لا يبدو أن قصة أحمدي نجاد ستضع أوزارها أو سيكُن لها حدًّا نتوقف عنده، تتوقف فيه التقارير والأحداث عن الانسياب والسيولة؛ نظرًا للوضع الحديث الذي أصبحت عليه صورة نجاد وقد تبدّل من حولِ المهندس المحافظ، والرئيس المتشدد السابق إلى حول المُعارِض الأشوس الذي لا يتوقف عن مهاجمة خامنئي ونظام حكمه.
سجن حميد بقائي
بدا أن عصر التحذيرات والإشارات المُخفاة الموجّهة من خامنئي إلى نجاد وأتباعه قد ولى، وأن هُناك عصرًا جديد قد آذنت كتابته بالغُدُو.
نقلًا عن وكالة “إيلنا” للأنباء الإيرانية، فقد أصدرت السلطات القضائية في إيران، الثلاثاء الماضي، حكمًا بالسجن لمدة 15 عامًا، بحق حميد بقائي، نائب الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، بعدما تم اعتقاله، ونقله إلى سجن أفين في طهران.
وأضافت أن رئيس محكمة طهران، أصدر أحكامًا أُخرى على بقائي تتعلق بالجلد، واسترجاع الأموال، بحق نائب الرئيس الإيراني، حميد بقائي. كما أكدت الوكالة، نقلًا عن عبد الله بور، وكيل نائب الرئيس الإيراني السابق، أن بقائي تم اعتقاله، وزُچَّ به في السجن،
موقع “دولت بهار”، التابع لتيار نجاد، نشر رسالةً يُقاَلُ أنها لحميد بقائي، ذكر فيها قائلًا: “إن محكمة الاستئناف أيّدت بعد ثماني جلسات من الاستماع للطعون والأدلة والوثائق التي قدمها في المحكمة، الأحكام التي صدرت بحقي وهي السجن لمدة 15 عامًا”.
أكّد بقائي أن هُناك مؤامرةً بريطانيةً إسرائيليةً قد أطاحت به، وذكر فيها: “أنا ضحية مخطط ممنهَج يحقق الأهداف الإسرائيلية-البريطانية”.
رحيم مشايي، الرئيس السابق لمكتب أحمدي نجاد، هو الآخر أعلن أن بقائي أضرب عن الطعام لحظة اعتقاله، احتجاجًا على حكم السجن الصادر بحقه من قِبل محكمة طهران.
تعليق نجاد
نجاد ذكر في بيانٍ له، الأربعاء الماضي، ردًّا على اعتقال نائبه، قائلًا: “أن القضاء الذي من المفترض أنه يحمي حقوق أبناء الشعب الإيراني، ويطبق العدالة، يمر بأسوأ المراحل في تاريخه حيث يتم تعيين أركانه من قِبل رئيس السلطة القضائية غير الكفء، والفاقد للشرعية”.
مُضيفًا : “لا يوجد استقلال للقضاة، وأنه بات من الواضح أن كبار مسؤولي الجهاز القضائي يقومون بتسييس القضاء وينتهكون جميع القوانين التي وضعوها بأنفسهم، ومسؤولو القضاء هم أول المتهمين بالفساد، لكنهم يدّعون زورًا محاربة الفساد حيث يسجنون أي شخص يضر بمصالحهم غير الشرعية بأساليبٍ سياسية، ودون الحاجة إلى الأدلة القانونية، ودون أن يحاسبهم أحد”.
حتى وصل للحظةٍ وصفيةٍ للقضاء والقائمين عليه بصفته “أُسٌ للفساد”.
تصفية الحاشية
موقع عربي 21، نقلًا عن مواقع إيرانيّة، أن اعتقال حميد بقائي أظهر خلافًا ماليًّا بين حكومة نجاد من جهة، وفيلق القدس الإيراني من جهةٍ أُخرى، حول مبالغ ماليةٍ كبيرة قُدِّمت على شكل رشاوىٍ إلى مسؤولين من جهات مختلفة، ورؤساء دول أفريقية.
كما تم الكشف عن خطابٍ مُوجَّه من بقائي إلى الچنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القُدس، طلب منه أن يتدخل شخصيًّا لتبرئته من سرقة أموال من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
قال بقائي: “شعبة أمن المعلومات في الحرس الثوري برئاسة حسين طائب، أدعت بأنني استلمت من فيلق القدس مبلغ مالي قدره 3.5 مليون يورو، في عام 2013، لأقوم بتسليم هذا المبلغ إلى رؤساء دولٍ أفريقية، واتُهمت بأنني أيضًا استخدمت المبلغ بجانب 570 ألف دولار من أموال الفيلق للإنفاق على حياتي الخاصة”.
