبالطبع تلك القوة الموازية ممثلة في السعودية التي تقود شبه تحالف دولي ضد طهران، وللقوة الناعمة دومًا عدة مصادر وأدوات منها القيم السياسية التي تصدرها الدولة والسياسة الخارجية والنموذج الاقتصادي، نستعرض ما لجأ إليه كل من البلدين في تلك الحرب
القوة الثقافية
في البداية نود أن نذكر أن أهم وثيقة قومية وطنية بعد الدستور الإيراني الصادرة عام 2005 «الخطة الإيرانية العشرينية، إيران 2025» توضع التصورات المستقبلية للدور الإيراني خلال عشرين عامًا. تهدف الوثيقة إلى تحويل إيران إلى نواة مركزية لهيمنة تعددية داخلية في منطقة جنوب غرب آسيا، والتي تشمل المنطقة العربية.
الدكتور محمد سعيد اللباد أستاذ الدراسات الإيرانية، أكد أن «هناك عدة مصادر القوة الناعمة لإيران في المنطقة، أبرزها هو المصدر الثقافي، مشيرا إلى أنه في العام 2008 بلغت موازنة إيران الثقافية 2500 مليار تومان إيراني، ذهب منها فقط 386 مليار تومان إلى وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي والباقي صرف على النشاطات الدعائية والترويجية للثقافة الإيرانية في عالمها الخارجي.
اللباد أشار في تصريح لـ«إيران خانة»:«أن التأثير الثقافي الإيراني يعمل بكامل قوته في المناطق التي تعتقد بالمذهب الشيعي، بناءً على ذلك تعمل الآلة الدعائية الإيرانية من خلال توزيع نشاطات الحوزة العلمية في قمّ والقضاء على قوة ومرجعية حوزة النجف في العراق، عند المسلمين الشيعة».
يذكر أن إيران لها دور في انتشار الحوزات العلمية الشيعية في بعض الدول العربية، كسوريا ولبنان والسودان والأردن، كذلك إقامة بعض الحسينيات في دول كمصر والأردن إضافةً إلى كل ما سبق تأسيس مساجد شيعية، وبطبيعة النظام الحالي في إيران يتداخل الدين والسياسة تداخلًا تامًا، ما يعني أن المساجد الشيعية تتحول لمنابر دعائية للمذهب، ثم للسياسة الشيعية المتمثلة في إيران.
وتقود هذه العملية عدة مؤسسات إيرانية، منها المجمع العالمي لأهل البيت، ومنظمة التبليغ الإسلامية وتتلقى هذه المنظمة دعمًا مباشرًا من وزارة الثقافة وصل عام 2008 إلى 30 مليار تومان، كذلك مجمع التقريب بين المذاهب، كذلك مؤسسة الإمام الخميني الإغاثية والتي تؤدي خدمات اقتصادية، والتي تنشط في العديد من دول العالم، مؤخرًا انتشرت في أفغانستان.
يذكر أن التواجد الثقافي لإيران يتركز بشكل خاص في لبنان والعراق وسوريا واليمن وبعض دول الخليج، وثمة إحصائيات تؤكد أنَّ قوة جذب إيران لشباب خليجيين للمذهب الشيعي والمرجعية الخمينية في ازدياد مطرد.
أذرع إعلامية
تمتلك إيران شبكات إعلامية مؤثرة في منطقة آسيا وفي العالم، على رأسها وكالة البث الإسلامية الإيرانية (irib) التي تسيطر على السياسات الإعلامية لجميع المحطات التلفزيونية وإذاعات الراديو التابعة للدولة، يشرف على هذه المؤسسة شخصيًا المرشد الأعلى علي خامنئي، يضاف على هذه الوكالة منظمات كمجلس تنسيق البروبغندا الإسلامية والذي يحصل على أكثر من 3 مليار تومان في السنة، ومنظمة العلاقات والثقافة الإسلامية التي تحصل على أكثر من 37 مليار تومان في السنة.
كما تملك عدة وكالات مواقع إخبارية داعمة لها في إيران وخارجها.
السعودية تحارب بالرياضة
بينما برزت أخر محاولات السعودية في حربها الناعمة ضد إيران، عبر المدخل الرياضي خاصة كرة القدم، فمؤخرا شكر رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم عبد الخالق مسعود نظيره السعودي بعد صدور قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الذي سمح للملاعب العراقية باستقبال مباريات دولية رسميّة في 3 مدن عراقية.
القرار الذي انتظره العراقيون طويلاً، بعدما مُنعت بلادهم من احتضان مباريات دولية كاملة على أرضها منذ غزو العراق للكويت عام 1990، برز فيه اسم آل الشيخ بقوّة كوسيط فاعل، من دون أن يكون ذلك الحضور الوحيد للسعودية في تلك المنطقة.
الأمر الذي أثار عدة تساؤلات حول خلفيّات الدور الذي تلعبه السعوديّة في العراق، وتحديداً في المحافظات العراقية الجنوبية المعروفة بتأثرها بالنفوذ الإيراني.
و شمل رفع الحظر الرياضي عن العراق ثلاث مدن عراقية كبرى هي البصرة وأربيل وكربلاء، فيما بقي قائماً على بغداد.
