تكشفت في الآونةِ الأخيرة أحداثٌ وروايات ظهرت من ملفات الداخل الإيراني عن قرار دخول إيران المعترك السُوري، وكيفية وضع ثقلها بقُوةٍ في الأراضي السُورية، قاطعةً الطريق على التنظيمات السلفية الجهادية، وأيضًا على المملكة السُعودية، ونيّتها مكوثًا أبديًّا في الشام المُستعِر.
أحداث تتابعت، كانت تُظهِر إن لدى إيران خُطط ودراسات حول قضية سوريا، وأنها كانت تتمركز في عقيدتها السياسية وتأخذ موضعًا هامًا لديها، وهذا ما فسّره كمًّا هائلًا من الاجتماعات واللقاءات والتصريحات والمصادر على طول سبع سنينٍ عِجاف يتجرع مراراتها السوريون وحدهم حتى الآن.
نجاد الرافض وخامنئي الداعم
كان هذا كشف يُظهِر أن الآراء لم تكُن موحَّدةً وراء التدخل الإيراني في سُورية، إذ كشف العميد حميد محبي، نائب قائد القوات البرية في قوات الحرس الثوري الإيراني، عن معارضة الرئيس الإيراني السابق، أحمدي نجاد، لإنقاذ نظام الأسد من السُقُوط. وهذا نقلًا عن وكالة “أفتاب نيوز” الإيرانية.
مضيفًا أنه عندما قامت الحرب في سُورية، وجابت الاحتجاجات والتظاهرات أنحاء البلاد حتى وصلت إلى شوارع وبوابات مدينة دمشق، تراجع بعض المسؤولين في إيران عن دعم الأسد. وقال أحمدي نجاد: “من الآن فصاعدًا علينا ألّا نُنفِق على النظام في سوريا، وبشار الأسد قد انتهى”.
تذكر “عربي 21” أن هذا الأمر كان سابقة، فكانت هذه المرة الأولى التي يكشف فيها مسؤول عسكري إيرانيّ رفيع المستوى عن موقف رئيس الجمهورية الإيرانيّة السابق، أحمدي نجاد، من دعم نظام الأسد.
وذكر تقريرها، أن ولاية نجاد الثانية، (2009-2013)، شهدت بعض الخلافات والصراعات الداخلية بين الرئيس والمرشد، وهذا ما أدى إلى جلوس نجاد لمدة 11 يوما في بيته، وعدم الحضور إلى مقر الرئاسة، ولكن كان الوضع شديد التكتُم، فلم يتسرب وقتها أي شيء عن تلك الخلافات.
يقول حسين أمير عبد اللهيان، المساعد الخاص لرئيس البرلمان الإيراني في الشؤون الدولية، في حوارٍ له على القناة الإيرانية الخامسة، إنه عندما تطورت الأزمة بسوريا، اجتمع خامنئي بقادة النظام والمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وعلّق اللهيان أو نوّه صدد هذا الاجتماع، بأن مثل هذه النوعية من الاجتماعات لا تتم إلا عندما يُوجَد استشعار لدى القيادة الداخلية بأن هناك ما يوجَد ما يُهدِّد أمن إيران القومي.
مضيفًا أن هناك قلقًا ما كان يُخيِّم على الاجتماع حول التطورات الميدانية الواقعة في سوريا، فأثار البعض قضية تحديد مرحلة معينة في الدفاع عن النظام السوري، وأنه إلى أي مرحلةً وقتية يتم فيها الذهاب للدفاع عن نظام الأسد والحيلولة دون إسقاطه. خامنئي كان لديه رأي آخر نستطيع أن نوصِمه بالصرامة والحدة الشديدتين، فقد حذر حامنئي المسؤولين الإيرانيين بشدة حول سوريا، مؤكدًا أن الهدف من الثورة في سوريا هي إيران، والأمور لا تقف عند سوريا وإذا سقط نظام الأسد اليوم، فإن غدًّا عليهم مواجهة نفس الأزمة في إيران.
