يختلف المجتمع الإيراني عن أغلبية مجتمعات العالم في كل شيء وفي أدق التفاصيل حتى في مواعيد الاحتفالات ففي الوقت الذي يحرص فيه جميع الامم مهما اختلفت عقائدها وديانتها بالاحتفال برأس سالسنة الميلادية، يتغيب الإيرانيون عن ذلك ويؤجلون كل مظاهر الاحتفالات حتى مارس من كل عام موعد احتفالاتهم بأعياد النيروز وبداية السنة الإيرانية الجديدة، فكيف حافظ الإيرانيون على هذا الاحتفال الذي تؤكد اغلبية الوثائق التاريخية انبعاثه من الثقافة الفارسية القديمة ولم يتأثر بكل الغزاة الذين حكموا ارض الفيروز لعقودا من الزمن.
عيد النيروز يوافق الحادي والعشرون من مارس من كل عام والذي ينطلق مع انتهاء فصل الشتاء واعلان قدوم فصل الربيع، وتبدأ الاحتفالات به في إيران مع بداية شهر مارس ويحرص جميع الإيرانيون على ممارسة أغلبية طقوسه التي توارثوها من أجدداهم وولا يختص ذلك على سكان الجمهورية الاسلامية الإيرانية فحتى المهاجرون والقانطون في دولا أخرى ذوي الاصول الإيرانية لا يفوتون فرصة الاحتفال بهذا العيد.
عيد النيروز في إيران يتطابق بشكل ما مع احتفال المصريون بالشم النسيم العيد الذي توارثوه عن الفراعنة القدماء ويتشابه ايضا مع احتفال عيد الملك الطاووس لدى الايزييدين في العراق.
والاساطير كثيرة حول كيفية معرفة هذه العيد واول من احتفل به، فبعض الاقاويل ترجع الاحتفال بذلك اليوم إلى الملك الفارسي القديم جمشيد حينما ادرك أن الشمس تقطع دورتها في الدوران خلال 365 يوم ويتصادف بدء دورتها الجديدة مع هذا اليوم 21 مارس فقام الملك وحاشيته بالاحتفال بهذا اليوم.
اقاويل اخرى ترجع الاحتفال بهذا اليوم إلى الملك جمشيد ولكن بتفاصيل مختلفة بعض الشيء عن الرواية الاولى، ففي الرواية الثانية بدءت الاحتفالات بهذا اليوم بعدما فرغ الملك من التصدي لخبث الخبثاء وظلم الظالمين اقام حفلا كبيرا وتربع على عرش مرصع بالجواهر فهب الناس شكرا منهم لهذا النصر واحتفالا بانتظار الحق على الظلم واتخذوا من هذا اليوم احتفالا سنويا واسموه “نوروز”.
وهو ما يؤكده الشاعر الفارسي الفردوسي حينما اكد في ملحمته الكبرى “شاهنامة” أن “جمشيد” هذا هو مؤسس هذا العيد، ويقول “حينما اعتلى العرش جمشيد ونثر جوهرا، سموا ذاك اليوم باليوم الجديد، فبقي هذا اليوم الميمون خالدا منذ ذلك الزمان”.
وتبدأت احتفالات أعياد النيروز بعيد يسمى “جهارشنبة سوري”قبل 13 يوم من موعد عيد النيروز، وبعدها يبدأ الإيرانيون بتنظيف البيوت وتزينها استعداد لاستقبال الاحتفالات ثم تبدأ مراحل الاعداد لمائدة السينات السبعة التي تحتوي على اكل نباتي إلى جانب أطعمة مختلفة تبدأ بحرف السين وتتواجد بكل عائلة وليلة العشرون من مارس يجتمع حولها جميع افردا العائلة ومع اول دقيقة بالعام الجديد يتلون هذا الدعاء “يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ يَا مُدَبِّرَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَا مُحَوِّلَ الحَوْلِ وَالْأَحْوَالِ حَوِّلْ حَالَنَا إِلَی أَحْسَنِ الْحَالِ”، وفي صباح اليوم التالي يتبادلون زيارات الاقارب والاصدقاء والمعارف.
العيد المنسوب للديانة الإيرانية القديمة “الزاردشتية” ظلت تتوارثه الاجيال ولم يستطيع اي استعمار وطأ ارض إيران محوه لعوامل عدة يأتي في مقدمتها تطويع الاحتفال بهذا العيد واكسابه صبغة دينية خاصة أن طقوسه ومظاهر الاحتفال به لا تتعارض مع قيم الانسانية المستمدة من الدين الاسلامى الديانة الرسمة بالجمهورية الإيرانية وديانة حوالي 98 % من الإيرانين.
كما أن هناك روايات دينية منسوبة ألى أهل البيت تؤكد أن هذا العيد يحمل صبغة دينية من الموروث الاسلامي حيث نسبت اقاويل للامام جعفر الصادق يوضح فيها أن النيروز هو اليوم الذي أخذ فيه الله العهد على بني أدم أن يعبدو وألا يشركوا شيئا وهو اليوم الذي استقرت فيه سفينة نوح على الجودي وهو اليوم الذي قام فيه ابراهيم عليه السلام بكسر الأصنام وهو اليوم الذي نجى فيه موسى عليه السلام هو قومه من بطش فرعون به وشق بهم النهر وهو اليوم الذي بعث فيه رسول الاسلام محمد عليه الصلاة والسلام”.