ويرى مراقبون أنّ دعم السعودية للعراق، لاسيّما في الملفات الرياضية، هو انعكاس لتغيّر سياسة الرياض تجاه العراق لتصبح أكثر انفتاحاً، لا سيّما في ظل تزايد زيارات المسؤولين العراقيين إلى السعودية في الآونة الأخيرة وخروجهم بتعليقات إيجابية متبادلة تؤكد على حسن العلاقة بين البلدين.
وتأتي الوساطة الذي لعبها رئيس الاتحاد السعودي في جزء منها في الإطار نفسه، إذ لعبت السعودية دوراً كبيرا في دعم هذا الملف، مستكملة الجهود السابقة لإقامة مباراة ودية بين المنتخبين السعودي والعراقي على ملعب جذع النخلة في البصرة، فاز فيها المنتخب العراقي على ضيفه بـ 4 أهداف لهدف واحد.
وقد لاقت هذه المباراة حينها اهتماماً كبيراً في الأوساط الرياضية والإعلامية، نظرا لأهميتها إذ كانت أول مرة تلعب فيها السعودية في العراق منذ نحو 40 عاماً. كما احتفت الجماهير العراقية بالمنتخب السعودي مطلقة هاشتاغ #دارك يالأخضر الذي لاقى تجاوباً من السعوديين الذين شكروا العراق على الاستضافة.
وتفاخر ولي العهد السعودي، خلال زيارته مصر، بـ«70 ألف عراقي كانوا يحملون العلم السعودي» في مباراة المنتخب في البصرة، في إطار حديثه عن السعودية التي باتت «تمتلك التأثير في بعض الدول العربية، ومنها العراق».
وكان الملك سلمان تعهد، بعد أسبوع من المباراة، بتشييد استاد لكرة القدم في العراق، حسب ما أعلن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حينها.
زيارات ولقاءات
ولم تكتفي المملكة بالمدخل الرياضي، فقد بدأت محاولات سحب البساط العراقي من تحت أقدام طهران خاصة بعدما سارعت المملكة بتقديم الدعم السياسي للعراق في 2017 من خلال عدد من الاتفاقيات والزيارات المتبادلة.
وفي فبراير العام الماضي، زار وزير الخارجية السعودي عادل الجبير العراق، لتكون الزيارة الأولى لوزير خارجية سعودي إلى هناك بعد غياب 14 عاماً، وقد جاءت بهدف إعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الصحيح.
في المقابل، زار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي السعودية، حيث التقى الملك في مسعى لإقناع الرياض بالاستثمار في البلاد والمساعدة في إعادة إعمار العديد من المدن التي دمرتها الحرب ضد «داعش».
وفي تقرير لمجلة «إيكونومست»، مطلع الشهر الحالي، برز اسم البصرة كأكبر مدن العراق وعاصمة البلاد الاقتصادية التي تضم عدداً من أهم حقول النفط، والتي تجمعها حدود جنوبية مع السعودية.
وأشارت «الإيكونومست» البريطانية إلى إن المملكة تضع اللمسات الأخيرة على قنصليتها في مدينة البصرة، لتعود إلى حيث كان السعوديون قبل عقود في جنوب العراق. وشرحت المجلة أنه قبل غزو الكويت، كان الخليجيون العرب يحتفلون على ضفاف نهر «شط العرب»، جنوبي العراق. وقد امتلك كثيرون منهم قصوراً ومزارع حول البصرة وتزوجوا من عراقيات.
كما لفتت المجلة البريطانية إلى أن عشرات الشعراء السعوديين سافروا الشهر الماضي إلى مدينة البصرة من أجل حضور «مهرجان إربد الشعري»، الذي تقيمه وزارة الثقافة العراقية سنوياً في أحد أشهر الأسواق القديمة.
وفي أواخر الشهر الماضي، وصل وفد إعلامي سعودي رفيع المستوى إلى بغداد، في زيارة هي الأولى لوفد مماثل منذ 28 عاماً، فيما علقت نقابة الصحافيين العراقية قائلة إن الهدف من الزيارة هو تعزيز وتطبيع العلاقات بين البلدين خصوصاً في المجال الإعلامي.
يأتي كلّ ذلك، بعدما كان عام 2015 مركزيًا في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حين أعلنت الرياض فتح سفارتها في بغداد بعد قطيعة دامت 25 عاماً.
جذب شيعة العراق بالمال
وفي العام الماضي، بدأت التقارير تتحدث عن سعي بن سلمان لنقل الأموال من سياسيين سُنّة إلى شيعة أكثر تأثيرًا. وتزامن ذلك مع استقباله رجل الدين العراقي الشيعي البارز مقتدى الصدر ووزير داخلية العراق المقرب من إيران قاسم الأعرجي.
فتح المعابر
وفي العام الماضي أيضاً، اتفق البلدان على إعادة فتح معبر «عرعر» البري بينهما بعد 27 عاماً من إغلاقه، كما تم الإتفاق بين البلدين على استئناف الرحلات الجوية على عدد من المدن السعودية والعراقية، وقد وصل عدد الرحلات إلى حوالي 140 رحلة شهرياً.