فأصدر خامنئي خلال هذا الاجتماع أمره بالدفاع عن النظام السوري، وقال للمسؤولين -الذين كان غالبيتهم يُعارِضون قرار التدخُل- حسبما يُفيِد اللهيان: “اذهبوا واعملوا بالتنسيق والتخطيط بين جميع الأجهزة والمؤسسات الإيرانية لمتابعة الملف السوري، ولا تسمحوا بهذا (سقوط نظام الأسد) أن يحدث”. مضيفًا: “دمشق كانت تحت سيطرة المعارضين والإرهابيين، ومن الممكن أن تسقط في أي لحظة، ومع كل ذلك كانت قواتنا الإيرانية، وحزب الله، وقوات الأسد، تُوزع الجبن والخبز على سكان المدينة حتى تبقى النساء والأطفال فيها على قيد الحياة”.
خامنئي أكّد هذه الرسالة مجددًا، حديثًا، عندما استقبل مطلع هذا الشهر، وزير الأوقاف السوري، في طهران، وفق وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء “إيرنا”. واصفًا رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بأنه القائد والمقاوم الكبير، الذي وقف صامدًا دون أي تردد أو شك، وهذا الأمر مهم جدًا لأي شعب. متابعًا أن سوريا تتصدر اليوم خط المواجهة، وعلينا أن ندعم صمودها”، حسبما قال.
وأضاف خامنئي، إن الثورة الإسلامية في إيران، والتي دخلت عامها الأربعين، وإن القوى العالمية -مشتملةً أمريكا والاتحاد السوفيتي السابق وحلف الناتو والرجعية العربية- تكاتفت ضدنا، لكننا لم نسقط، بل ازددنا نموًا وقوة.
هذه الرسالة أصبحت شبه متواترة في البيت الإيراني، ولاقت انتشارًا ورواجًا كبيرين، فقد تحدث عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية الإيراني، عن هذ الأمر، خلال لقاء مع ليس دوسيت، كبيرة المراسلين الدوليين، في BBC.
حيث قال: “وجود إيران في سوريا، لا يهدف إلى خلق جبهةٍ جديدة ضد إسرائيل، ولكن لمحاربة الإرهاب”.
مضيفًا: “تخيُلي، لو لم نكن موجودين هناك، لكُنّا رأينا تنظيم الدولة الإسلامية في دمشق، وربما في بيروت، وفي أماكن أخرى”.
إن حديث عراقجي يُظهِر بجِدية أمر التخُوف الإيراني من المدّ السلفي الجهادي في المنطقة عبر التنظيمات المتنوعة التي تجوب البُلدان المجاورة، وهو يُؤكِد مدى تموضع مبدأ الهُويّة الدينية والمذهبية في قلب معادلة السياسة الإيرانيّة، وأن التخوُف من إسرائيل وتدخُلها في سوريا، لا يُشكِّل الهاجس الأكبر لدى إيرن، بل كما قال عراقجي، “لرُبما وجدنا تنظيم الدولة في دمشق، وبيروت”، وهو لم يُوضِح أكثر ورُبما كان قصده بأماكن أُخرى طهران.
يأتي هذا كله فيما قد صرّح به وكشف عنه، علي آقا محمدي، عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، في تصريحاتهِ لوكالة مهر الإيرانيّة، عن قرارٍ شديد الخطورة والأهمية كان بشار الأسد بصدد اتخاذه عقب اندلاع الثورة السورية لولا تدخل طهران ومنعه من ذلك.
وكان قرار الأسد هو ترك السُلطة ومنصب الرئاسة، بعدما خارت قُوى نظامه الأمني جيش وشُرطة وميلشيات مدعومة بالسلاح أُطلِق عليها اسم “الشبيحة”، وأصبحت قوات المعارضة تقرع أبواب قصره. ولكن اللواء حسين همداني عندما عاد إلى طهران قادمًا من دمشق أبلغ القيادة الإيرانية بهذا النبأ.
فأوصى حسين همداني الأسد بضرورة توزيع قطع السلاح على 10 آلاف مواطن موالي له من الشعب وتنظيمهم من أجل تجاوز تلك المرحلة العصبية، والتي أعقبها قيام الحرس الثوري بتجنيد 80 ألف عنصر سوري لدعم النظام، ثم ما لبث أن أشرك حزب الله في الحرب في سوريا، وهذا أسهم في تقوية الجيش وجعله من القدرة بمكان لمواجهة تنظيمات المعرضة وإزالة المخاطر عن بشار.