مضيفًا: “بُناءً على هذا الادعاء المفتعَل، وُجِّهت لي تهمة اختلاس أموال من بيت المال، وبسبب هذا الادعاء غير المعقول وغير المنطقي، حُكِم عليّ بالسجن لمدة 15 عامًا”.
أضاف بقائي عن شكوى فيلق القدس فيه: “إنها كاذبةٌ من الأصل، وتُثير تساؤلات عدة حول فيلق القدس، وأن هذه المجموعة بدون محاسبة وبدون مراعاة القوانين واللوائح، تقوم بتوفير الأموال لأشخاصٍ ليس لديهم أي مسؤولية قانونية”.
هذه ليست المرة الأولى التي يُقتيِد فيها بقائي إلى السجن، فقد تم سجنه، في عام 2015، مدة سبعة أشهر لأسبابٍ غير معروفة. كما قد تعرّض للتحقيق أثناء فترة توليّه مهامهِ بتهم ارتكاب مخالفات.
لن يتم النظر نحو ما حدث لبقائي على إنه حُكمٍ قضائيٍّ عابر، تم فيه الحكم عليه على إثر اختلاساتٍ مالية أو فسادٍ قام به بقائي، بل لا بُد أن يُنظَر إليه على أنها “تصفيــة” لتيار نجاد، بقائي ذاته يعلم هذا الأمر، عندما صرّح في خطابه أن هُناك مخططًا واضحًا لتصفية جميع أنصار نجاد من خلال إلصاق تهمٍ تتعلق بملفاتٍ اقتصادية خلال فترة رئاسة أحمدي نجاد لإيران.
والآن بات على بقائي أن يدفع ضريبة وثمن هجومه وانتقاده هو ورئيسه شبه الدائم على السلطات القضائية الإيرانية، ضريبة ستُكلِفه كثيرًا من أسرٍ لحُريتهِ، وإهدارًا لكرامته عبر الجلد، وتأميمٍ لأمواله.
نجاد وبقائي وأنصارهما يعتبرون أن كل هذه القضايا التي نالت منهم، ورُفِعت ضدهم باطلةً ومفتعلةً بسبب خلافهم الواسع مع المرشد الإيراني، علي خامنئي، وقوة الحرس الثوري. وكانا قد طالب نجاد وبقائي، بأن يُحاكَموا علنًا أمام الشعب الإيراني، حتى يطلِّع الشعب بنفسه على الإجراءات القضائية المتبَعة في قضيتهم، لكن رئيس السلطة القضائية، صادق لاريجاني، قد رفض طلبهما.
نحا خامنئي ونظامه وأذرُعه إلى تصفية الخلافات مع نجاد وتياره عبر مسلكٍ مُؤسسيّ، فلم يتم التحرُك نحوها بقُوة أو عبر تصفيتها خارج إطار القانون، بل أُدخِل نجاد وتياره في معتركٍ قضائي يتم من خلاله الانتهاء من هذا الصداع الذي أصبح يُشكِّله نجاد في الفترة الحالية، لاسيما عقب تظاهرات يناير / كانون الثاني 2018.
خامنئي نجح في أن يُخندِق أركان نظامه للحظة خلاصٍ من نجاد وأنصاره، وهذا ما ظهر في الدعوى التي أقامها فيلق القدس ضد بقائي والتي حُوكِم بسببها، بالإضافة إلى السلوكيات التي انتهجتها قُوة الحرس الثوري الإيراني في مواقفٍ مختلفة حول نجاد وإرسال الكثير من الرسائل القولية والفعلية لنجاد لمنعه من الانطلاق في ثورتهِ هذه على النظام، وإن لم تكُن لحظة خلاص فهي حربٌ طويلة الحلقات مُنهِكة لن يكون الصمود فيها يقف إلى صف نجاد وجُندُه، وقد كان هذا التحذير شديد الوطأة ولا نستطيع أن نضعه في مرتبةٍ بسيطة أو هيّنة، ولا نعلم هل ستكون هذه الرسالة هي التحذير الأخير لنجاد قبل أن يتم اتخاذ إجراءٍ رسميٍّ ضده، أم أن نظام خامنئّ سيُمعِن في الإثخان في صفوف الأنصار حول نجاد لردعه عن فِعالهِ الثورية التي لا تفق مع أيديولوچيته؟.
ولكن ما نعلمه يقينًا واقع أن صبر خامنئي لن يطول كثيرًا، وقد أشرنا أكثر من مرة إلى أن نجاد لن يكون بمنأى عن مصير كروبي، وموسوي، وأخيرًا خاتمي.
المصادر