أرضٌ غير مُعبَّدة بين الإيرانيي والرُوس:
أظهرت التقارير الصادرة أيضًا عن ما يدورُ حاليًا ويتجدد بين فينةٍ وأُخرى، وهو المناوشات الإيرانية الروسية، إذ كشف محبي أيضًّا عن وُجُود خلافٍ إيرانيّ- روسيّ حول مصير الأسد، قال مجبي: “لقد اختلفنا مع روسيا لعدة سنوات حول الأسد، وموقفنا كان يرتكز على دعمه، في حين يعتقد الروس أننا يجب أن نُدعِم حكومة ذات توجه قريب من توجه الأسد دون وُجود الأسد في السلطة”.
حتى أن خامنئي تدخل بقُوةٍ متناهية في هذا الأمر فصرّح قائلًا: “إذا اتخذنا خطوةً إلى الوراء، فينبغي أن نتراجع في الخطوات التالية”.
وسار محبي نحو رؤيةٍ ما، مفادها أن الرئيس الروسي نزل على رغبة إيران في الملف السوري، حتى أنه قال: “بوتين الذي يعدّ من كبار السياسيين في العالم، وبعد مرور أربعة أعوام من الأزمة السورية، اقتنع بالموقف والرؤية الإيرانية، وتدخل في المرحلة الأولى عن طريق القوات الجوية، ومن ثمَّ القوات البرية”.
سببٌ حوهري حول التدخل الإيراني في سُوريا
عبد اللهيان في حديثهِ، أوجد أو أظهر سببًا ليس بالبساطة التي قد يعتقدها البعض حول قضية هذا التدخُل الإيراني والدعم ير المحدود للحيلولة دون سقوط نظام الأسد، وتغيُر الوضع في الجمهورية السُورية، ولكنه سببًا يُخبِئ وراءه الكثير من التحليلات والتفسيرات.
فقد ذكر، أن الناس تسأل وهو سؤال طرحه عليّ أيضًا وزير الخارجية البريطاني السابق، هاموند، لماذا ندعم بشار الأسد المجرم؟، رُغم أن الأسد لا يحترم الديمقراطية، وكان رئيسًا ظل جاثمًا على صدر جمهوريته لفترةٍ دامت تسع سنوات لسوريا.
فقال نصًّا: “البحرين عندما انفصلت عن إيران عام 1971، كان الشيخ خليفة رئيس الدولة، وما زال حتى الآن يشغل هذا المنصب، وقد قتل 300 متظاهر في شوارع البحرين من أجل مطالبهم وإقالة رئيس الوزراء، إذن لماذا البحرين تنسجم مع مبادئكم الديمقراطية في بريطانيا، وسوريا لا تنسجم؟”.
يُظهِر هذا القول أن إيران تنطلق من مذهب مخالفة النظام الدولي، الذي تنتظمه التناقُضات وعدم اتخاذ مواقفٍ مُحدَّدة ومُوحّدة بصدد قضايا الصراع والنزاع في جنبات العالم لاسيما في منطقة الشرق الأوسط.
كما إن إيران تُوضِح مدى تأثير قضية البحرين وإلقائها بظلالها على البيت السياسي في إيران، والذي يسعى سعيًا حثيثًا وراء توجيه ضربةٍ تنزع النظام الحاكم في البحرين عن كرسيّه، في محاولةٍ لمساندة الشعب ذو الأغلبية المذهبية الشيعية للانتصار على النظام السُني، والمُسانَد بقوة من قِبل المملكة السعودية.
وكأن إيران تريد أن تقول، أنتم قد قبلتم بما يحدث في البحرين، فعليكم أن تقبلوا ما يحدث في سُورية أيضًا، أيًّا كان ما يحدث في سُورية، بغضّ النظر عن اختلاف الموقع الجغرافي، والتعداد السُكاني، والقضايا شأن التدخُل، والعديد من الاختلافات والتبايُنات التي لا تقف على أرضٍ صلبة وراء تبرير إيران تدخُلها في سوريا.